يوم الخميس الثامن والعشرين من يونيو 2012 كان مخصصاً لولاية النيل الأزرق ضمن برنامج (ليالي السودان) ،ولا شك أن فكرة مهرجان ليالي السودان فكرة رائعة لعكس ثقافات وعادات وتقاليد شعب السودان المتنوع وفي التنوع تأتي الوحدة وهكذا قال سبحانه وتعالى بأن جعل الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا (أمم متحدة). وهذه هي المرة الثانية التي تأتي فيها ولاية النيل الأزرق في قلب أحداث السودان فالمرة الأولى كانت في عام 2010 عند اجراء الانتخابات العامة في البلاد في أبريل من ذات العام وتنافس فيها على منصب والي الولاية مرشح الحركة الشعبية السيد مالك عقار ومرشح المؤتمر الوطني السيد أحمد كرمنو والذي تم سحبه ليواصل السيد فرح ابراهيم مشوار المنافسة ويخسر لصالح مرشح الحركة الشعبية السيد مالك عقار. وكانت المنافسة شديدة والاهتمام أكبر بمنصب والي النيل الأزرق لأنها ولاية ذات خصوصية إذ أنها حدودية مع اثيوبيا وكانت ضمن الصراع في الحرب الأهلية قبل توقيع اتفاقية السلام الشامل في يناير 2005 وحظيت ببروتوكول خاص ضمن اتفاقية السلام مع ولاية جنوب كردفان ثم موضوع المشورة الشعبية فيها وفي جنوب كردفان ولهذه الأسباب وغيرها شغلت الولاية - النيل الأزرق - الناس والرأي العام وازدادت أهميتها بفوز السيد مالك عقار بمنصب الوالي وكان بذلك الوالي الوحيد للحركة الشعبية في السودان الشمالي بعد أن خسر مرشحها المنصب في جنوب كردفان السيد عبد العزيز الحلو لصالح مرشح المؤتمر الوطني السيد أحمد هارون وأشعل الأول الحرب بعد خسارته.. جاءت ولاية النيل الأزرق إلى مهرجان ليالي السودان بالفرق الشعبية وبالرقصات المتنوعة ففيها الوازا والكلش والزمبارة وغيرها من رقصات القبائل في مواسم الحصاد، وجدع النار، ومن محليات الولاية المختلفة من الكرمك وقيسان والروصيرص والتضامن وباو أما المحلية السادسة وهي محلية الدمازين فهي مثل العاصمة القومية (كرش فيل) ولأن أساسها تنموي فقد نشأت مع بداية العمل في بناء خزان الروصيرص ولذا تنعدم فيها ثقافة وعادات يمكن أن ترمز إليها كرمز الزمبارة إلى قبيلة الدوالة في الكرمك على سبيل المثال، وكانت لفرق الولاية حضوراً مميزاً وازدادت روعة وبهاءً وجمالاً بالشاعرات الشابات ندى ياجي وفرحة عبد الرسول والشاعر دكتور صلاح عقار الذي أنشد الشعر بالعربية الدارجة ثم باللهجة المحلية الرطانة فكان شعراً رصيناً محكم القوافي وقوي المعاني دعا فيه إلى وحدة الصف ونبذ الخلافات والعمل بيد واحدة من أجل الولاية أولاً ثم السودان عامة، وما خرجت معاني شعر الفتاتين عن ذات المعنى فظهرت القومية بجلاء وحب السودان وطن الجميع.. أبدع فنانو الولاية بالغناء، سبت عثمان وطه أفيري، وأنور إدريس، والجمري حامد ورجب عدلان (أفندي) فتجاوب الحضور مع الأنغام ومع الايقاعات ومع نساء الولاية اللائي أدين أدوارهن بجدارة فائقة، فعكسن نشاط المرأة في الولاية، ودورها في الحياة العامة في الزراعة والحصاد وفي الأفراح وليالي النفير، وتنوعت الفقرات بتنوع العادات وتنوع القبائل ولكنها جميعها التقت في حب أرض الوطن الصغير ثم الوطن الكبير وذلك نابع من طبيعة الحياة في جميع أنحاء ولاية النيل الأزرق فرغم تعدد القبائل من كوما في يابوس وأدوك في شالي وجمجم في ودكة وبرون في مناطق متفرقة ودوالة وعناصر عربية من عركيين ودناقلة وجعليين وشايقية وغيرهم ثم أنقسنا وجبلاويين وبرتا وفلاتة وكدالو وهمج وفونج، ورغم شح الموارد في الولاية مثل الماء في فصل الصيف والمراعي في فصل الجفاف إلا أن الولاية لم تشهد في تاريخها البعيد والقريب أي صراع بين قبيلتين بسلاح أو بغير السلاح ، وحتى بعد هذه الحرب في الولاية لم يحدث أي صراع قبلي مع توفر السلاح والذخيرة.. انها حقاً ثقافة السلام وانها حقاً (الوحدة في التنوع) وهنا إذن نرى ان الحرب مفروضة على شعب الولاية وقد عبرت فقرة الدراما عن هذا الموضوع وكانت معبرة تماماً فست الشاي تجد نفسها هاربة من مدينة الدمازين على قدميها إلى مدينة ود النيل التي تبعد أكثر من خمسين كيلومتر من الدمازين، وذلك الشاب الذي يجري ولا يدري أي مشوار قطع حتى يجد نفسه في مدينة سنار التي تبعد عن الدمازين بأكثر من مائة وثلاثين كيلو متر وذلك الشيخ الكبير يهب لنجدة جارته الكبيرة في سنها وذهبت إلى الخور تبحث عن الماء ويحاول مساعدتها ولكنها تفارق الحياة بسبب الارهاق والجوع والظمأ، وتبحث المجموعة عن سر هذه الحرب ولماذا كل هذا الدمار والخراب. فكانت أميز فقرة في البرنامج لأنها كانت دلالة على ارتفاع الوعي عند انسان الولاية حتى صار يعبر عن مأساته بطريقة الدراما، وسعدت بهذه الفقرة أيما سعادة فتعبيرها عن المأساة كان أبلغ من خطبة عصماء وأرجو أن تكون الرسالة قد وصلت إلى متخذي القرار.. وملحمة (جيش واحد شعب واحد) أداء حسين مؤمن تجسيد للوطنية وارتباط الجيش بالشعب والشعب بالجيش حتى في أطراف البلاد والأغنية الوطنية ولاية النيل العظيم التي صاغ كلماتها الدكتور الجيلي علي العبيد وغناها الشاذلي الشيخ، وغناء الفنانين أسامة خالد والطاهر السراجية وفراج الهم بله كلها جسدت الوحدة الوطنية والمحبة والتعايش السلمي في ولاية النيل الأزرق، فوجدت تجاوباً من جموع الحاضرين في مسرح قاعة الصداقة فقالت ولاية النيل الأزرق وبالصوت العالي (أنا هنا ولم تقل كان أبي) وكان لأبناء الولاية في الخرطوم حضور أنيق. لابد من الاشادة بوزير الثقافة الاتحادي السموأل خلف الله فهذه مبادرة ممتازة والشكر أيضاً لجميع العاملين في وزارته على ما بذلوه من جهد لتخرج ليالي السودان بهذه الروعة، والثناء العطر لوزير الثقافة في ولاية النيل الأزرق السيد كمال الدين خلف الله ولأمين عام الوزارة الدكتور الجعلي علي العبيد وكل أركان سلم الوزارة على الجهد المقدر والتحية لكل الذين شاركوا في الأداء رجال ونساء لاعلاء شأن الولاية، وللباحث المحترم أمير النور الذي لم يبخل بجهده وعلمه بدافع الغيرة الوطنية والتحية لابن الولاية المخرج صلاح محمد نور الذي أبدع في اخراج الليلة، ولكل من يظن أن ولاية النيل الأزرق ولاية طرفية بعيدة عن عمق السودان فهو واهم، فهي جزء أصيل من الجسم الكلي للوطن الذي يتداعى كله بالسهر والحمى إذا ما أصاب مكروه جزءاً منه. وللتدليل على ذلك فإن أول مدينة خارج ولاية النيل الأزرق احتفلت بعودة مدينة الكرمك إلى حضن الوطن في الأول من نوفمبر 2011م عندما حررتها القوات المسلحة الباسلة من قبضة التمرد هي مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب السودان. ونختم بتهنئة خاصة للسيد والي الولاية اللواء الهادي بشرى ليكون ختامنا مسكاً.. ياهو ده السودان