تقول فاطمة ذات العشرة اعوام التي كانت تقطن بقرية صفيرة التي تقع على الحدود مع دولة جنوب السودان وتقيم الآن بمعسكر السراجية للنازحين بمدينة أبو جبيهة بولاية جنوب كردفان، إن حياتهم كانت مستقرة وآمنة، وتبدي حسرتها على عدم حضورها لفصل الخريف بقريتها، متمنية العودة إلى قريتها لمساعدة اهلها في الزراعة كما دأبت كل خريف، والاستعداد للعام الدراسي، وغير بعيد من الصغيرة فاطمة يتحسر مزارع من قرية القردود على خروجهم من الموسم الزراعي هذا العام، وقال انه لأول مرة منذ عشرين عاما لا يذهب الى مزرعته في فصل الخريف بسبب ابتعاده عن قريته ووجوده في معسكر للنزوح. ومن يزور مدينة ابو جبيهة يقف على المنطقة المشهورة بكرم اهلها وانتاخ الخضر والفاكهة للفارين من جحيم الحرب من المناطق الحدودية مع دولة الجنوب وغيرها، أبرزهم مواطنو سبعه قرى بوحدة جديدة ابو نوارة التابعة لمحلية ابو جبيهة التي تقع على الشريط الحدودي مع دولة جنوب السودان، وفي المنطقة الشرقية من ولاية جنوب كردفان وتحادد مدينة كاكا التجارية، واهل هذه القرى لم يعرفوا النزوح من قبل، ويعيش اكثر من 80% منهم في معسكرات مؤقتة تقع بالقرب من ابو جبيهة، وشهدت قرى قريضة وميعة وصفيرة وعد الدم وجديد والقردود والطمر نزوحاً للسكان من مناطقهم بسبب عدم الاستقرار الامني وخشية انقطاع الطريق مع بدء هطول الامطار تزامناً مع رحيل أكبر شركتين زراعيتين بالمنطقة، وقال الطبيب البيطري البشرى ابراهيم عسيل إن شركتي ريم وتبارك كانتا تساهمان في تشغيل الآلاف من سكان تلك القرى، مشيراً الى توقف عمل الشركتين لقرب مناطق عملهما من معسكر الحلوف الذي يتبع لجيش دولة جنوب السودان، ويؤكد الطبيب البيطري في حديث ل «الصحافة» استمرار موجات النزوح الى المعسكرات بأبو جبيهة، مؤكداً فشل الموسم الزراعي بنسبة 100%، كاشفاً عن فقدان مواطني القرى لممتلكاتهم وفرص عملهم عقب نزوحهم، راهناً عودتهم بتوفر الأمن في القرى التي نزحوا منها، وقال إن السلطات بولاية جنوب كردفان أكدت تقديمها الدعم لنازحي المعسكرات وتحويل المواد التي تحملها النفرات القادمة من ولايات السودان المختلفة الى المعسكرات، ويضيف: تأثرت وحدة جديدة ابو نوارة التابعة لمحلية ابو جبيهة في الشريط الحدودي مع دولة جنوب السودان بالحرب الاخيرة، والقري التي تأثرت هي: قريضة، عد الدم، ميعة، جديد الطمر بالاضافة الى السراجية، ولجأ مواطنو هذه القرى الى معسكرات النزوح المنسية المفتقرة الى ابسط مقومات الحياة العادية وليس الحياة الكريمة في ظل ولاية يتحدث القائمون على أمرها عن تأمين الحدود وتوفير المخزون الاستراتيجي كأهم مسببات للحياة في فصل الخريف، وهو مفقود في القرى السالفة الذكر، بالإضافة إلى تسليط قانون الطوارئ في مراقبة تسيير البضائع، إذ تعتبر السلطات هذا الشريط منفذًا لتهريب البضائع الى دولة الجنوب، مع العلم بأن الطريق الوحيد مع أبو جبيهة يتوقف بسبب الخريف، وهذه المعطيات جعلت شركات زراعية كبرى كانت توفر عمالة وهي بمثابة مخزونهم لفصل الخريف، ترحل بسبب الأوضاع الأمنية، واهل هذه القرى فقدوا أمنهم ومصدر رزقهم بعد توقف وصول البضائع البسيطة التي تكفي احتياجاتهم اليومية، وحتى طواحين الغلال انعدمت مما جعلهم يصطفون صباحاً للحصول على دقيق الوجبة.. ويضيف أن هذه الظروف جعلتهم في حالة حرجة، فنزحوا الى ابو جبيهة والترتر لمن استطاع العيش فيهما لمدة، او الى معسكرات في السراجية اثر عدم الاستماع الى صوتهم واحتياجاتهم رغم ذهاب وفد منهم الى رئاسة محلية ابو جبيهة ومقابلة المعتمد الذي هو في الأصل يعلم ما يحدث ولكنه لا يفعل شيئاً، وكل الولاية لها ظروف خاصة، لكن اجزاءً كبيرة حظيت بتسلط الضوء على مشكلاتها وزارها الإعلام، لكن معسكرات النازحين في ابو جبيهة بالذات كتلك الموجودة في قرية السهل والسراجية لم يسمع بها أحد حتى داخل الولاية، ولم تصلها نفرات الدعم من ولايات السودان الأخرى. ونأمل من نائب الدائرة في المجلس الوطني ومن الوالي احمد هارون التدخل وانهاء هذه المأساة الإنسانية حتى ينعم اهل هذه القرى بحقهم في العيش بوصفهم مواطنين يريدون الأمن والاستقرار حتى تتسنى لهم المساهمة في دفع عجلة التنمية والإعمار في الولاية، كما نرجو من السيد الوالي عدم ترك امرهم الى معتمد يتجاهلهم او نائب لا يهمه امرهم، فهم أهل نجدة سيدي الوالي، خفاف عند الفزع أقلاء عند الطمع، ولا يساءلون الناس الحافاً. حسرة وحزن وتبدي امرأة تدعى عائشة حسرتها على التغيير الكبير الذي طرأ على حياتهم، وتقول في حديث مع «الصحافة» إنهم كانوا يعيشون في امن واستقرار قبل اندلاع الحرب، وانهم لم يعرفوا التشرد او النزوح من قبل، مبينة أن هناك معاناة كبيرة يواجهونها في المعسكرات، وقالت انه لولا دعم اهل المناطق التي تحتضن المعسكرات والدعم الذي يصلهم من اهلهم بالخرطوم والمناطق الاخري لواجهوا ظروفاً حياتية معقدة، وناشدت السلطات العمل على توفير الأمن بقراهم الاصلية حتي يتمكنوا من العودة اليها. غياب السلطات ومن جانبه أكد عضو لجنة شباب منطقة جديد، عبد الله حماد جبارة، عدم وصول أية معونات غذائية للنازحين، وقدر جبارة أن نسبة النازحين لا تقل عن 80% من سكان تلك القرى البالغ عددهم اكثر من عشرة آلاف نسمة، وطالب حكومة الولاية بتوفير الذرة للمواطنين واحياء المشروعات الزراعية التي تمثل الأمن الغذائي لكل مناطق ابو جبيهة. ويقول عبد الوهاب الشريف أحد شباب القرى التي نزح اهلها ل «الصحافة» إن المنطقة تحادد دولة الجنوب وبالقرب من منطقة كاكا الحدودية المتنازع عليها بين دولتي السودان وجنوب السودان، وتقع في المنطقة الشرقية من ولاية جنوب كردفان، وقال إن المهنة الرئيسة لسكان القرى السبع الذين نزحوا الى المعسكرات بأبو جبيهة هي الزراعة وخاصة الصمغ العربي، وزاد: هناك ايضا العديد من المشروعات الزراعية الكبرى التي يعود بعضها لشركات مثل ريم وتبارك، ولكن الزراعة في المنطقة وعقب الحرب الاخيرة توقفت تماماً، وهذا الموسم تشير كل التوقعات فيه الى صعوبة اللحاق به اذا لم يتوفر الامن. ويصف عبد الوهاب الشريف اوضاع النازحين في المعسكرات بجانديل والسراجية بالمأساوية، ونفى تقديم السلطات بالولاية مساعدات للنازحين الذين قال انهم يقطنون في رواكيب مشيدة من المواد المحلية والمشمعات، وان الامطار بدأت الهطول بغزارة في المنطقة، وهو الأمر الذي اعتبره الشريف مهدداً آخر يواجه النازحين. ارتفاع الأسعار وبعد اندلاع الحرب الاخيرة باتت مدينة ابو جبيهة المشهورة بانتاج الخضر والفاكهة ملاذاً آمناً للنازحين من المناطق التي تأثرت بالحرب، حيث ظل يقصدها بصورة شبه مستمرة مواطنون من تلودي وتلوقي والقرى التي تحادد دولة الجنوب الواقعة في المنطقة الشرقية لولاية جنوب كردفان، حيث لجأ بعض النازحين المقتدرين الى تأجير منازل التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في أسعارها، ويقول مواطن يدعى عثمان إن ايجار غرفة ومعها مرافقها يكلف اكثر من «500» جنيه، وان سعر ايجار المنزل الكبير تجاوز الالف جنيه، ويشكو عثمان من ارتفاع تكاليف الحياة بأبو جبيهة التي كانت من المدن التي لا تعرف الغلاء في اسعار المواد الغذائية. فشل الموسم الزراعي ويكشف عضو اتحاد مزارعي ابو جبيهة الصافي النور أحمد في حديث ل «الصحافة» عن ترك المزارعين مشروعاتهم التي دأبوا على زراعتها كل موسم بمنطقتي جديد وعريضة، مبيناً تفضيلهم الزراعة بمنطقة ترتر والسراجية، مؤكداً تخوف المواطنين والمزارعين من العودة الى القرى اذا لم يتوفر الامن، مشيرا الى ان معتمد المحلية يبحث امكانية اعادة المواطنين الى قراهم، وقال ان المعتمد اكد اتجاه حكومة جنوب كردفان لفرض الامن في المنطقة وتوفير المواد الغذائية حتى يتمكن المواطنون من العودة. المفوضية على الخط وتؤكد مفوَّضية العودة الطوعية بولاية جنوب كردفان عودة «70%» من النازحين إلى مناطق الولاية المختلفة بعد استقرار الأوضاع الأمنية وتطبيع الحياة العامة بالمدن، وفي هذا الخصوص قال نائب مفوَّض العودة الطوعية بالولاية خليفة إبراهيم إن الولاية تشهد عودة تلقائية من قِبل النازحين إلى مناطقهم الأصلية بعد استقرار الأوضاع الأمنية بها، موضحاً أن أكثر من «23» ألف نازح عادوا إلى تلودي من محلية الليري، بالإضافة إلى «10» آلاف من أبو جبيهة و «3» آلاف من كلقوي. وأكد إبراهيم أن المفوضية شرعت في الترتيب للمساعدة في عودة النازحين من الخرطوم وولاية شمال كردفان خاصة من مناطق الرهد وأم روابة ومحلية شيكان إلى محليات العباسية والليري وتلودي ومنطقة خور الدليب بمحلية الرشاد. وكشف نائب المفوَّض عن ترتيبات مشتركة مع مفوضية العون الإنساني بالولاية لترتيب الأوضاع الإنسانية والأمنية بمناطق العودة الطوعية خاصة في جوانب توفير الغذاء والمأوى والكساء للعائدين، مؤكداً أن هناك تنسيقاً مع وكالات الأممالمتحدة والهلال الأحمر لتوزيع الغذاء على العائدين. معاناة كبيرة ولكن نائب الدائرة القومية «3» ابو جبيهة، عبد الرحمن علي احمد أكد ل «الصحافة» ان حركة نزوح سكان القرى استمرت لقرب مناطقهم من الحدود، مؤكدا وجود قوات جيش دولة الجنوب على قرى كاونارو وسنقر واسكت الشمالية، مشيرا الى عدم توفر السلع الغذائية وعدم تمكن مزارعي المنطقة من حصاد الموسم الزراعي السابق، مبيناً أن النازحين توجهوا الى مناطق السراجية وابو جبيهة، وطالب عبد الرحمن بتدخل السلطات المختصة لتوفير مخزون استراتيجي للنازحين، كاشفاً عن خروج المنطقة بصورة كلية من الموسم الزراعي، واردف: «الاوضاع على الارض لا تشجع المواطنين على ترك معسكر النازحين والتوجه لقراهم الاصلية لممارسة حياتهم الطبيعية، ولن يعودوا إلا في حالة توفر الأمن من قبل الحكومة»، وقال انهم يواجهون في المعسكرات ظروفاً إنسانية تستوجب تقديم الدعم لهم، مشيرا الى تبليغهم سلطات حكومة الولاية والشؤون الانسانية بأوضاع نازحي القرى الموجودين بالمعسكرات، ونفى تأكده من وصول مساعدات إلى النازحين بمعسكر السراجية والسهل.