إلى ضاحية المقطم البعيدة نسبيا من وسط القاهرة أقلتنا سيارة الأجرة حيث يوجد المركز العام للإخوان المسلمين، وهو مبنى فخم مكون من ثلاثة طوابق، ومؤثث بصورة جيدة، رجعت بذاكرتي إلى عشرين عاما عندما زرت آخر مرة المرشد العام الأسبق الأستاذ أبو النصر ونائبه الأستاذ مصطفى مشهور في المبنى الذي كانوا يتخذونه مركزا عاما بشارع سوق التوفيقية بوسط القاهرة، حيث كان يحتل الطابق الثالث في عمارة متواضعة ويتخذ من شقة بسيطة مقرا لكبرى جماعات العمل الإسلامي في القرن العشرين، والفرق بين المبنيين يبدو أوضح في الفرق بين المرحلتين، حيث كان الإخوان المسلمون قبل عشرين عاما جماعة محظورة ومطاردة، ومجرد زيارة قيادتها بمركزهم العام قد يضعك تحت طائلة القانون ومطاردات رجال المباحث، أما الآن فمسئولهم السياسي قد أصبح رئيسا للجمهورية والجماعة على وشك تشكيل الحكومة المصرية في الأيام القليلة القادمة. استقبلنا الدكتور رشاد بيومي نائب المرشد العام للإخوان المسلمين بحفاوة في مكتبه بالطابق الثاني بالمركز العام؛ حيث كنت برفقة كل من الشيخ صديق علي البشير والشيخ ياسر عثمان جاد الله والأستاذ علاء الدين عبد الماجد رغم أننا لم نأت وفق موعد سابق لكنه تفرّغ لنا قرابة الساعة رغم مشاغله العديدة، وكان سكرتيره يأتي بين الحين والآخر ليخبره بالمنتظرين في قاعة الاستقبال. * بداية نهنئكم فضيلة نائب المرشد العام بفوز الدكتور مرسي برئاسة الجمهورية جزاكم الله خيرا، ونحسب أن الدكتور مرسي لم يفز بعد عون الله تعالى إلا بفضل دعوات المخلصين والطيبين في مصر والعالم الإسلامي، ونسأله تعالى أن يعينه، ونرجو أن تواصلوا دعواتكم له بالتوفيق والسداد. * إذا عدنا قليلا للوراء فضيلة نائب المرشد إلى بدايات الثورة؛ يتهم البعض الإخوان المسلمين بأنهم تأخروا في الخروج مع الثوار في ميدان التحرير إلى أن شارفت الثورة على النجاح ثم بعد ذلك امتطوا ظهرها ليصلوا إلى السلطة؟ في بداية الثورة وعند المظاهرات الأولى وقد كانت محدودة؛ استدعى رجال المباحث كافة المسئولين الإداريين للإخوان على مستوى الجمهورية وأخبروهم أن نزول الإخوان للشارع خط أحمر، وأن النظام لن يسمح بذلك إطلاقا، وناقشنا هذا الأمر في مكتب الإرشاد، وكان ردنا على ذلك أن أمرنا إخواننا بتكثيف وجودهم في المظاهرات وفي ميدان التحرير، وقد بدأت المظاهرات محدودة قادها بعض الناشطين وبعض المجموعات السياسية، لكن وجود الإخوان في المظاهرات أعطاها بعدا شعبيا كثيفا ومنظما لما يتمتع به الإخوان من جماهيرية وتنظيم، وهكذا ترى أننا كنا موجودين في المظاهرات وفي ميدان التحرير منذ الأيام الأولى للثورة خلافا للافتراءات التي أثارها البعض ضدنا. * لكن يثير البعض أن الإخوان لم يشتركوا بقياداتهم المعروفة وتركوا الأمر لشباب الإخوان، لذلك لم يلاحظ الثوار وجودا للإخوان في ميدان التحرير وفي بدايات المظاهرات ضد النظام السابق.. بالعكس كان مكتب الإرشاد يتابع باستمرار مسيرة الثورة والاحتجاجات ضد النظام السابق، ولكننا حرصنا على ألا نحمل لافتات الإخوان في الثورة حتى لا يسهل على رجال الأمن قمع الثورة بحجة أنها احتجاجات إخوانية فقط، ووجّهنا إخواننا وشبابنا على ألا يُظهروا أنهم مجرد إخوان مسلمون وينخرطوا وسط الجماهير ويقودونها دون لافتات إخوانية. ولعله لهذا السبب ظن البعض أن الإخوان لم يشاركوا في الثورة منذ البداية. لكن لما تأزمت الأمور في ميدان التحرير وجاءتنا الأخبار من شبابنا هناك أن النظام بدأ يُرهب الناس ويستهدف النساء والأطفال ليُفرغ الميدان من الثوار؛ أرسلنا عددا من قيادات الإخوان إلى الميدان لمواجهة الموقف وعلى رأسهم الدكتور حلمي الجزار والبلتاجي وغيرهما، ووجهناهم بأنهم آخر من يغادر الميدان تحت أي ظرف، ووجهناهم بحماية الثوار خاصة النساء والأطفال، وقد أبلوا بلاءً حسنا خاصة فيما عُرف بمعركة الجمل، وقد شهد لهم بذلك الخصوم قبل الأصدقاء. * الموقف من الانتخابات أيضا شهد اضطرابا في موقف الإخوان، لقد ذكرتم أنكم لن تترشحوا لمنصب رئيس الجمهورية، وعندما ترشح الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح قمتم بفصله من الجماعة موضوع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح مختلف، لقد قررنا في مكتب الإرشاد في البداية أن الإخوان لن يترشحوا لمنصب رئيس الجمهورية والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح كان عضوا حينها في مكتب الإرشاد، وخرج الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح من اجتماع مكتب الإرشاد ليعلن ترشيحه لرئاسة الجمهورية، وهذا تمرد على قرارات الجماعة وخلل تنظيمي لا يمكن أن نسمح به، وعهدنا أن الدكتور أبو الفتوح يلتزم بقرارات الجماعة. * ولكنكم قررتم الترشيح لرئاسة الجمهورية لاحقا، فرشحتم المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام أولا، ثم الدكتور محمد مرسي في انتخابات رئاسة الجمهورية، وهو القرار الذي فصلتم بسببه الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الأمر هنا أيضا مختلف، المهندس خيرت والدكتور مرسي نفّذا قرار مكتب الإرشاد ومجلس الشورى ولم يخرجا عليها، فقد قرر مجلس الشورى ضرورة الترشح لرئاسة الجمهورية، ولم يكن الأمر سهلا، وأجيز الاقتراح بأغلبية ضئيلة. * ولماذا غيّرتم موقفكم من الترشيح لرئاسة الجمهورية؟ قدّرنا أن الثورة تتعرض لمؤامرة، وأن بعض الجهات تسعى لإعادة رجال العهد السابق عبر الانتخابات الرئاسية، وقد ضُخت أموال كثيرة من رموز النظام السابق لهذا الغرض ووقفوا مع مرشحين يعلم الجميع أنهم من فلول النظام السابق، وكان تقديرنا أن المرشحين لهذا المنصب من غير الإخوان لا يستطيعون منافسة رموز النظام السابق، وأن هذا الوضع لا يستطيع مجابهته غير الإخوان المسلمين بجماهيريتهم المعروفة وبتنظيمهم الدقيق، لذلك جاء قرارنا بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية في ضوء هذه التطورات. *موقفكم من المجلس العسكري أيضا لم يعجب كثيرا من المراقبين؛ ألم يكن اقتراح تكوين مجلس رئاسي من الثوار المدنيين يتولى حكم البلاد بدلا من العسكر اوفق؟ البلاد كانت تمر بظروف دقيقة جدا، ومجموعة الثوار الموجودين في ميدان التحرير معظمهم من الشباب عديمي الخبرة بالشئون السياسية وإدارة البلاد، وخاصة ذوي الأصوات العالية، يوجد بطبيعة الحال بعض الكوادر التي تصلح للحكم وسط الثوار لكنهم لم يكونوا ظاهرين، والأعلى صوتا لم يكونوا مؤهلين لحكم البلاد، والعسكر أعلنوا انحيازهم للثوار وخلعوا الرئيس السابق، فقررنا إتاحة الفرصة لهم ليحكموا البلاد عبر فترة انتقالية، وأنت تعلم أن الجيش مؤسسة منظمة وعريقة، وكنا نراقبهم ونتابعهم ونقوّمهم. * البعض يرى أنكم كنتم تسيرون في ركاب العسكر وتوافقونهم على كل قراراتهم وسياساتهم، ويشير البعض إلى اتفاقات خفية بينكم والعسكر أبدا لم نكن نوافق العسكر في كل قراراتهم وسياساتهم، والجميع يشهد أننا عارضناهم في كثير من قراراتهم، عندما صدر القرار بحل مجلس الشعب خالفنا العسكر في ذلك، وعندما صدر المرسوم الدستوري المكمّل كنا ضد هذه القرارات أيضا. * وأنتم الآن على مشارف تشكيل الحكومة، كيف تنظرون كجماعة، وكحكومة قادمة للسودان؟ السودان كما يعلم الجميع يمثل العمق الاستراتيجي والأمني لمصر، وما يجمع بين الشعبين المصري والسوداني أكثر مما يجمع بين شعبين آخرين، وللسودان مكانة خاصة عندنا وسنعمل إن شاء الله عبر الحكومة القادمة وعبر العمل الشعبي على توطيد هذه العلاقات على إقامة مشاريع تخدم الشعبين الشقيقين في كافة المجالات إن شاء الله.