إن ما يحدث الآن من تخبطٍ بوزارة الصحة الولائية إلى حد الدوار، يؤكد أن قرار أيلولة المستشفيات الاتحادية الكبيرة إلى وزارة الصحة الولائية كان قراراً بلا سند واقعي ومنطقي.. فكيف نضيف إلى وزارة الصحة الولائية مسؤوليات أعظم وهي في الأصل فاشلة في إدارة ما لديها من مستشفيات ولائية؟ وها هو السيد/ وزير الصحة الولائية يتحرك في كل الاتجاهات دون أن يوضح لنا بصفتنا مواطنين ما هي خطته الاستراتيجية لتطوير الخدمات الطبية العلاجية بالولاية... فالسيد/ الوزير يغرق في تفاصيل التشغيل اليومي للمستشفيات الكبرى... مرة في مشكلات مستشفى بحري... وأخرى في مشكلات مستشفى الخرطوم... الخ. إن الخلل في تلك المستشفيات الكبيرة هو خلل هيكلي إداري ومهني كبير لا يُعالج بتغيير مديري المستشفيات ولا باجتماعات مجالس الأمناء، وإنما بمعالجة متكاملة برؤية شاملة للخدمات الطبية العلاجية بالولاية... فمثل هذه المعالجات الفطيرة التي نسمع عنها هي كالحرث في البحر.. فبالأمس اطلعت بصحيفة «الصحافة» العدد رقم 6813 بتاريخ 15/7/2012م على نص تصريح للسيد/ وزير الصحة، بأنه سيتم نقل قسم المخ والأعصاب في مستشفى الخرطوم إلى مستشفى إبراهيم مالك... فهل مستشفى إبراهيم مالك هو أصلاً «مستشفى» بالمعنى المهني أم بحكم «اللوحة» التي فوق مدخله لكي تنقل إليه قسماً طبياً حيوياً كقسم المخ والأعصاب؟ ذكر السيد الوزير أنهم قد استلموا مستشفى الخرطوم في حالة يرثى لها... فهل سأل السيد الوزير نفسه: لماذا يندفع المرضى يومياً بالمئات نحو هذا المستشفى الذي «يرثى» له؟ ببساطة لأن المواطن يدرك أن المستشفيات الولائية الطرفية والمراكز الصحية أكثر سوءاً من مستشفى الخرطوم.. فهو هروب من الأكثر سوءاً إلى السيئ.. لذلك علينا أن نبدأ بخطة متكاملة وشاملة تهدف إلى تأهيل وتطوير المستشفيات الطرفية والريفية والمراكز الصحية بجميع أنحاء الولاية، وتحفيز كبار الاختصاصيين للعمل بتلك المستشفيات والمراكز لكي نخفف الضغط على المستشفيات الكبيرة ونحولها فعلياً إلى مستشفيات مرجعية. وفي نفس عدد صحيفة «الصحافة» المذكور أعلاه اطلعت على تصريح للسيد والي ولاية الخرطوم بأن الولاية قد رصدت «50» «خمسين» مليون دولار للمستشفيات الاتحادية التي آلت إلى الولاية... فلو رصد نصف هذا المبلغ للمستشفيات الطرفية والريفية والمراكز الصحية لكان ذلك أجدى وأنفع لتطور الخدمات الطبية العلاجية... وحتى مثل هذا التصريح نجد أنه يصدر في ظل حالة الدوار، فبالرغم من هذه الخمسين مليون دولار إلا أن مستشفى الخرطوم عاجز عن تسديد فاتورة الكهرباء للشهر الحالي البالغة مئة وعشرة آلاف «110.000» جنيه، الأمر الذي دفع السيد رئيس مجلس أمناء المستشفى للتبرع بمبلغ خمسين ألف «50.000» جنيه... فكيف نفهم هذه الفزورة... فلماذا لا ندفع فاتورة الكهرباء من الخمسين مليون دولار؟ سيدي وزير الصحة الولائية.. أرجو ألا تعمل بعقلية «الإنجازات السريعة».. فإذا عملت بهذه العقلية فلن تقدم شيئاً مفيداً للخدمات الطبية العلاجية وللمواطن السوداني ولو بقيت في الوزارة مئة عام. ونحن بوصفنا مواطنين لا نتطلع إلى معالجات سريعة، وإنما نتطلع إلى الوقوف بثبات في بداية الطريق الصحيح للمعالجة الجذرية والشاملة والمتكاملة، ولتأتِ النتائج الإيجابية للسير في ذلك الطريق بعد قرن... فهذا الدوار سيزيد الطين بلةً، وسيضاعف معاناة المريض السوداني حتى ولو صرفت مليارات الدولارات على الخدمات الطبية العلاجية بولاية الخرطوم.