لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة السنارية لم تكن الإسلامية الأولى فقد سبقتها قبل 181عاماً (دولة الكنوز) العربية الإسلامية
زيارة جديدة لتاريخ السودان (2-4)
نشر في الصحافة يوم 28 - 07 - 2012


مدخل: «وقائع التاريخ.. غير قابلة للتأليف...
استنتاج منطقي
(1)
جرى بين كثير من المؤرخين السودانيين خطأ فادح، فقد اشاروا في بحوثهم ودراساتهم إلى ان أول دولة اسلامية أعقبت انتهاء المسيحية في دويلات (نوباديا) و(المقرة) و(علوة) هي (السلطنة السنارية) والتي اكتملت بتحالف قوتي القبائل العربية بقيادة عبد الله جماع وعمارة دنقس زعيم (الفونج) القادمين من (لامول) والتي تعرف محلياً (بلملم) أو (لول) من مناطق (اريتريا) وذلك في المعركة الفاصلة التي جرت في عام 1504م. كان (الحلف) ضد الزعامات شمال قرى حتى الشلال الثالث لأن المنطقة بين الشلالين الأول والثالث كانت تحت سيطرة العثمانيين. وإذا كانت الوقائع المذكورة (صحيحة) فان غير الصحيح كما يثبته المؤرخون المعاصرون للأحداث وهو أن دولة سنار (1504-1821)، لم تكن الدولة الاسلامية الأولى في الرقعة التي سميت فيما بعد بالسودان فقد سبقها إلى الوجود ما يقرب من 181 عاماً كما سوف نفصل (دولة اسلامية عربية) أسسها (الكنوز) بتحالف (نوبي/عربي) بدأت ملامحه الأولى في عام 1317م وانتهت باسقاط المسيحية في (المقرة) وأن يتسلم (السلطة العربية الاسلامية) (كنز الدولة فخر الدين) من خاله المسيحي النوبي (كربنس) في عام 1323م وحتى لا يلقى القول على عواهنه يمكن متابعة ذلك على النحو الآتي:
(2)
بشهادة مؤرخي المرحلة (النويري) المتوفي 1332م (مفصل) (ابن خلدون) ت1406م و(المقريزي) 1364-1442م) القبطي (ت1358) والقلقشندي (ت1418) وبتأكيد لمن حققوا بعدهم الوقائع من العلماء الموثوق بهم د. مصطفى حمد مسعد، أ.د يوسف فضل حسن، د. عطية القوسي، د. كرم الصاوي جاز، د. عوض محمد خليفان، د.ج فانتيني، ود. ويليام ادامز وغيرهم يمكن اثبات ما يلي:
أه (للمسيحية) وجود مؤثر في دويلات (نوباديا) و(المقرة) و(علوة) وبدأت في التعرب إلى تلك البلاد منذ أواخر القرن الثالث الميلادي واتسعت هجرة المسيحيين من (مصر) كثيراً بعد الخلاف الذي نشأ حول طبيعة (المسيح) وكان (لثيودور) أسقف (قبلة) و(أسوان) دور في دخول (سلكو ملك نوباديا) وأهلها 543م للمسيحية في القرن السادس الميلادي وكان لبعض ملوك (البلم) سبق في اعتناق المسيحية في منطقة (طيبة) (شراسن - باكيتمن) في جزيرة (تناري) وعلى صراع في التبشير بين (الملكانين) في (المقرة) و(اليعقوبية) في كل من (نوباديا) و(علوة). فقد تلاشى (المذهب الملكاني) في (المقرة) بعد الفتح الاسلامي لمصر وزوال (النفوذ البيزنطي) بها. ظلت المسيحية في النوبة (543-1323م) وكان هناك ثمة وجود مسيحي فقد كتب (العمري) آنذاك 1349م بأن النوبة بلد مسيحي يحكمه مسلمون من (بني كنز) 1/ بل وقد لاحظ الدكتور (فاتيني) ان أهل جزيرة (تنقسي) كانوا يزورون القاهرة (1742) لشراء (الصلبان) لزوم الاحتفالات الدينية والاجتماعية (فاتيني ص197).
2- نتيجة للتهديد العربي الاسلامي الذي واجه النوبة المسيحية من شمالها اتخذت كل من (نوباديا) شمالاً و(المقرة) جنوباً ليكونا (اتحاداً فدرالياً) في حوالي الفترة 580-652م ويلاحظ ان هذا الاتحاد قد تم على الرغم من اختلاف (مذهب المسيحية) فيهما (فالأولى يعقوبية والثانية ملكانية) ويرجع مؤرخو المرحلة ان الدين في ذلك الوقت لم يكن محوراً أساسياً (راجع مصطفى محمد سعد - ص151-155 ووليام ادامز ص456).
3- ظهرت للوجود دولة النوبة المسيحية وعاصمتها (دنقلا) وهي محل تصحيح وقائع (تعريبها وأسلمتها). كان الصراع شرساً بين (المسلمين) على اختلاف شيعهم وأعراقهم في (القاهرة) وبين (النوبة المسيحية) في (دنقلا) على الأخص خلال الفترة بين 20ه-723ه-/ 641-1323م. ويسجل التاريخ للنوبة من (رماة الحدق) ردهم للهجوم على (دنقلا) بقيادة ابن أبي السرح إذ فقئت يومئذ عين (معاوية بن صريج) وقال شاعر كان بين جنود الحملة (31ه-652م).
لم تر عيني مثل يوم (مُقلة) والخيل تعدو بالدروع مثقلة وعلى الرغم من المواجهات الدامية فقد انتهى الصراع إلى (صلح البقط) وكان من كتب هذه الاتفاقية في رمضان - حسب (ابن الاثير) هو (عمرو بن شرحبيل) - وكانت مدخلاً دبلوماسياً شديد الذكاء لقراءة مستقبل العلاقات بين العرب المسلمين والنوبة المسيحية.
4- وفي كل الأحوال فقد استطعت في كتابي قيد الطبع الماثل (التاريخ السياسي لقبيلة الكنوز) أن أحصر ما يقرب من 27 حملة عسكرية شرسة خلال عهود خلافة سيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا عثمان بن عفان و(الدولة الطولونية) و(الاخشيدية) و(الفاطمية) و(الايوبية) و(المماليك البحرية) و(البرجية) واجهت ما يقرب من ال30 من (ملوك النوبة (المقرة) منذ (قلبدروث 651م-3ه - 652-31ه إلى (كرنبس) 1312-1317م وكان بينهم ملوك أشداء أقوياء مثل (قليدروث) (داؤد الأول) (1272-1273) و(سيمادون) 1286-1288-1293. وكان هذا الأخير قادراً على المواجهة والمراوغة.. ولم يثبت موته ولكنه خرج جنوباً ولم يعد. وكان من بين هؤلاء الملوك من اختار أن يكون (مروضاً) في حضور المماليك (سكندة 1275-1276 وهذ الملك وصفه الأستاذ (محمد ابراهيم نقد) - رحمة الله عليه - بأنه «انتبنكة» وأنا أثبت هذا للمرة الثالثة (نكاية فيه) ولم يكن (كرنبس) أو (كرنيس) بعيداً عن المقاومة حتى بعد هزيمته واستلام ابن أخته (كنز الدولة) للسلطة في 723-1323م.
5- كان (المماليك) في (القاهرة) ضد أي وجود عربي للسلطة السياسية في (دنقلا) وازاء رصدهم الدقيق (كحركة بنو كنز) وفي الصراع السياسي وطموحهم المدعوم (بتحالف عربي/نوبي) فقد استفادوا من وجود كثير من (الأمراء النوبيين) المرهونين لديهم من (المطالبين) بعرش (النوبة) فاختاروا من بينهم (سيف الدين - عبد الله برشنبو) وكان قد أسلم وهو بعد (ابن أخت الملك داؤد الثاني). وقد وصفه (النويري) «بأنه قد تربى في البيت السلطان من حملة المماليك السلطانية» وأضاف (القلفشندي) بأنه «أسلم وحسن اسلامه وأقام بمصر بالأبواب السلطانية وأجرى عليه السلطان محمد بن قلاوون رزقاً. وعليه وازاء المواجهة القوية التي قادها (كرنبس) ضد (النفوذ المملوكي) وبعد لجوئه (لمملكة الأبواب) أصدر المماليك (أخطر قرار سياسي) في (تاريخ الصراع النوبي/ المسيحي) و(العربي - الاسلامي) حيث اختاروا (سيف الدين عبد الله برشينو) في سنة 716ه-1316م ليكون ملكاً على (دنقلا).
6- لم يكن (الكنوز) وقد تمرسوا الحكم والادارة منذ بداية امارتهم الأولى في (وادي العلاقي) والثانية في (اسوان) والثالثة في (الميس) بعيدن عن ذلك الصراع بل كانوا جزءاً منه فقد أمهروا إلى (البيت الملكي النوبي) في (دنقلا) وكان أمير الكنوز من (بني ربيعة) ابن أخت للملك النوبي المسيحي (كرنبس). وإذا كان من الطبيعي أن يطالب الكنوز بدعم المسلمين (عربي نوبي) بحقهم في حكم (النوبة) فان (كرنبس) الملك النوبي المسيحي المقتدر طلب إلى (سلطة المماليك) في (القاهرة) ان يكون الحكم لابن أخته فهو أولاً مسلم فيما تريد (القاهرة) ثم انه عرفاً وباعتباره ابن أخته يستحق الملك واتبع ذلك بأن أرسل ابن أخته المعني (كنز الدولة بن شجاع الدين نصر) (للأبواب السلطانية) في (القاهرة) حيث اعتقل تحفظياً ويرسل (السلطان) (الناصر) في نفس الوقت حملة عسكرية (لدنقلا) 716ه-1316م بقيادة الأمير (ايبك جهاركي) ولتعلن (برشنبو) ملكاً ويعتقل كل من الملك النوبي (كرنبس) وأخيه الأمير (ابراهم) تحفظياً (رهائن).
7- لم يكد (برشنبو) يبدأ ممارسة للحكم حتى واجهه (النوبيون) بالرفض الشديد ولم يعترفوا به ملكاً عليهم. ويورد (النويري) «انه تعاطى نوعاً من (الكِبر) لم تجر عليه عادة ملوك النوبة بمثله وعامل أهل البلاد بغلظة وشدة فكرهوا ولايته» ويؤكد المؤرخون ان الثورة على (برشنبو) قادها (الحليف العربي/ النوبي) بقيادة (بني كنز) - وقد تحول (الرفض) فيما بعد إلى ثورة شعبية حقيقية حين أفرجت (القاهرة) (لسبب أو لآخر) عن (كنز الدولة) فقد استقبله (الحلف العربي-النوبي) في بلدة (الدر) بالتحية الملكية (موشاي.. موشاي).. وكان الحماس بالغاً، يؤكد على رفض (الحلف العربي/النوبي) لفرض (عبد الله برشنبو) حاكماً ثم انهم يرفضون (عجرفته واستبداده) رغم أن الرجل حول احدى القصور الملكية في (دنقلا) إلى (مسجد) ومازالت اللوحة التذكارية تحمل اسمه وكان ذلك في 16 ربيع الأول 717ه الموافق 29 مايو 1317م ويورد (ليبعيوس) وهو تاريخ خاطيء كما أورد (نعوم شقير) في صفحة 360».. كان افتتاح دنقلا العجوز التي كرس (النوبة) في 20 ربيع أول 717 الموافق 9 يونيو 1318م على يد سيف الدين عبد الله (الناصر) ولم يكن ذلك ضحايا بالطبع فقد جاء بدعم عسكري. انهزم (برشنبو) وقتل. في المواجهة التي تمت بينه وبين انصار (كنز الدولة). الذي اعتلى (عرش دنقلا) ولم يلبس (شارات الملك) احتراماً لخاله (كرنبس) ويرى البعض انه لم يلبس (الشعار) لأن فيه (الصليب).
8- يمضي (السيناريو) بأن (القاهرة) لم ترض عن ذلك (التغيير السياسي) رغم أنه بنى على ارادة وطنية غالية. وكان خوفها الاستراتيجي في (بناء عسكري عربي) ضرب (سلطتها المملوكية في القاهرة) خصوصاً وان (الحلف العربي) الذي قاده (الكنوز) كان قد ذاق الأمرين في (سلطة الممالك) (من الارقاء البيض) وفشلت تدابير القاهرة المملوكية في اسقاط سلطة (كنز الدولة) سواء من خلال ابتعاث خاله (أبرام) أولاً أو خاله (كرنبس) ثانياً، الذي انق حملة (السلطان الناصر محمد بن قلاوون) والتي قادها عسكرياً (الأمير سيف الدين ايدمر الكبكي) وإذا كان (كنز الدولة) قد تراجع إلى فضاء (الأبواب الاستراتيجي) ويتولى (كرنبس) ملك (دنقلا) (بدعم عسكري مملوكي) استمر لمدة تسعة أشهر فان (الحلف العربي/النوبي) (بقيادة بني كنز) قد عاد أكثر قوة وليواجه خاله (كرنبس) الذي هرب (لاسوان) وليموت فيها انتظاراً لدعم مملوكي لم يتم واعتلى (كنز الدولة من شجاع الدين نصر بن فخر الدين مالك بني الكنز) عرش ملوك (النوبة المسيحية) وتبدأ (أول دولة عربية اسلامية) فيما أطلق عليه السودان - فيما بعد في 723ه-1323م وهي الدولة الرابعة للكنوز. ويورد (الدكتور مصطفى محمد سعد) ص169 «الواضح أن (بني كنز) لم يكونوا يمثلون العنصر النوبي الأصيل فهم من (عرب ربيعة) وإذا كانوا قد اختلطوا (بالنوبيين) وتزاوجوا من بناتهم وتعلموا لغتهم فان هذا لم يؤثر في (عروبتهم) إذ انهم احتفظوا بلغتهم العربية إلى جابن لغتهم (النوبية) ثم ان (نسبهم العربي) واضح وصريح ». ويورد (النويري) في هذا المقام «فاجمع (أهل النوبة) على (كنز الدولة) وملكوه عليهم فملك البلاد حينئذ ولبس تاج الملك واستقل بالمملكة وضم إليه (العرب) واستعان بهم على من فأواه». وكانت تلك (بداية الانقلاب الانتوثقافي الأول) في البلاد.
«كان هذا الواقع نتيجة طبيعية - كما أورد (وليام ادامز) ص465» لصراع القوى في النيل ابان زوال القرن الثالث عشر بين (البيت النوبي الحاكم) في (دنقلا) و(سلاطين المماليك) و(بني كنز من ربيعة) الذين يصفهم في صفحة 464 بأنهم (قبيلة عربية مثيرة للمتاعب) على وجه الخصوص خلال فترة (المماليك) و(الأصح) انها امتلكت قدرة المبادرة وقراءة الواقع والنظر الثاقب ويشهد (ادامز) على بعض تحفظ ان بلوغ (كنز الدولة) العرش اعتبر (باتفاق عام) معلماً بنهاية (الحكم المسيحي في النوبة الشمالية) ولذلك عرف عام (1323م) انه (بداية الحكم الاسلامي) ولم تكن (اتفاقية البقط) (31ه-723ه بعيدة عن الوصول لمثل تلك النتيجة.
9- والحقيقة هي أن سقوط دولة المقرة المسيحية 569-1323م قد أدى إلى واقع جديد تماماً إذ على الرغم من وجود جيوب مسيحية (مملكة دوتاو المسيحية) في الشلال الثاني بالاضافة إلى (علوة) 570-1504 فان انقلاباً حقيقياً قد حدث على المستوى العرقي، حيث تدفقت القبائل العربية بكثافة غير عادية على مدى 200 سنة جنوباً وعلى (المستوى الثقافي) حيث بدء (انتشار الاسلام) يفرض وجوده تماماً على الساحة وليتكتمل الانقلاب تماماً بسقوط (دولة علوة المسيحية 1504م) وبداية (سلطنة سنار) وهي (الدولة الاسلامية الثانية) في (سوداني وادي النيل) استمرت (دولة الكنوز العربية الاسلامية) في (دنقلا) ولم تبعد حمها في تقدير (ادامز) ص469 الأربعين عاماً إلى حوالي عام 1363/1362م وأقدره إلى 60 عاماً أي إلى حوالي عام 1370م وتورد وثيقة زواج (كنز الدولة شجاع الدين نصر) من ابنة عمه (بشرية) انه مازال ملكاً على (دنقلا) في ذي العقدة 733ه الموافق 1332م ويكتب العمري (1349) ان النوبة بلد مسيحي يحكمه ملوك مسلمين في عائلة بني كنز ولكن ذلك لم يمنع في ظهور (الصراع السياسي) من ناحية أخرى. ويصف (ادامز) المسرح آنذاك على النحو التالي (ص468) «زماناً قبل 1365 كان هناك (ثورة أخرى) كعادة القصر النوبي في دنقلا. خلع حاكم وقتل على يد ابن أخته. ولقد دعم سعي ابن الأخت أعراب (بني جعد) التي استقرت بأعداد كبيرة حول (دنقلا). وقد انقلب (الملك الجديد) على حلفائه (من بني جعد) وذبح معظم قياداتهم. ولم يكن ممكناً أن يستمر في (دنقلا) فذهب إلى (داو) شمالاً. وليترك دنقلا تحت رحمة (بني جعد) فدمروها تماماً. ووجد هذا الملك نفسه في (داو) محاصراً من (بني كنز) وحلفائهم من (بني عكرمة)، وكان همه في ظل ذلك الوضع الذي اعتبره (مناسباً) أن يطلب العون المملوكي» وكان طبيعياً:
٭ ان يتحول (مفهوم الدولة) في (دنقلا) إلى (فوضى) تقودها (مليشيات القبائل العربية من جهينة) ويتراجع (الكنوز) شمالاً. ويسجل أحد (الرحالة الأوربيين) «ان الطريق الذي يؤدي إلى (محافظة النوبة) وراء النيل أناس سيئون مهابون وقتلة..» فالمنطقة في (عيذاب) إلى (النوبة) أصبحت مسرحاً للاضطرابات.
٭ في هذه الظروف بالتحديد وليس قبلها كتب (القلفشندي) عن ابن خلدون «ثم انتشرت (أحياء جهينة) من العرب في بلادهم «النوبة» فاستوطنوها وعجز (ملوك النوبة) عن مدافعتهم (وصاهروهم) مضايق لهم وتفرق بسبب ذلك ملكهم «النوبة» حتى صار لبعض (جهينة) من أبهاتهم على رأي (العجم) في (تمليك بن الأخت) وغزت ملكهم واستولت (جهينة) على ملكهم ...الخ» والمعروف ان الذين صاهروا (النوبة) ومنذ وقت طويل سواء في مرحلة (المريس) أو مرحلة (دنقلا) هم (ربيعة) من (الكنوز). أما (جهينة) فربما كان ذلك بعد تراجع (الكنوز) عن سلطة دنقلا بعد 1365،
ملاحظات غير عابرة
٭ كثير من تفاصيل المسألة يتضمنها كتابي «التاريخ السياسي لقبيلة الكنوز» وهو قيد الطبع الماثل (حوالي 600 صفحة).
٭ ثمة (خلط) في الوقائع يستدعى (التصحيح والتقويم:
- ان (الدولة العربية الاسلامية الأولى) في (السودان) هي (دولة الكنوز) في (دنقلا) 1233-1365-1375م وليست بحال هي (سلطنة سنار) 1504-1821م.
- خلط بعض من تفرضوا لتوثيق المرحلة بين (مرحلة انتقال السلطة السياسية للكنوز) في 1323م وبين (انتهاء الدولة) في حوالي 1365/1375م. وما بعدها ونرى ان ما ذهب إليه الصديق الدكتور (قبصر موسى الزين) في كتابه (فترة انتشار الاسلام والسلطنات) ص35 بشأن ما سجله (ابن خلدون) ينطبق على مرحلة (ما بعد انتهاء دولة الكنوز) أن بعد أعوام 1365م وليس على الاطلاق قبلها وتحديداً بدايات تأسيس الدولة وكذلك مقولة (القلفشندي) أعلاه.
- تعليق أستاذنا (البروفيسور يوسف فضل حسن) في كتابه مقدمة في تاريخ الممالك على قول (ابن خلدون) بأنه يميل للاعتقاد بأن (بني الكنز) قد أدوا دوراً قيادياً هاماً في سقوط المقرة) غير دقيق فالحقيقة ان (بني كنز) هم من (حركوا التاريخ) في (المنطقة) وهم الذين تولوا - بالفعل - اسقاط (دولة المقرة المسيحية) باعتبارهم جزءاً منها ومن مكوناتها. أستاذنا البروفيسور يوسف حين استدرك قوله أورد في كتابه دراسات في تاريخ السودان ص18 «..وبعد أول ثمرات هذا التلاقح ان قبض (النوبة المستعربون) متمثلين في (بني الكنز) ويسانده بعض (البدو) على زمام الأمر في مملكة (المقرة) المسيحية في عام 1317م».
- ثمة لبس عند (ابن خلدون) حين لم يفرق بين أصل (الكنوز) إذا كانوا من (ربيعة) أو من (جهينة) أو من (أهل البيت). فما أورده (القلفشندي) نقلاً عنه من (مسالك الأبصار) ص278م.
- «فيحتمل أن (أولاد الكنز) هؤلاء من (جهينة) أيضاً جمعاً للمقالتي حيث يربط بين ما جاء في (المعبر) وما ورد في (المسالك) من أن ملكها (النوبة) الآن (مسلم) من أولاد (كنز الدولة) وهؤلاء أهل «بيت ثارت لهم ثوائر مرات»: ولقد استخلصت فيما بعد في كتابي أن (الكنوز) مظلة واسعة.
- ما يؤكد على 0الفوضى) التي قامت بها (القبائل العربية) في (دنقلا) بعد انتهاء (دولة الكنوز) قول (ابن خلدون): ان (جهينة) لم تحسن الحكم وانهم تفرقوا شيعاً وأحزاباً وعادوا لبداوتهم فتوغلوا جنوباً حتى اسقاط علوة (1504م) وكان (الكنوز) في ذلك الوقت قد عادوا إلى (اسوان).
- كان من محاولات (عبد الله بن عبد الحميد العمري) أحد مغامري العرب في (بلاد المعرف) ب(بلاد البجه) ووصوله (إلى شنقير) بين (أبي حمد) و(بربر) ما يشير إلى (هدف استراتيجي) هو (تكوين امارة عربية اسلامية) في (منطقة البجة) ومما ساعده على ذلك آنذاك وجود جيش قوي وكبير من (القبائل العربية) التي تبرمت في (حكم المركز في القاهرة). ويورد أستاذنا يوسف فضل (في كتابه دراسات في تاريخ السودان هي ص63 ان هذه المحاولة كانت مدخلاً لهجرات عربية أخرى ترسمت طريقه وأضيف أن من بينها بالضرورة تجربة (ربيعة) الكنوز فيما بعد عندما أسسوا دولتهم الأولى في (وادي العلاقي).
- هل نتطلع محلياً واليمياً ودلوياً على الاحتفال في سنة 2013 بمرور 700 عام على تأسيس أول دولة عربية اسلامية في السودان فتحت الطريق لأسلمة وتعريب السودان والدعوة موجهة لجامعتي افريقيا العالمية وجامعة أم درمان الاسلامية ومراكز الدراسات والبحوث المحلية والاقليمية والدولية.
- هذه زيارة جديدة لتاريخ السودان تستحق من (أساطين التاريخ) فيه شيئاً من الحوار: تأكيداً أو نفياً أو تصحيحاً.
ونناقش في الزيارة القادمة إن شاء الله «مكونات دولة سنار» ولنقدم بعدها شيئاً من الأساطير في تاريخ السودان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.