٭ للظلم عدة اشكال وانوع منها ظلم الدول المسلمة لبعضها البعض، ومنها ظلم الحكومات للشعوب ومنها ظلم الجماعات والحركات للحكومات وقد يكون هناك ظلم من الافراد للحكومات.. ومنها ظلم الانسان لأخيه الانسان.. وغيرها من اشكال الظلم.. ٭ وانني اصبحت على قناعة بأن الظلم في اوساط المجتمع السوداني اصبح اكثر انتشارا.. ٭ ومع دخول شهر رمضان الكريم كنت اتساءل .. كيف نصوم رمضان ونؤذي الناس..؟!! الا يعتبر ظلم الناس من مبطلات الصيام؟! عدتُ الى مكتبتي الفقهية وتصفحت فيها عددا من كتب الفقه..فوجدت مبطلات الصيام سبعة اشياء، اولاً: الاكل والشرب ، ثانيا: ما كان مثل الاكل والشرب، ثالثا: الجماع، رابعا: الاستمناء، خامسا: القيء عمدا، سادسا: نزول الدم من الحجامة ، سابعا: نزول دم الحيض او النفاس من المرأة. مبطلات الصيام اذن كلها تخص الجسد.. مع ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال : «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة ان يدع طعامه وشرابه» بناءً على هذا الحديث العظيم قال بعض الفقهاء ان هنالك مبطلات معنوية للصيام مثل الكذب والظلم والنميمة، لكن جمهور الفقهاء حصروا مبطلات الصيام في الاشياء الحسية اما السلوك المنحرف فهو في رأيهم يضيع ثواب الصيام لكنه لا يبطله.. بالتالي فإن الصائم اذا تقيأ عمدا افطر في الحال اما اذا كذب ونافق وظلم الناس واكل حقوقهم فإن ذلك لا يبطل صيامه..! ٭ وفي خبرتي البسيطة ان هذا الفهم مغلوط للدين لأننا لا يمكن ان نحول العبادات الي هدف في حد ذاتها انما لابد من ان تكون وسيلة للترقي وتطهير النفس.. ٭ انني ادعو جميع القراء ان لا يحولوا الدين الى مجموعة من الاجراءات على المسلم ان يستوخيها بحذافيرها ولكن المطلوب من كل ذلك ان يؤثر الدين في سلوك الانسان في الحياة لأن انفصال الدين عن السلوك يقود الي الظلم وبالتالي الانحطاط. ٭ اذا اردت ان تتأكد بنفسك، عزيزي القاريء، ما عليك الا ان تتوجه الى السوق ستعرف حجم ظلم المجتمع وجشع التجار وكذبهم المسبوق بالطلاق.. مع انهم كلهم صائمون لا يتطرق اليهم ادنى شك في صحة صيامهم.. ٭ في السودان مئات المحرومين وهناك من يتناول وجبة الافطار في داخل منزله ومثل هذا لا ينظر الي المحرومين لأن قلبه متجمد بتأثير اللؤم والبخل.. وهذا فيه ظلم من الانسان لأخيه الانسان.. وامثال هؤلاء الشحيحين البخلاء قد تجد في وجوههم علامات الصلاة وفيهم من يمارس الكذب بكثرة ولا يحسون ابدا بأن ما يفعلونه ينتقص من صيامهم.. ٭ هذا الفهم الخاطيء للدين هو الذي حول شهر رمضان من مناسبة إلهية لتقويم سلوك الانسان الى حفلة كبيرة ندخلها فنصخب ونصيح ونصلي ونصوم ولا ينعكس ذلك على تعاملنا مع الناس.. ٭ نعم في رمضان كلما اشاهد الناس يزحفون بالمئات بل الآلاف لصلاة التراويح اشعر بمزيج من البهجة والحزن.. ابتهج لأن المسلمين متمسكون بدينهم فلا شيء يثنيهم عن اداء فرائضه، واشعر بالحزن لأن السواد الاعظم من هؤلاء فاتتهم رسالة الاسلام الحقيقية، هي المساعدة والتكافل والتراحم واخذ ايدينا بيد بعض.. للأسف كثير من المسلمين لا يرون في الاسلام الا النقاب والصلاة والحج والعمرة.. ٭ عزيزي القاريء، ان التكافل والتراحم ونبذ الظلم والتخلي عنه اهم من الف ركعة في صلاة التراويح.. ٭ وليعلم كل الصائمين القائمين ان جوهر الاسلام الدعوة الى الحق والعدل والتكافل والتراحم، وكل ما عدا ذلك اقل اهمية..