* نحن -الآن- متشابهون أقصى حدود التشابه، ونكاد نكون متماثلين. * (التفرد) غاب مع الشمس التي غابت، و(التميز) أفل مع الآفلين، و(الابداع) حزم حقائبه ورحل، وانسربت خيوطه، كما ينسرب الماء من بين الأصابع. * العالم أضحى مصيدة، وقعنا فيها جميعاً، واصبحنا محكومين بشروط خارجية، ومواقف لا يمكن أن يهرب منها أحد. * العوامل الخارجية أقوى من الداخلية، والموضوعي أكبر من الذاتي، والخاص تماهى في العام. * ولا فكاك، نسخ طبق الأصل، من نسخة هي في الأصل بلا أصالة، وبلا تميز وبلا تفرد. * والإنسان الفرد الذي رفعه الفلاسفة إلى مرتبة (سيد الطبيعة ومالكها) أصبح الآن، كما ذهب الى ذلك ميلان كونديرا، مجرد شيء تافه في نظر القوى المختلفة: أيديولوجية أو سياسية أو تاريخية، فهي تمر به وتتخطاه وتمتلكه، بحيث غدا وجوده الواقعي وعالمه الحي، بلا قيمة أو أهمية، ولهذا توارى الإنسان الفرد، وكأن العالم قد نساه أو تناساه. * يقول جوميرفيتش (إن أهمية دنفسنا تعتمد على حجم سكان الكوكب)، وهي مقولة إذا ما تمعناها لأوضحت جلياً مدى ضآلة أهميتي وأهميتك.. فمثلاً (ديمقرايطس) يساوي واحداً على أربعمائة مليون، و(برامز) واحد على مليار، وجوميرفيتش، نفسه واحد على مليارين. * ولكن أن تبحث عن حجم سكان الكرة الأرضية، لتعرف حجمك، فأنت واحد مقسوم على هذا الحجم. * أطلقت إحدى وكالات الزواج في ميلانو بإيطاليا، في حملة موجهة للرجال من أجل الزواج، شعار (الرجل بحاجة شديدة الى زوجة في هذه الحياة الصعبة)، فهناك أشياء كثيرة لا يستطيع فيها أن يلقى اللوم على الحكومة وحدها). * وفي هذه الحياة الصعبة، والعصر الذي أصبحنا فيه كلنا متشابهين، بما في ذلك الأزواج والزوجات، يحتاج الزوج الى زوجة، حتى لا يلقى كل اللوم على الحكومة وحدها، ويحتاج أيضاً الى (رواية) يقرأها ويتسلى بها حتى لا يلقى كل اللوم على الزوجة وحدها. * فالرواية تصطحب الإنسان -كما الزوجة- بإخلاص ودونما تبرم، وتحمل بين سطورها كشفاً لعوالم مجهولة. * والبطل الروائي، لا يزال يبحث عن مغامرات، باختياره الخاص، في حين أن الزوجات جميعاً، الآن بلا اختيار تفرض المغامرة عليهن من الخارج فرضاً، في مصيدة هذا العالم الذي جعلنا جميعاً متشابهين. * الرواية مع (سرفاتش) ومعاصريه، استقصت طبيعة المغامرة البشرية وسلكت دروبها، ومع (ريتشارد سون) تقصمت ما جرى داخل الإنسان، وفضحت حياته السرية، ومع (بلزاك) أبحرت في تلافيف الماضي وتجذر الإنسان في التاريخ، ومع (فلوبير) ارتادت أرض الحياة اليومية، ومع (تولستوي) اقتحمت غير المعقول في السلوك والقرار الانساني، ومع (جويس) و(بروست) قبضت على لحظة الزمن، وأمسكت على الماضي المراوغ والحاضر المراوغ، ومع (توماس مان) نسجت من الأساطير القديمة لباساً للأطفال. * ومع (الطيب صالح) و(ابراهيم اسحق) و(علي المك) و(عيسى الحلو) و(اسحق أحمد فضل الله) و(منصور الصويم) وبقية العقد الفريد، منحت الحياة نكهة وعبقا وطعماً مستساغاً. * والرواية لا تزال تناضل في هذا العالم الأهوج، في محاولة لإعادة ترتيبه، وهي محاولة لرفع الحرج عن (الحكومات) و(الزوجات) وكون اننا متشابهون. * ويبقى شهر رمضان، أفضل الشهور لاصطحاب رواية، ورفع الحرج.