الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(جورج ساند) امرأة العصر
نشر في حريات يوم 03 - 01 - 2011

على امتداد العام الجاري تحتفل بلاد الفرانكوفونية بذكرى مرور مئتي سنة على ولادة الأديبة الفرنسية “جورج ساند” في باريس مطلع تموز 1804… وتنظم في مناطق متفرقة من تلك البلاد: قراءات وأمسيات ومعارض ومحاضرات وعروض مسرحية… تتناول حياتها ومؤلفاتها إلى جانب الإصدارات الجديدة لتلك الأعمال الأدبية التي قال عنها المؤرخ والفيلسوف الفرنسي “إيرنست رينان” (18231892): “ستظل روائع “جورج ساند” تُقرأ بعد ثلاثة قرون”..
لكن لماذا عادت هذه الأديبة إلى واجهة الأدب العالمي اليوم؟‍..
هل لأنها شقت الطريق أمام “جورج إيليوت” (الاسم المستعار ل “ماري آن”) كروس ايفنز الروائية البريطانية المعروفة ولدت عام 1819 وتوفيت في لندن 1880 ثم “كوليت” ثم “سيمون دو بوفوار”.؟!……
وكيف وصفها “فولتير” ب “الروائية التي تجسد المجد الفردي للأدب النسائي؟!” في حين اعتبرها “دوستويفسكي”: “رمزاً للمرأة الفريدة في موهبتها دخلت التاريخ عام 1845 من بوابة أدب المذكرات والرسائل؟”……
لتطالب الأوساط الثقافية الفرنسية اليوم بنقل رفاتها من بلدتها “بيري” إلى مقبرة العظماء (البانتييون) في باريس إلى جانب أندادها من الأدباء: فولتير.. هوغو.. مارلو… و……
*هكذا سبقت عصرها..*
“على غرار بول موران الروائي والقاص الفرنسي المعروف كانت جورج ساند أديبة على عجلة في أمرها على امتداد حياتها الأدبية والخاصة”… هكذا كتب “جان شالون” الأديب الفرنسي في ملف “الفيغارو الأدبي” الخاص ب “جورج ساند” تاريخ العدد 15/1/2004 وقد أصدرت له “دار فايار” في آذار 2004 دراسة نقدية عنوانها “جورج ساند: امرأة معاصرة” قبل أن يضيف قائلاً: “لم تلبس الأديبة بنطالاً للتشبه بالرجال والتمرد على بنات جنسها كما يروّج البعض وإنما لأنها استجابت لنصائح والدتها ولأسباب اقتصادية ليس إلا.. فتبييض الملابس وتجفيفها بالنشاء يحتاج لميزانية كبيرة افتقدتها جورج ساند (بعد طلاقها من زوجها) التي لجأت لضغط نفقاتها مع ولديها.. أما استخدامها التبغ وتدخين السجائر وهو أمر معيب بالنسبة لامرأة تعيش في مجتمع برجوازي لا تزال الإقطاعية فيه تدلو بدلوها فجاء بدافع التودد للشعراء الرومانسيين والاقتداء بهم وتقليد سلوكهم وتبني أحياناً مواقفهم”.. وهي التي وصفها صديقها الشاعر والكاتب المسرحي “ألفريد دوموسيه (18101857) “بأكثر النساء أنوثة لا بل هي الأنوثة بعينها” كما قال.. ويتابع “شالون” قائلاً: “ساند أقرب إلى كارمن ذات العيون السوداء الشاعرية التي احترفت قراءة المستقبل وخوض المغامرات العاطفية منها إلى أية أنثى أخرى”……
عرفها معاصروها أديبة دائمة الحركة والسفر والترحال.. لا تنقطع عن الكتابة والنشاط الأدبي حتى ارتبطت حيويتها الإبداعية بشبابها الدائم وبتجدد صداقاتها مع مشاهير عصرها… خصوبة إنتاجها ورعايتها للأدب والأدباء لم تهدر دقيقة واحدة في المرحلة الأخيرة من حياتها في هذين المجالين (الكتابة والنشاط الأدبي) لم تحل دون اهتمامها بابنتها وولدها الوحيدين.. كتبت “جورج ساند” روايتها “الساحرة الصغيرة” خلال أربعة أيام “وحين شعرت بضيق ذات اليد انصرفت للعمل تحت إدارة “لاتوش” في صحيفة “الفيغارو” الفرنسية التي افتقرت يومئذ للمحررين.. وكانت “الفيغارو” في صفوف المعارضة تطارد حكومة باريس هيئة تحريرها.. تعرضت “ساند” يومئذٍ لانتقادات لاذعة إثر نشرها مقالات فوق صفحات “الفيغارو” تدعو لتغيير المجتمع وردت على هؤلاء الحساد بقولها: “لست أبالي النقد والتجريح.. أنا سعيدة لأني أكسب قوتي من عملي في الصحافة”… ثم عبّرت عن رأيها بصراحة بالنسبة للأوضاع السائدة في فرنسا آنذاك قائلة في إحدى مقالاتها: “أرى الأدب تتسرب إليه الفوضى على غرار الحياة السياسية.. تسعى حفنة من الأقلام للتجديد لكنها تصنع القبح والبشاعة.. بلزاك وصل إلى القمة لأنه وصف جندياً وقع في غرام امرأة شرسة كالنمر.. الوحوش أحدث تقليعة في عالم الأدب.. لنرسم وحوشاً في رواياتنا”!!……
ألا تبدو تلك العبارات وكأنها دوّنت صباح اليوم؟ يعلق “جان شالون”.. ثم يتابع الأديب والصحفي: “لا يمكن إحصاء النصوص التي كتبتها ساند ولا تزال تشكل حدثاً معاصراً” على غرار الفقرة التالية من رسائلها: “لا تزال جِيَف فرنسا تنبض برعشات الحياة… إنها خلجات ألمانيا التي تحولت إلى بؤرة لطاعون مستفحل في أوروبا”.. والطاعون المشار إليه قبل قرن من ولادته “يقول شالون” “ليس سوى النازية بأبشع صورها”.. هكذا سبقت “جورج ساند” عصرها……
ألم تتوقع أن تتحول ألمانيا من عدوة تقليدية لفرنسا إلى صديقة لها كما ذكرت في “يوميات مسافر خلال الحرب” تاريخ 15/9/1870؟! قالت “ساند” يومئذٍ: “ستتمخض مصالحة الجنسين الفرنسي والألماني غداً عن ولادة علاقة أخوة دائمة ستغدو قانون مستقبل السلالات المتحضرة”.. ودعي هذا القانون في القرن العشرين: الولايات المتحدة الأوروبية أو الاتحاد الأوروبي حالياً… ولتصبح “جورج ساند” عرابة دعاة السلم مطلع الألفية الثالثة بعد أن أطلقت نهاية القرن التاسع عشر هذا التحذير فوق صفحات الفيغارو: “ها نحن نخوض حروباً فظيعة تسيطر فيها الأهوال والعلوم التدميرية على مصائر البشر.. وإذا كل حرب أشد وحشية وإجراماً من سابقتها.. ولتظلوا (وتتوجه هنا إلى الحكومات الأوروبية) وحيدين أمام أسلحتكم.. لم يعد أمامكم سوى تفجير الكرة الأرضية والقضاء على كل شيء”.. دافعت “جورج ساند” عن البيئة كواحدة من أشرس أنصارها دون أن تدري أنها من حماة هذه البيئة.. فكلمة “البيئة” لم تظهر إلى الوجود في القرن التاسع عشر وإنما في القرن العشرين……
وهاهي تكشف وبدءاً من عام 1872 الجرائم المرتكبة بحق البيئة من اقتلاع للأشجار وإحراق للأحراج في نصٍ يصلح أن يطبع اليوم دون تغيير أي كلمة فيه ثم يوزع على منظمات الأمم المتحدة.. تقول “ساند” في إحدى مقالاتها: “لو أهملنا الاهتمام بالشجرة وغرسها فإن الجفاف سيحمل كارثة للكرة الأرضية ألا وهي نهاية المعمورة بسبب الإنسان.. لا تضحكوا يا سادة فالذين درسوا هذا الموضوع يعتصر قلوبهم الألم والحزن لما اقترفته أيديهم.. ولا أحد يدري كيف اختفت مجتمعات بعينها إثر زحف الصحراء إلى الغابات ومن يعلم إذا كانت هناك مجتمعات سابقة استوطنت القمر المجاور لأرضنا.. وقضت نحبها نتيجة وَهَن قوى الطبيعة المحيطة بها وذلك رغم القول الشائع أن هذا الكوكب (القمر) غير مأهول بالسكان”.. أليست تلك الكلمات يعلق “شالون” في كتابه “ساند امرأة معاصرة” دعوة مفتوحة للأجيال القادمة لتأخذ على محمل الجد قضايا اقتلاع الأشجار وإحراق الغابات وزحف الصحراء؟! وفي ذكرى الاحتفال بمرور مئتي سنة على ولادة “جورج ساند” داعية الدفاع عن الغابات وتشجيرها تأتي تلك الدعوة تلبية لرغبة الأديبة في الحفاظ على الطبيعة التي أحبتها وخصّتها بأجمل كتاباتها الروائية… وعلى غرار “جان شالون” هاهي الأديبة والناقدة “مارتين ريد” تنشر مطلع 2004 عند “دار بيلين” دراسة تحليلية نفسية تتناول فيها معنى لقب “جورج ساند” ومواقفها الاجتماعية التحررية ودعوتها المرأة للنزول إلى ساحة العمل في الورشات والمصانع.. واحترافها الأدب والموسيقى أسوة بالرجال وذلك في كتاب يحمل عنوان “التوقيع ساند”……
أما “غونزاغي سانبري” وهو مؤرخ وأديب إسباني فرنسي الأرومة فقد صدر له قبل أيام معدودة كتاب عنوانه: “على خُطى ساند” عن دار مطبوعات “النهضة” يعتبر جولة تاريخية أدبية في مرافق حياة الأديبة التي لا تزال تشغل النقاد والدارسين والقراء… وتكاد السير الذاتية التي اهتمت بحياتها لا تعد ولا تحصى صدرت بعشرات اللغات على غرار “جورج ساند: سنوات أورور” للناقدين “بيير لكليرك” و”آن كاريير”.. ويسلط هذا المؤلف الأضواء على مرحلة طفولة الأديبة ومكوثها في الدير خلال مرحلة الدراسة وكيفية احترافها الكتابة ثم زواجها المبكر وإحاطة الأصدقاء بهذه الإنسانة الاجتماعية الموهوبة.. كذلك يتوقف الأديب “بيير غامارا” عند خصائص أعمالها الفنية والتطور اللغوي الذي أحدثته على صعيد كتابة الرواية الريفية وذلك في كتاب عنوانه: “صديقتنا ساند: المرأة المتحررة”… وصدر شباط 2004 عن دار “زمن الكرز” الفرنسية……
ولأن شهرة “جورج ساند” على صعيد أدب المراسلات تفوق التصورات جاء كتاب: “مراسلات بين هوغو وساند” الصادر عن دار “إتش بي” المرفق بوثائق تؤرشف للأحداث التي شهدتها الأديبة ولمواقفها المؤيدة لطبقتي الفلاحين وعمال المطابع.. فعلى غرار مراسلاتها أصدرت “دار ستوك” الفرنسية شباط 2004 مذكرات جورج ساند تحت عنوان “قصة حياتي” تصف فيها الأديبة حفنة من الأصدقاء الذين أحبتهم أمثال: “بلزاك” و”سانت بوف” و”غوستاف فلوبير” و”دولاكروا” و”شوبان” و”موسيه”……
أما “رسائل مسافر” ونشرتها دار “فلاماريون” منتصف آذار 2004 فتجمع مختارات من عشر رسائل كتبتها “ساند” خلال تجوالها بين فرنسا وإيطاليا وسويسرا بين الأعوام (18341836).. هذا في حين تمجد “حكايات الجدة” الصادرة عن دار “فلاماريون” الطبيعة وهي بقلم “ساند”.. خلال دفاعها عن الأشجار والتراث الفولكلوري لمنطقتها “بيري”.. والكتاب عبارة عن قصص كتبتها الأديبة لحفيدتيها “أورو” و”غابرئيل”.. كذلك أعادت عشرات من دور النشر الأوروبية طباعة أعمال “ساند” الكاملة أو بشكل متفرق: “دار بيران” أصدرت في آذار 2004 “أجمل مخطوطات جورج ساند” والشاهدة على تنوع الحياة الأدبية والفكرية في القرن التاسع عشر.. “ودار لا مارتينيز” تناولت في أحدث إصداراتها أقوال وكلمات ومقتطفات من مقالات “ساند” الموجهة لمجموعة من أدباء عاصروها وذلك تحت عنوان: “جورج ساند”.. أما “دار بايو” فقد تفردت بتسليط الأضواء على أشهر ثنائي في الحركة الرومانسية الفرنسية وهما “جورج ساند” والشاعر “ألفريد دو موسيه” خلال رحلتهما إلى البندقية وإقامتهما فيها منذ تاريخ 19/6/1833 وكيفية احتضان مدينة الأحلام: البندقية لحبهما العاصف… وتدين الرومانسية بالكثير من روائعها الأدبية للثنائي المذكور وذلك رغم إطلاق لقب “أبو الحركة الرومانسية” على شاتوبريان (17681848).. فمدام “دوستال” و”جورج ساند” و”فيكتور هوغو” و”ألفريد دوفيني” و”لامارتين” من أبرز رواد هذا التيار الذي أطلق نظرية “الفن للفن” ولكنه أكد على دور الكاتب في الإعلاء من شأن الحقيقة ليغدو الأديب مرشداً وموجهاً يعري مساوئ المجتمع وجنوح حفنة من أفراده نحو الدروب الضيقة……
*صنّاجة الرومانسية وروائية الأرياف*
لئن ولدت الرومانسية مطلع القرن التاسع عشر إلا أن جذورها تمتد إلى “جان جاك روسو” (17121778) صاحب “إبلويز الجديدة” (1761) و”العقد الاجتماعي” (1762).. وتأثر “جورج ساند” بهذين العملين واضح و”مدام دوستال” (17661817) “وشاتوبريان” و”لامارتين” و”فيكتور هوغو” (مراسلاته مع “ساند” استمرت لسنوات طويلة) و”ألفريد دو موسيه” و”ألفريد دوفيني”.. اتسعت رقعة تأثير الرومانسية في الفنون والآداب لتطال نقد “سانت بوف” (18041869) وروايات “بلزاك” (17991850) صاحب “زنبقة الحقل” (1836) و”ستاندال” (17831842) صاحب “الأحمر والأسود” 1830.. ولم ينتبه هؤلاء إلى هذا التيار.. تأثر به كذلك على صعيد الفنون الأخرى: “غرو” و”جيريكو” و”دولاكروا” من الفنانين التشكيليين والنحات “دافيد” ومن الموسيقيين: “بيرليوز” و”شومان”……
لم تشتهر “ساند” فقط برومانسيتها وإنما بنزوحها نحو المبادئ الاشتراكية في عصر كان هذا الموقف يتطلب جرأة كبيرة.. ابتعدت الأديبة “ساند” عن “فولتير”
(16941778) ومواقفه الثورية المناهضة لأية ميتافيزيقية مهما سمت طروحها لتراسل “كارل ماركس” (18181883) إلى حين اكتشافها أن الثورة على طريقة هذا الداعية الشيوعي ليست مطلبها ولا تحقق لها ما تصبو إليه. لتلتقي في مواقفها مع “غوستاف فلوبير” (18211880) صاحب “مدام بوفاري” 1857 حول أهمية وضرورة الإصلاح الاجتماعي آنذاك.. وكان “فلوبير” من أكثر الأدباء إعجاباً بالأديبة رغم فارق السن والطباع والاهتمامات وأسلوب الكتابة بينهما.. لدرجة أنه أقام معها مراسلة مكثفة وقدم لها مؤلفه: “قلب بسيط”… حزن “فلوبير” على وفاة “جورج ساند” صديقته المفضلة وكاتمة أسراره.. فمن سيوجه إليه النصائح من بعدها؟! لم تخل “ساند” من أعداء “الكار” الذين انتقدوا أعمالها بشدة على غرار “شارل بودلير” الشاعر الفرنسي (18211867) صاحب “أزهار الشر”.
وما انخراط “ساند” في العمل الصحفي عام 1848 إلا نتيجة مساندتها لكل من “لوي بلان” و”لودرو رولان” و”بلانكي”.. ودفاعها عن مهنة المتاعب وأصدقاء ظلوا مخلصين لها أمثال: “فلوبير” و”دوماس الابن” (1824أ 1895) صاحب “غادة الكاميليا” وكان يناديها “ماما”.. وتورغينيف (18181883) الأديب الروسي الشهير.. ورغم إصرار إمبراطورة فرنسا التي وطدت صداقتها مع “جورج ساند” على دفع الأديبة للانتساب إلى الأكاديمية الفرنسية إلا أن الجمهوريين كانوا لها بالمرصاد وقد أحاطت بها الشهرة والأمجاد من كل حدبٍ وصوبٍ ولم تمنع كراهية “توكفيل” (18051859) رجل السياسة والأدب المعروف ل “ساند” ورفاقها من الرومانسيين من اعترافه أمام الجميع “بتواضع تصرفاتها وحيوية لغتها البسيطة كلغة الأرض وهي صفة المفكرين الكبار” كما قال هذا المفكر الذي شغل أبرز المناصب وصولاً إلى الأكاديمية الفرنسية……
رفضت الأديبة “جورج ساند دخول الأكاديمية الفرنسية كما امتنعت عن ترشيح نفسها للجمعية الوطنية (البرلمان) بعيد ثورة 1848 وذلك رغم إصرار أبرز نادٍ للنسوة في باريس آنذاك وإلحاحهم على تسلمها هذا المنصب في المجلس النيابي.. فانصرافها إلى توقيع أكثر من 50.000 رسالة قامت بكتابتها وتوجيهها إلى حفنة من الأصدقاء والأدباء أمثال “هوغو” و”بلزاك” و”دوماس الأب” و”نيكولو باغانيني” و”جيوا شينو روسيني” و”فرانز ليست” و”ماري دانفولت” و”دولا كروا وسانت بوف”.. حمل لها السعادة المرجوة.. وهاهو “جورج لوبيان” يجمع اليوم تلك المراسلات ليصدرها في 25 جزءاً تغطي الأعوام 1825 1876… مراسلات مسحت القضايا الفكرية التي هزت أوروبا آنذاك.. ورغم شهرة “مدام دوستال” على صعيد كتابة الرسائل إلا أن خصب إنتاج “جورج ساند” فاق تصور معاصريها.. ولتعرف تلك المراسلات شعبية مع إعادة “أندريه موروا” نشرها منتصف القرن العشرين لتنعش ذاكرة الأوساط الثقافية الأوروبية بقضايا تحرر المرأة قبل نزول تلك التسمية إلى الشارع… وليرى “موروا” مواقف “ساند” أقرب إلى زميلها “فيكتور هوغو” على صعيد الالتزام بقضايا الشعب وتأييدهما للفئات المسحوقة كالفلاحين والفقراء الكادحين حتى قيل عن “ساند”: “أنها فلاحة بالفطرة”.. نقلت في روائعها معاناتها في ريف “بيري” حيث أقامت وعايشت العاملين بالأرض رغم كونها امرأة.. “امرأة ولا يظنن أحد أنني أشتكي على العكس أرى الأمر أسهل “فمن السعادة بمكان أ ن نجعل من حياتنا رواية”.. هكذا تكلمت “جورج ساند” خلال لقائها مع “ميريمه” (1803 1870) صاحب “كارمن” و”كولومبا” و…
لكن من هي “جورج ساند”؟ وكيف أصبحت أول امرأة تصنع من حياتها الخاصة مادة لإنتاجها الأدبي؟ ولماذا يطلق عليها لقب “روائية الأرياف”؟!……
“أورور أرماندين دوبان بارونة دودافان” هو الاسم الرسمي للأديبة الفرنسية المعروفة في الأوساط الأدبية ب “جورج ساند”.. ولدت في باريس مطلع تموز 1804 لذلك تحتفل الفرانكوفونية بمرور مئتي سنة على ولادتها اليوم توفيت في منطقة “نوهان” عام 1876… وهي ابنة ضابط كبير في الجيش الإمبراطوري النابوليوني.. قضى والدها ولم تتجاوز سن الرابعة. فاهتمت بها جدتها المقيمة في الريف لتمضي “أرماندين” طفولتها بعيدة عن العاصمة تستمع لقصص يرويها الفلاحون في جلساتهم.. حولتها الأديبة فيما بعد إلى مادة أولية لروائعها.. ما أن بلغت سن 13 حتى انتقلت إلى مدرسة داخلية للراهبات فجّرت في أعماقها حب التمرد في بادئ الأمر ومن ثم التوق لاعتناق حياة الأديرة.. وفي عام 1822 تزوجت من البارون “دودافان” لتهجره بعد أقل من عشر سنوات برفقة ابنتها وولدها.. استقرت في باريس لتثير حولها زوبعة من الاستنكار في الأوساط المخملية لخروجها بزي الرجال وانتقائها البنطال وتدخينها البايب والسيغار.. شغلت مغامراتها العاطفية الصالونات الأدبية الأوروبية بدءاً بصداقتها مع “جول ساندو” الأديب الذي استعار لها لقب “جورج ساند” وساعدها في كتابة أول رواية تنشرها “وردة بيضاء”.. دخل الشاعر الرومانسي “ألفريد دو موسيه” حياتها لتسافر برفقته إلى إيطاليا عام 1834.. لتهجره في مدينة “البندقية” من أجل عيون الدكتور “باجيللو”.. وتروي الأديبة “جورج ساند” قصة هذا الحب المتقلب في رائعتها: “هي وهو” وصدرت عام 1859.. فردّ عليها شقيق “ألفريد” ويدعى “بول دو موسيه” برواية مضادة عنوانها: “هو وهي”.. عرفت “ساند” الشهرة الأدبية عام 1832 حين صدرت لها رواية “إنديانا” ثم “فالنتين” 1832 و”ليليا” عام 1833 ثم “جاك” 1834 و”موبرا” 1836… وتتناول تلك الأعمال قصص حب رومانسية وتقلبات المشاعر العاطفية الصاخبة بالعشق والوله والاندفاع كما عاشتها “ساند” برفقة “ساندو” و”موسيه” و”ميشيل بورج” و”بيير لورو” و”شوبان”……
جعلت لتلك القصص خلفية تتنقل بين الريف والمدينة.. وفي عام 1837 ذهبت “ساند” مع الموسيقي البولوني الكبير “شوبان” إلى جزر “باليارياس” قبل أن تمضي بصحبته عشر سنوات معبأة بالسعادة الصارخة.. انتقلت مع نهاية تلك العلاقة الغرامية إلى الحياة السياسية لترتبط بمجموعة “الديمقراطيين الفرنسيين” أمثال “باربيز” و”آراغو” و”لامونيه”……
ولتتأثر في تلك المرحلة بكتابات “روسو” وبخاصة “العقد الاجتماعي” وهو العمل الذي كان وراء اندلاع الثورة الفرنسية.. ولتغدو الابنة الروحية ل جان جاك (17121778) صاحب هذا “العقد” الذائع الصيت (1762).. ثم لتنشر عام 1840: “رفيق سباق الدراجات” انتقدت فيه المجتمع الفرنسي آنذاك والفوارق الطبقية.. تابعت “جورج ساند” تمجيدها لطبقة الفلاحين والعمال الكادحين في رواياتها: “هوراس” 1841.. “طحان أنجيبو” 1845.. “كوتسويللو” 1842.. ولتخوض المعترك السياسي عام 1848 من خلال تأسيسها لجريدة يومية توزع “رسائل إلى الشعب” إلى جانب النشرة الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية أيام “لودرو رولان”.. لكن ما إن اندلعت انتفاضة حزيران الشهيرة حتى هجرت “ساند” العاصمة باريس وعادت إلى ريفها الحبيب في “نوهان” لتنصرف كلياً للتأليف والكتابة والنشر.. ظهرت رائعتها “الساحرة الصغيرة” عام 1848 إثر عملها الإبداعي: “مستنقع الشيطان” لعام 1846.. تلتها مجموعة من الروايات المرتبطة بحياة ساكني الأرياف من الفلاحين الفقراء على غرار: “فرانسوا الشامبي” وصدرت عام 1848.. و”قرع الأجراس” لعام 1853.. و”سادة الغابة” 1858 وسواها.. كرستها للسواعد الكادحة في الأرض تستنطق خيراتها.. شهدت تلك المرحلة استقرار “أرماندين دوبان”. “سيدة نوهان الطيبة” كما لقبها سكان المنطقة… سيدة قصر “بيري” التي منحت رعايتها لحفنة من مشاهير الأدب والفن في عصرها الذين أصبحوا أصدقاء أوفياء تستضيفهم “جورج ساند” في مسكنها أياماً وأياماً.. ومن أبرز تلك الأقلام: “سانت بوف” و”ميشليه” و”تيوفيل غوتيه”.. وجيل جديد من المواهب الواعدة جاء يطلب النصح والمشورة على غرار “فرومونتان” و”دوماس الابن” و”فلوبير”.. ولم تقتصر صداقاتها على الأنتلجنسيا الفرنسية لا بل شملت “فرانز ليست” الموسيقي وعازف البيانو الهنغاري (18111886) صاحب الإبداعات الشعرية السيمفونية.. و”شوبان” (18101849) الموسيقي البولوني المولد.. وتشيخوف (18601904).. وتورغينيف (18181883) من روسيا… شاركت تلك المواهب احتفالات “ساند” وأحفادها المقيمين بجوارها بعروض مسرح “أطفالها”. وكانت تخص أطفال فلاحي قريتها بحصص تعليمية وتدعوهم “أطفالي” إضافة لأعراس القرية ومناسباتها السعيدة.. وفي عام 1854 أصدرت سيرتها الذاتية الطويلة تحت عنوان:
“قصة حياتي”.. واستمرت في إسهامها الأدبي بنشر مسرحيات وروايات على غرار “جان دو لاروس” 1860… و”المركيز فيلومير” 186.. و”الآنسة كانتيني” 1862.. حتى اندلعت الحرب الأهلية [1870].. ليدرج زعماء الثورة اسمها في قائمة المدافعين عن الفلاحين والمناصرين للاشتراكية الفرنسية… وإذا أعمالها تكشف توجهاتها ومواقفها حسبما أجمع عشرات النقاد… فرائعتها “ليليا” لا يمكن فهمها بدون العودة إلى “جان جاك روسو” عراب الثورة الفرنسية مع “فولتير” وإذا ب “جورج ساند” رمز الرومانسية وتيارها المناهض للمؤسسات الدينية والتقاليد الإقطاعية الخرقاء وصناجة الرواية الاشتراكية الفرنسية كما تدل كتاباتها ومواقفها السياسية المعلنة وحياتها الاجتماعية الصاخبة..
*أشهر أعمالها.. وآراء النقاد..*
أنديانا: نشرت عام 1832 وهي باكورة روايات “ساند” المدججة بالرومانسية على طريقة “شاتوبريان”… ينتقل موضوعها إلى قصر “لايني” حيث يعيش الكولونيل المتقاعد “دولامار” مع زوجته الشابة “أنديانا” المولودة في جزيرة “بوربون” تحول اليوم اسمها إلى “لاريونيون” المستعمرة الفرنسية فيما وراء البحار.. يستضيف “دولامار” ابن عم زوجته البارون البريطاني “رالف براون” الذي يعشق ابنة عمه لكنه لم يتمكن من الزواج منها لأن أمها لا تنتمي لعائلة نبيلة… تلتقي “إنديانا” وزوجها بالشاب المتهور “ريمون” الذي يغدو عشيق الخلاسية الحسناء حين يعاني الكولونيل من مصاعب مالية تدفعه لمغادرة فرنسا والتوجه إلى جزيرة “بوربون”.. تستجير “إنديانا” بعشيقها “ريمون” طلباً للخلاص من زواجها الفاشل.. لكنه يطردها.. فتحاول الانتحار.. لكن “رالف” ينقذها قبل سفرها مع زوجها.. وبعد مرور قرابة العام يرسل لها “ريمون” رسالة يخبرها أن والدته توفيت وأنه يشعر بالندم لمعاملته القاسية لها.. فتهرب “إنديانا” من الجزيرة وتعود إلى عشيقها الذي يلقاها ببرود وجفاء ويخبرها إقدامه على الزواج من امرأة ثرية فيتسرب اليأس ثانية إلى قلبها حين يأتي ابن عمها ليصطحبها معه إلى الجزيرة حيث توفي زوجها.. فتلقي بنفسها في منحدرٍ مائي ليسارع “رالف” لإنقاذها ثالثةً ومن ثم الزواج منها.. ولأن رواية “إنديانا” تنتمي للحركة الأدبية الرومانسية حققت نجاحاً منقطع النظير قبل أن تنتقل إلى المسرح والسينما والتلفزيون على شكل مسلسلٍ…
كونسويللو: رواية تستمد من الواقع أحداثها.. اقتبستها “جورج ساند” من وقائع حياة صديقتها المطربة الشهيرة “بولين فياردو” تحولت إلى “أوبرا” على يد الموسيقي “جياكومو أوريفيس” (1865 1922)… نشرت لأول مرة في باريس بين العامين 1842 1843.. تجري أحداثها في القرن الثامن عشر بين “البندقية” و”بوهيميا” (ألمانيا).. و”كونسويللو” شابة حسناء تتمتع بصوت رخيم تعمل كمطربة في مسرح دار أوبرا البندقية حيث يقيم خطيبها “أنزوليتو” الصياد الماهر.. تحقق “كونسويللو” النجاح تلو النجاح فيشعر “أنزوليتو” بالغيرة كذلك الأمر بالنسبة لرفيقاتها في الفرقة الموسيقية اللواتي يحسدن الشابة الموهوبة.. تترك “كونسويللو” عملها وقد أصيبت بخيبة أمل في حبها تغادر “البندقية” وهي في أوج مجدها إلى مسقط رأسها “بوهيميا” حيث يجد لها أستاذها “بوربورا” وظيفة في قصر الكونت “ألبير” كمدرسة للغناء.. يرحل “ألبير” عن القصر فجأة في محاولة منه لإخفاء حالة الفصام التي يعاني منها منذ طفولته.. فيبدأ سكان القصر البحث عنه.. تعثر عليه “كونسويللو” وهو في حالة هستيرية لدى رؤية الحسناء يستعيد الكونت رشده ويعترف لها بحبه ويطلب منها الزواج والبقاء بقربه.. لكن المطربة الشابة تخاف الارتباط بهذا النبيل المتقلب الأهواء.. تعود ثانية إلى “البندقية” حيث تعمل في مسرح خاص بالإمبراطورة “ماري تيريز”.. فيعثر عليها “ألبير” ويطلب منها أن تلبي دعوته وهو على فراش الموت.. لكن “كونسويللو” تختار حياة التجوال والترحال ثانية متحررة من أي قيد……
مستنقع الشيطان: لعلها أشهر روايات “جورج ساند” نشرت عام 1846 حين استنكفت الأديبة عن حياة المجتمع الباريسي لتنصرف إلى الكتابة في ريفها الهادئ… تسلط الحبكة الأضواء على حياة “جيرمان” الفلاح الأرمل الذي يعيل ثلاثة أطفال إثر وفاة زوجته حين يعرض عليه حموه فتاة من أقرباء المرحومة تعتني بالأولاد وتدير المنزل خلال غيابه في الحقل.. يسافر “جيرمان” إلى البلدة المجاورة للزواج من الخطيبة التي اختارها له حموه وبرفقته مجموعة من المسافرين بينهم “ماري” التي دفعتها ظروفها القاسية للعمل كخادمة لدى إحدى الأسر الغنية في الجوار.. يأخذ “جيرمان” أصغر أطفاله معه في هذه الرحلة.. لكن الأحوال الجوية السيئة تدفع المسافرين للجوء إلى مغارة درءاً من الأمطار الغزيرة قرب ما يسمى “مستنقع الشيطان”.. تقع “ماري” في غرام “جيرمان” رغم تجنبها البوح له بذلك في حين لا يعيرها هذا الأخير أي اهتمام.. يصاب “جيرمان” بخيبة أمل عندما يلتقي قريبة زوجته المتوفاة في حين تتعرض “ماري” لإغواء سيد المنزل حيث تعمل ومراودته لها على عفتها.. يعود “جيرمان” إلى قريته وقد تأزم حين وجد الخطيبة المنشودة إنسانة هوائية غير قادرة على تربية أطفاله.. تغادر “ماري” مجدداً قصر مستخدميها الجدد لتجد “جيرمان” بانتظارها في القرية.. فيطلب منها الزواج لتوافق دون تردد.. تعجّ هذه الرواية السردية بأجمل مناظر للطبيعة والمغاور وسقوط الندى وحفيف الأشجار حول مستنقع لا وجود فيه للشيطان إلا في المخيلة الشعبية……
الساحرة الصغيرة: تنتمي هذه الرواية لثلاثية “مستنقع الشيطان” و”فرانسوا الشامبي”.. نشرت عام 1849. وتدور أحداثها في “بيري” حيث أمضت الأديبة مرحلة الطفولة… وتتناول تنافس الشابين التوأمين: “لاندريه” وشقيقه “سيلفينه” كلاهما فلاح يعمل في الأرض على قلب “فاديت”: الساحرة الصغيرة تتبادل “فاديت” الحب مع “لاندريه” اختارته دون شقيقه ولأنه يخشى غيرة “سيلفينه” يكتم “لاندريه” أمر هذا الحب قبل أن يكتشف والده هذا السر فيسعى للحيلولة دون زواج ابنه من “فاديت” ابنة ساحرة المنطقة التي تكرهها أسرته.. لكن “لاندريه” يصر على الاقتران من حبيبته ليبارك والده أخيراً هذا الزواج.. تتميز هذه الرواية بإسهاب في وصف الطبيعة وحياة الفلاحين في “بيري” حيث ترعرعت الأديبة……
ومن الأعمال النقدية التي تناولت محطات في حياة “جورج ساند” الأدبية نتوقف عند “ساند تحت أشجار فرينيو” الصادرة بنسخة جديدة مطلع 2004 عن “دار بلون” بعد نسختي 19561987……
و”أندريه فرينيو” (19071991) أديب وفنان تشكيلي قام برسم موتيفات قصص الجدة “ساند” إلى جانب تحليله لرواياتها على غرار دراسته ل “مستنقع الشيطان” ويقول فيها: “بعكس ما يعتقده الكثيرون فإن البطل الفعلي لهذه الرواية ليس “جيرمان” ولا حتى “ماري” لكنها الطبيعة……
وتباع نسخة فرينيو” المرفقة بموتيفاته بسعر 106 يورو اليوم… وصدرت عن دار “بير تيسيه”… لعام 1944……
ولأن الموتيفات نفذت بالليتوغرافيا (النقش على الحجر) إلى جانب تضمين الرواية عدة لوحات مائية جاءت منسجمة مع الأجواء المناخية لهذا العمل.. لتتحول دراسة “فرينيو” إلى لوحات فنية تشكل خلفية للتوصيف والسرد الروائي… ألم يكتب “فرينيو”: “كانت ليالي مستنقع الشيطان تؤرقني بنداها وضبابها وهمسات روادها الإباحية”؟! لم يتناول “أندريه فرينيو” في رسومه شخصيات الرواية بقدر ما توقف عند الطبيعة: السماء… الأفق… الأشجار… النجوم الفعليين ل “مستنقع الشيطان”……
أما المؤلفات التي تطرقت إلى علاقة مشاهير الأدب والفن بالأديبة “جورج ساند” فكثيرة.. اخترنا من بينها كتابين تناول كل منهما تأثير وتأثر “ساند” ب “شوبان” وبالعكس.. عنوان الأول: “محفل شوبان” للناقدة “بيتينا إيسير” الصادر عن دار “آرتمان” 2004 وثمنه 19 يورو والثاني عنوانه “شوبان وساند” للأديب “آلان ديولت” عن دار “آكت سود” وثمنه 15 يورو……
وعلاقة “فريدريك شوبان” ب “ساند” استمرت عشر سنوات بدون انقطاع. وهو من مواليد “فارسوفيا” 1810 توفي عام 1849… اشتهر بمعزوفاته على البيانو والجامعة لموسيقى: المازوركاو الفالس والسوناتا والشيرزو والبولونيات ذات الطابع الرومانسي الحزين والتي تنم عن روح شاعرية جددت أسلوب العزف على البيانو آنذاك……
وتتحول الناقدة “إيسير” إلى لوحة الفنان التشكيلي الفرنسي “أوجين دولاكروا” (17981863) أبرز رواد المدرسة الرومانسية الفنية ويعتبر من الرسامين المستشرقين ورسمها عام 1838 لتبحث في شطرها إلى نصفين.. يصور الشطر الأول وجه “شوبان” ويعرض هذا النصف في متحف اللوفر حالياً بينما يمثل الشطر الثاني وجه عشيقته “جورج ساند” الأديبة التي تجاوزت شهرتها القارة العجوز. ويعرض هذا الجزء في متحف الدانمرك الوطني… ورغم اختلاف طبعي الحبيبين الرومانسيين إلا أن علاقتهما كانت وراء إنتاج كل منهما في مجال اختصاصه إبداعات طبقت شهرتها الآفاق… تأثر “شوبان” الموسيقي القدري المنتمي للكثلكة بسلوك “ساند” المرأة التقدمية الملتزمة بقضايا المعذبين في الأرض……
دفعت كراهية “فريدريك” لإحياء الحفلات الموسيقية العامة النقاد لوصفه بالفنان الغامض الذي وجد في “جورج” حنان الأم التي لا تتوقف عن العطاء… في حين كان التأرجح بالرأي والبحث عن التفاصيل طاغياً على شخصيته… وفي رواية “لوكريزيا فلورياني” نشرت عام 1842 تستعير “ساند” شخصية “شوبان” لرسم ملامح بطل هذا العمل ويدعى “كارول”… وتجمع مجموعة من النقاد من بينهم “إيسير” أن “شوبان” لم يهتم بالأدب إلا بعد تعلقه ب “ساند” ولم يحترم أحداً باستثناء “باخ” و”موتزارت”… ورغم رفع قيصر روسيا الحظر بالنسبة لعودة المنفيين البولونيين إلى وطنهم عام 1833 إلا أن “شوبان” رفض هذا الأمر واختار البقاء في فرنسا إلى جانب حبيبته “جورج ساند” التي شكلت طوق نجاة أنقذته من محنته في تلك المرحلة… ليكلل نجاحهما اليوم بإطلاق اسم “شوبان” على مطار “فارسوفيا” الدولي وبحمل عدة جوائز وساحات في بولونيا اسم هذا الثنائي الرومانسي المبدع……
عن ملف الفيغارو – ترجمة وإعداد: هدى انتيبا – الآداب الاجنبية -


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.