عندما يصاب الطفل بالحمي او القئ فإن ذلك يستدعي نفرة من جميع افراد اسرته باعتبار انه مرض معروف، ولا بد من الذهاب به الى الطبيب واخذ العلاجات المناسبة والفحوصات والتحاليل، ولكن عندما يتأخر الطفل في الكلام يفترض المجتمع له عدة فرضيات ناتجة عن ثقافات الماضي، فيلجأ العديد من الامهات الى الشيوخ او اصحاب الدجل والشعوذة علهم يكونون سببا في الشفاء ليقدموا لهم التمائم والبخرات والمحايات وما شابه ذلك، وعندها يكونون قد اضاعوا الزمن وتأخرت الحالة. عبد الرحمن كان ابنها الوحيد الذي رزقها الله به بعد ان خلفت ثلاث بنات،لذا كانت طلته ذات طعم خاص ومختلف، واضفت بهجة عامة لدى كل الاقارب والجيران، ولكن ها هي الايام تمر ومن بعدها الشهور ويتأخر ابنها في الكلام، ولاحظت والدته ان استجابته ضعيفة حتى في الالتفات لمن يناديه باسمه، عندها قالت لها جدتها ان هذا من كثرة ما تناول من البيض المسلوق الذي أخر نطقه، واستشهدت لها بالعديد من افراد العائلة، فصبرت عليه الشهور والسنين ولم ينطق، ليتم تصنيفه متخلفا وينتهي الامر عند ذلك. فهو لا يلعب مع الاطفال بل يفضل البقاء مع الحيوانات الاليفة في المنزل وتناول الطعام معهم او بقربهم، ويميل الي ضرب اقرانه وتحطيم الالعاب، ولم تتوصل والدته الى انه مصاب بالتوحد الا بعد ان بلغ من العمر اثني عشر عاماً وعن طريق الصدفة. وكثيرا ما تتكرر هذه الحالة في اطراف البلاد ووسطها، خاصة ان قيود الافهام المتخلفة مازالت تكبل عقول الكثيرين، فيضعون الطب في آخر القائمة خاصة اذا لم يكن المرض مرتبطاً بعضو خارجي، او له اعراض حمى او ما شابه ذلك، مما يؤدي الى تأخير شفاء حتى الحالات المرضية التي تصل الاطباء/ وفي حديث مقارب تقول لي الحاجة الحاجة ست النفر عطا الله: «زمان عندنا الشافع الما بتكلم بعد السنة ونص بكون لسانو بقي تقيل من اكل البيض خاصة، والما بعرف اتكلم عديل ولسانو فيهو لكنة كنا بنخنق ليهو رقبتو بي مصران الضحية بعدها لسانو بنفك». وفي حالة انتشار مثل هذه المفاهيم وعلاجها بالنمط التقليدي نجد أن تأخر التعرف على المرض لم يكن مسؤولية المواطن وحده، ولكن التوعية به تكاد تكون غائبة، والاهتمام بالمرضي ينحصر في مركز واحد فقط تم انشاؤه حديثاً يضم عدداً من المختصين في مجال الإعاقة الذهنية، وهو المركز السوداني العالمي لتدريب أطفال التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة الذي انشئ في منتصف 2011م، كما انه وحتي شهر ابريل من العام الماضي الحالي لم تؤكد الدراسات والابحاث إحصائية لأطفال التوحد بالسودان، وان كانت الاحصائيات العالمية تشير الى ما يجب الانتباه له، خاصة أن نسبة الإصابة بهذا المرض تصيب طفلاً واحداً من بين « 88 » طفلاً. ويعتبر الأطباء واختصاصيو الاطفال ان التوحد حالة من حالات الاعاقة لها تطوراتها، وهي تعيق بشكل كبير استيعاب المخ للمعلومات ومعالجتها، كما يؤدي إلى مشكلات في اتصال الفرد بمن حوله، وتظهر الاعاقة بشكل نمطي في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، ويطلق على الاطفال المصابين بالتوحد مسمى «ذوو القصور النمائي الشامل»، وهم يختلفون في سماتهم من مستوى لآخر، بحسب شدة الاصابة بالمخ، وشدة الاعراض المصاحبة للحالة.. وأطفال التوحد تفكيرهم غير مرن في الغالب، وغير منطقي، لذا تكون استجاباتهم بطيئة للمواقف المعقدة في اللعبة، وتنعكس على تصرفاتهم بشكل عدواني، فيقومون بالتكسير والتدمير.