٭ نفرح كثيراً عندما نسمع عن إنجاب مولود جديد يملأ البيت بصراخه وضحكاته الجميلة، وما أجمل تلك النظرات المخلوطة بالحب من الام لحظة الإرضاع. ويكبر الطفل وتكبر معه احلام الوالدين بأن يكون طبيباً او مهندساً او معلماً في بعض الاحيان، وخلال ملاحظات الام وهي أول الملاحظين لتصرفات وحركات المولود، فتكتشف أن ابنها لا يشبه غيره من الاطفال بكثير من الحركات مثل ميله للوحدة وعدم تعامله مع الآخرين، وعند ذهابها الى الطبيب للكشف على الطفل عله لا يسمع، لذلك لم يتمكن من النطق أو التعامل مع الاسرة، وعندها تكتشف الحقيقة المرة وهي أن ابنها يشكو من التوحد. وتدخل الام في صدمة قوية في محاولة الرضاء بالواقع وانقاذ ما امكن الذي يحتاج الي وقت كبير. وقد يؤدي ذلك الى أن يحدث الطفل ضرراً بنفسه إذا ما كان من النوع العنيف، او قد يموت في بعض الاحيان، فطفل التوحد يحتاج الى وقت طويل لتأهيله حتى يتمكن من التعامل مع من حوله، ورغم أنه لا توجد دراسات إحصائية لاطفال التوحد في السودان إلا ان الإحصائيات في العالم الخارجي الآخر موجودة، فبين كل 88 طفلاً طفل واحد متوحد، كما أن كل الجهود المبذولة لتأهيل اطفال التوحد في السودان هي عبارة عن جهود فردية تفتقر للبيئة الاساسية التأهيلية لطفل التوحد. وحول التوحد حاورنا د. ياسر موسى اختصاصي نفسي ورئيس الاتحاد القومي للمعاقين.. فالى افاداته. حوار: رباب حسن ٭ كيف نعرف مرض التوحد؟ التوحد هو تغير النمط النمائي، ويصيب الطفل في ثلاثة ابعاد في حياته هي: «التواصل والاتصال والحركات النمطية القهرية». ٭ ما هي المعايير المساعدة لتشخيص التوحد؟ يتم التشخيص بمعرفة التاريخ النفسي والاجتماعي للحالة، ويدخل في باب التاريخ تاريخ الولادة وطريقتها «طبيعية، قيصرية» وأيضاً صحة الأم قبل الولادة «الصحة الانجابية» وأخيراً الصرخة الأولى للطفل فبعض الأطفال حديثي الولادة لا يصرخون. ٭ لماذا؟ انعدام الصرخة الأولى لحديثي الولادة تعني نقصاً في الأوكسجين، ويكون ذلك اما بسبب ضعف الاوكسجين الواصل للمخ أو عدم نظافة الطفل، وبذلك تحدث الاصابة بواحد من اشكال الشلل الدماغي، اما الاعاقة الذهنية او العقلية فبمقدار نقص الاوكسجين تكون الاعاقة، وقد تصل في بعض الحالات الى الشلل التام «الرباعي» الأرجل والأيدي ومشكلة الكلام «التخاطب وضعف العقل». ٭ هل للتوحد أنواع؟ هنالك نوعان للتوحد «توحد وتوحد طيفي» ولكن للتوحد درجات تختلف من طفل لآخر متوحد. ٭ ما هي تلك الدرجات؟ رغم الأعراض الموحدة العلمية المعروفة الا أنه لا تتطابق حالات التوحد مثل البصمة يتفقون على تطابق اساسي واحد هو عدم التواصل مع الآخرين اياً كانوا، وفي معظم الحالات يختلفون في الكلام في شكل من اشكال التواصل اللفظي وينعدم الاتصال التواصلي البصري، علماً بأن ذوي التوحد يتمتعون بأجمل العيون. ٭ هل هنالك درجة أخرى للتوحد؟ من درجات التوحد درجة تسمى المتعايشون، وهم اشخاص يحملون صفات وعلامات التوحد مع قدر وافر من النجاح الاكاديمي والمهني. ٭ هل تختلف أعراض التوحد عند المتعايشين؟ من أعراضه قلة الكلام وعدم التواصل مع الآخرين، مثلاً اذا ألقيت عليه التحية لا يردها وينعت في المجتمع بالبرود او الغرور او الانعزال ولا يبالي بما يقال عنه، ومن صفاته ايضاً قلة التفاعل مع الآخرين وعدم الدخول في علاقات اجتماعية اياً كانت، وذلك رغم تمتعه بخواص الجاذبية مع الآخرين، وعلى الرغم من توفر تلك الصفات فيه الا أننا نتمني لو كانت تلك الحالة هي درجة من درجات التطور في حالات التوحد الأخرى. ٭ اذن ما هي أعراض التوحد؟ أعراض التوحد يتسم بعضها بالحركات البطيئة بتحريك الرأس من أعلى الى اسفل او التصفيق او النقر على الطاولة بإيقاع واحد لمدة طويلة او دائمة في بعض الاحيان. ٭ ما هو دور التأهيل؟ كل الذي نقوم بعمله لطفل التوحد هو خلق حالة وسط بين عالمنا وعالمهم، وتكوين حياة هادئة ومقبولة آمنة، ويتطلب ذلك جهداً كبيراً وأنماطاً من التدريب المستمرة حتى يخرج من الذات. ٭ كيفية تأهيل مريض التوحد؟ يحتاج تأهيل مريض إلى جهد كبير ويبدأ من الاسرة ومع الشخص اللصيق جداً بالطفل كالأم، فبمجرد اكتشاف ان الطفل يعاني التوحد فإن هذا يصيب الاسرة بما يعرف بالصدمة النكرانية للواقع، مما يؤدي إلى التأخير في حالة الطفل، وقد يؤدي في بعض الحالات إلى فقدان الطفل نفسه. ٭ ما السبب وكيف يفقد الطفل؟ عند وضع الطفل في غرفة مغلقة او وضعه مهملاً قد يلجأ الى طرق رأسه بالحائط، وعند تكرار ضربه لرأسه «محاولة القرع المتكررة» يموت الطفل، وتلك الحركات تحدث صوتاً نمطياً «نمطية السلوك» بسبب دوافع داخلية غير معلومة نتيجة الضرب المتواصل، ٭ ما هي البرامج التأهيلية لطفل التوحد؟ يتم تأهيل الطفل، وذلك عبر برنامج يسمى رعاية الذات، وهو يعتمد على التدريب لقضاء الحاجات الاولية الخاصة بالطفل ودخوله الحمام والسواك والنظافة العامة واللبس، وفي بعض الحالات هنالك استجابة لتعلم القراءة والكتابة والرسم او المهارات اليدوية مثل استخدام المكعبات. ٭ هل سجل المصابون بالتوحد نبوغا؟ رغم أن حدوثها يكون نادراً الا أنه قد يحدث بعض الاستثاء في النبوغ في الرسم او النحت او التركيب. ٭ هل هنالك علاج طبي يوصف للمصاب بالتوحد؟ هنالك بعض حالات التوحد تعاني فرط الحركة الزائدة «النشاط الزائد» مع قلة التركيز وضعف الانتباه، فمثلاً تجد الطفل كثير الحركة والوقوع والاصطدام بالاشياء. وفي هذه الحالة يحتاج الطفل الى المعالجة بالتدخل الكيميائي بالعاقير الطبية، كما انه في بعض حالات التوحد التي بها عنف ضد النفس والآخرين فإنها تحتاج ايضاً الى تدخل العقاقير الطبية. ٭ هل هنالك مراكز مصممة لتأهيل المصابين بالتوحد؟ في السودان كل الجهود لتأهيل مصابي التوحد جهود فردية، وتحتاج الى التدريب والتأهيل وفن المهارات في التعامل مع التوحديين، كما لا توجد بيئة علاجية تأهيلية تعليمية تناسب حالات التوحد، فنجد معظم مراكز التأهيل عبارة عن بيوت مصممة لغير غرض التأهيل، وتفتقر للميادين والفناءات والحجرات الواسعة بالألوان التي تتناسب مع التوحديين، كاللون الأزرق الذي يقلل من العداء والعنف ويهدئ الحالة، واللون الأخضر الذي يجعله أكثر استعداداً لتقبل المعلومة أو المعرفة.