صعب جدا الكتابة عن شخصية عامة، فاذا قدحتها تفتح عليك ابواب جهنم واذا مدحتها يفتح عليك الناس ايضا ابواب جهنم ولا يتركون لك جنبة ترقد عليها من عبارات «كثير تلج» وغيرها من المستحدث، ولكن الشخصية التي احدثكم عنها ظلت ولمدة ثلاثة وعشرين عاماً في كرسي الحكم الساخن منذ تعيينه في مجلس قيادة الثورة والى يوم الناس هذا، بيده العديد من الملفات الصعبة والخطيرة كأقدم وزير في الحكومات المتعاقبة وملف اللجنة الامنية وبرغم ذلك يقول للمقربين له تواضعاً بأنه السكرتير الاكبر في كل وزارة! رغم خطورة المناصب التي تولاها أبدأ بتعريفه القديم حيث كان ضابطاً بسلاح المظلات ووجدناه يدير الادارة بحنكة واقتدار ثم منتقلاً الى مطار الخرطوم في وحدات المظلات هناك «القناصة ووحدة قيادة مطار الخرطوم» ثم قائداً للقوات الخاصة، ذهبنا للمملكة العربية السعودية ثلة من ضباط سلاح المظلات ضيوفاً على مدرسة تدريب وتأهيل المظليين السعوديين في بدايات ثمانينيات القرن المنصرم في كورسات مختلفة على مدد مختلفة، وقد كان أكبرها الكورس الذي نُسب فيه الرائد بكري حسن صالح ستة شهور، وقد مرت عليهم عدة مجموعات من الضباط في كورسات قصيرة وأنا منهم وهم الاقدم في المنطقة وخبروا دهاليزها فكان منا من الضباط الاصغر انه حملنا معنا بعض الفواكه من الكافتريا العامة الى غرف السكن فما كان من الرائد بكري ان جمعنا بغرفته وفي حزم وانضباط عالي حدثنا عن «الأتكيت» ذاكراً بان هذا التصرف يسيء للضابط السوداني حاثاً الجميع بالتقيد باللبس الوطني اللائق بالسفرة الرسمية علماً بأنه لم يكن الضابط المسؤول والاقدم ولكنها الحمية الوطنية التي جعلته يغار على السودان وجيشه ومظهر ضباطه في ظاهرة محترمة زادت من احترامنا له كزميل وقائد. ومن الذكريات معه ان صحبني في جولة لمنطقة وسط الخرطوم ايضاً بداية الثمانينيات وكنت لا اعرف وجهته الى ان وصلنا فأوقف السائق وذكرني بأنني من اولاد الخرطوم واعرفها وعلىّ ان ادله على بناية حتى ولو تحت التشييد وانه لديه تكليف من ابناء اهله بالسعودية «دناقلة يا رسول الله» يريدون مبنى ليستثمروه فندقاً او لوكندة واندهشت لانني لا اعرف عن هذا شيئاً فمررنا على عدة مناطق وفي كل مرة «يلكزني» بأنني من أبناء الخرطوم وأعرفها جيداً، ويجب ان اجد له مخرجاً، أنا أضحك لأن المسؤول ليس بأعرف من السائل في لحظات حميمية زملاتية ورجعنا لمكاتبنا بخفي حنين، جمعتني معه في اول سنين الانقاذ زيارة بمنزله الحكومي بالخرطوم بحري وعندما هممت بالمغادرة نبهني بان اشتري من البنك الزراعي.. «معزتين من السعانيين» ويحلبوا ستة أرطال من اللبن يومياً للأطفال وفي فرح غامر قد فرحت معه بهذه السعية وللبن الطازج والارتباط بالريف والقرية في نفسه وهو عضو مجلس قيادة ثورة لحظتها! ومن الذكريات الجميلة معه انه في يوم تنفيذ انقلاب ثورة الانقاذ «الجمعة» وبعد الانتهاء جلس وجلسنا معه شلة من الضباط بمكاتب ادارة المظلات بالقيادة العامة فما كان منه الا ان انزل بندقيته وجلس ثم قال الآن انتهى دورنا وعلى الكل الرجوع لوحدته للعمل العادي من يوم غدٍ، جلس يتحدث وينظر الى فقلت له: ان دوركم الآن قد بدأ ولقد كان ان لم يعد لمكاتب الجيش الا في وظيفة وزير الدفاع فيما بعد، هذا الرجل يعمل ولا يتحدث كثيراً وكثيراً ما تجمعنا لجان المناسبات من وداع واستقبال واعياد المظلات السنوية ولقد كان يضبطها كما لم يكن ولقد اجاد العمل في الادارة مما ساعده في كل اعماله السيادية والسياسية فيما بعد ولم يستعص عليه شيء، هذا الحديث قد لا يعجب البعض ممن يريد وزيراً أو مديراً أو قائداً يعطي الفرصة والبراح في تنفيذ الاعمال وخاصة العسكرية، لا انسى عندما قرر المشير جعفر نميري دورة ثقافية للقادة بقاعة الشهيد حمودي بالمظلات واوكل للاشراف عليها مدير التوجيه المعنوي العميد الركن الخير عبد الجليل المشرف والذي كان في لحظات الحضور الضعيف للقادة ان يستنجد بادارة سلاح المظلات ليمدوه ببعض الضباط ليملأوا القاعة لان الرئيس نميري كان يراقب تعليماته، وفي يوم كان الحضور قليلاً فلجأ العميد الخير للمظلات وكنا موجودين بمكاتب ادارة المظلات فخاطب العقيد عثمان عبد الرسول بان ينجده ببعض الجندرمة ليملأ القاعة فما كان من الرائد بكري حسن الا ان وقف وتظلم من العميد الخير الذي وقع في ورطة وجعل يعتذر عن كلمة «جندرمة» التي قالها وتخارج من تظلم الرائد بكري في ظاهرة قل ان تحدث في جيش ذاك الزمان وتعلمنا منه هذا الحدث ان الرائد بكري ضابط يعرف حقوقه وواجباته وعلينا نفس السلوك ان اجحف في حقوقنا. هذا الرجل وافقني او اختلف معي البعض نجده في كل المناسبات الخاصة «كرها او فرحاً» التي تمر بزملاء السلاح وقد ظن البعض انه جعل لنفسه خاصاً وجديداً، ولكنه يجامل بنفسه وماله واشهد بأنني من الذين يلجأ اليهم عند تسليم مساهماته في دلالة قوية وشعور محترم يكنه للآخرين، ولكنه لا يستطيع ان يحل جميع المشاكل والمصاعب التي تمر بالاخوة الزملاء واسرهم رغماً عن انه لا يقصر في حلحلة العديد من المشاكل. الملاحظ قربه الشديد من رئيس الجمهورية في دلالة ليست غريبة فهو علم وابن سلاحه ورفيق تنظيمه ويذكره بالجيش والثقة والفهم المتبادل وتنفيذ كل الواجبات كما ينبغي. الرجل سئم العمل العام ولكنه التكليف رغم البعد عن الاسرة والعائلة والاهل في معظم الاوقات كما المرض والتقيد بالوظيفة القيادية الا انه موجود ويعمل ويرضي الرؤساء والمرؤسين في ظاهرة يجب التفكر فيها بتجرد دون النظر لفكرة الراحة والعيش في «بحبوبة» التي يراها الآخرون خاصة وان الواجب يحيط به من كل جانب. هذه بعض الجوانب عن شخصية عامة ظلت تعطي ولمدة طويلة ومتتالية لا يكل ولا يمل خاصة وان ما ورد في هذا المقال يعلمه الكثير من العسكريين، وارجو ان يفهم من باب الزمالة والوفاء لاهل العطاء وليس اكثر، حيث لا تربطني به صلة عمل سوى العلاقات الاجتماعية، وبالرغم عنه ذلك يعيب عليه البعض انه كان يعول عليه كثيراً في الاهتمام بالجيش القديم «المعاشيين وأسرهم» ولكن الرجل لا يستطيع أكثر مما يفعل. خارج النص: الكاتب والشاعر محمد محمد خير والذي لم نقرأ له» اغترب في ليبيا ثم سمعنا به في مصر «التجمع الوطني» ومنها اعيد توطينه في كندا وواحدة ونص لجوء سياسي ثم عاد فجأة قنصلاً ثقافياً بسفارة السودان بالامارات!؟ واليوم يكتب عموداًَ راتباً بجريدة «آخر لحظة» يحوي كلاماً ما أنزل الله به من سلطان «شيل حال» وعبارات تستخدم عند الخواجات وليس في المجتمع السوداني المفتوح، ماذا دهى هذا الرجل؟ الكثيرون يعرفونه جيداً مايوياً ثم اتجه لناحية اليسار ثم يعرج لحزب الأمة وأخيراً اشتباكه مع بلدوزر حزب الأمة بمصر وهرولته للسيد محمد عثمان الميرغني طلباً للحماية واليوم في كنف المؤتمر الوطني! «الاختشو ماتو والبيتو من قزاز ما بيجدع»...