مليس زيناوي، رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ولد في مايو 1955 في بلدة أدوا بإقليم تيغراي شمال إثيوبيا لأب من البلدة نفسها وأم من قرية أدي كوالا في إريتريا، وكان اسمه عند مولده ليغيس قبل أن يبدله إلى ميليس تيمنا بناشط أعدمته الحكومة الشيوعية في 1975 عندما كانت على سدة السلطة بإثيوبيا في ذلك الوقت. عاش زيناوي سنوات من عمره في الخرطوم،وتربطه بالسودان صلات وثيقة،وكان يحفظ لبلادنا دورها في وصوله الى الحكم عبر دعم تحالف»الجبهة الثورية الديمقراطية» التي اقتحمت أديس أبابا وهزمت نظام الدكتاتور منقستو هايلي مريام في العام 1991. زيناوي حكم ثاني أكبر دولة في القارة السمراء من حيث عدد السكان ( 84 مليون نسمة)، وتتألف من 87 عرقية مختلفة لأكثر من عقدين من الزمان،واستطاع أخراج الملايين من الإثيوبيين من الفقر المدقع،وبناء جيش قوي ،وأتاح قدرا معقولا من الحريات والاعتراف بالتعدد العرقي والاثني، وتبنى سياسة اقتصادية مرنة ونظاما جعل بلاده جاذبة للاستثمار. وبعد أن كانت إثيوبيا رجل أفريقيا المريض ،يرتبط اسمها بالفقر والمرض والجوع،باتت في عهده تلعب دورا اقليميا مؤثرا في ملفات عدة من الصومال والسودان الى شريك أمني للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في القرن الأفريقي. وفي الجانب الآخر كان ينظر اليه خصومه كرجل مستبد يستخدم القمع وسحق معارضيه وسجن الصحفيين الناقدين والمدونين وحكم بلادهم بالحديد والنار،وتهميش القوميات الأخرى لصالح قوميته الأصغر وهي التغراي،وأن الدول الغربية غضت الطرف عن انتهاكاته للخدمات التي يقدمها لها باعتباره رجلها القوى في المنطقة. خليفة زيناوي،ونائبه هايلي مريام ديسالين الذي سيستمر رئيسا للوزارة حتى الانتخابات البرلمانية في العام 2015 ،مطالب بطمأنة الإثيوبيين عبر السير في طريق سلفه نحو التطور الاقتصادي والتنمية ،مستفيدا من ارثه مع الدول المانحة ،ومطالب أيضا بمعالجة مشاكل القوميات التي ترى أن زيناوي كان يضطهدها، وانهاء التوترات في المناطق التي ارتفع صوتها بالحكم الذاتي خصوصا أن ديسالين لا ينتمي الى قومية التغراي،وينحدر من جنوب البلاد. ويتوقع أن ينكفىء ديسالين على قضايا بلاده الداخلية ويتراجع دور إثيوبيا الاقليمي،وسيكون أبرز المستفيدين من غياب زيناوي خصمه اللدود الرئيس الإريتري أسياس أفورقي الذي بدأ خلال الفترة الأخيرة تحركات للعب دور في الملف السوداني عبر وساطة بين الحكومة و»الحركة الشعبية- قطاع الشمال»، سيتح رحيل زيناوي لفصائل المعارضة الإثيوبية المنقسمة تنظيم صفوفها،وتصعيد نشاطها خلال المرحلة المقبلة،كما ستبرز مشكلة اقليم الاوغادين مجددا بعدما استطاع الراحل كسب صمت حلفائه من الدول الغربية على القبضة الحديدة التي تعامل بها مع الملف، وستنفجر الأزمة في وجه ديسالين. كما سيجد رئيس الوزراء الجديد أمام أزمة اقتصادية وارتفاع معدلات التضخم وشح المواد الغذائية مما ينذر بتصاعد الاحتجاجات الاجتماعية، وانصراف ديسالين عن الدور الاقليمي الى المشاكل الداخلية التي يأخذ بعضها برقاب بعض،الامر الذي يشكل تحديا للدول الغربية في منطقة القرن الأفريقي، حيث كانت ترى تحالفها مع زيناوي كابحا لتمدد التطرف الديني والعرقي ومناهضا للمتشددين من الجماعات الإسلامية المسلحة في المنطقة. التحديات التي ستبزر أمام القيادة الاثيوبية الجديدة،وتغير موازين القوة باختفاء زيناوي ستخفف قبضة رئيس الوزراء الأمر الذي سيدفع نخبة التغراي الحاكمة الى استخدام القوة للمحافظة على سطوتها ونفوذها، مستغلة القيادات العسكرية والأمنية في الجيش والأجهزة الأمنية التي تدين لها بالولاء مما سيدخل البلاد في مرحلة حرجة. المجتمع الدولي، وخاصة حلفاء إثيوبيا الغربيين ينبغي أن يسعوا الى التأثير على التحول الجديد بربط المساعدات المالية والعسكرية والتنموية بفتح الفضاء السياسي وتبني إصلاحات ديمقراطية واحترام حقوق الانسان، وتشجيع القيادة الجديدة على وضع خارطة طريق واضحة للانتقال السلس من أجل ضمان استقرار البلاد الهشة،لأن انهيار اثيوبيا أو اضطرابها سيؤثر على دول المنطقة بأكملها.