وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    الأحمر يعود للتدريبات    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    الخارجية السودانية تستوضح السفير السعودي بشأن فيديو تهديد أفراد من المليشيا المتمردة    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    شاهد بالفيديو.. في مشهد مؤثر البرهان يقف على مراسم "دفن" نجله ويتلقى التعازي من أمام قبره بتركيا    المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة مع دول عربية في غزة بعد الحرب    الحرس الثوري الإيراني "يخترق" خط الاستواء    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    اتصال حميدتي (الافتراضى) بالوزير السعودي أثبت لي مجددا وفاته أو (عجزه التام الغامض)    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زيناوي.. إمبراطور الحبشة..!
نشر في الصحافة يوم 22 - 08 - 2012

لم تمض دقائق على رحيل ميليس زيناوي حتى ضج العالم بالاسئلة والتحليلات المتلاحقة حول تأثير هذا الغياب الفاجع لرئيس وزراء اثيوبيا على الاوضاع داخل بلاده وعلى الدول المجاورة وربما كل القارة السمراء، فميليس زيناوي كان رجل العالم في افريقيا وحصان الغرب الاسود في القرن الافريقي، وتأثير نفوذه ربما تعدى ذلك بكثير ليلامس مناطق النفوذ التقليدية لدول بمثل مكانة جنوب افريقيا ومصر واسرائيل، ومن هنا فان استيعاب تداعيات هذا الحدث تستوجب الاجابة على تساؤلات كثيرة، مثل ما هي انعكاسات غياب زيناوي على مستقبل إثيوبيا وجيرانها ؟ وما مدى أهمية الحفاظ على الاستقرار في قصر هيلاسياسي بالنسبة للحكومة السودانية؟ وهل يمكن أن يشكل غياب زيناوي عن المشهد الاثيوبي فرصة للمعارضة لتصبح أكثر تأثيرا؟ وما زالت هنالك عديد من التساؤلات المطروحة حول كيفية تأثير هذا الغياب على الحركات الانفصالية مثل «اوغادين»، وكذلك على الملف المشتعل مع إريتريا. ثم يبقى السؤال الاهم.. هل سيتيح رحيل زيناوي فرصة للاثيوبيين لاستعادة الحرية والديمقراطية في بلادهم ، ام ان النظام الذي ارساه الرئيس الراحل سيتمالك نفسه ويستعيد السيطرة على البلاد؟
اديس ابابا.. هل يصمد النظام؟
يقلل الدكتور حمد عمر حاوي من انعكاسات غياب زيناوي على مستقبل إثيوبيا واستقرارها، مشيرا الى ان الرجل قد استطاع ان يرسي نظام حكم مختلف عما هو معهود في القارة، نظام لا يعتمد على شخصية الرئيس بل على نوع من الفيدرالية قائم على حكم القبائل لاقاليمها، ويتابع الدكتور حمد : هذا النظام حقق قدرا كبيرا من الاستقلالية للاثيوبيين في ادارة شؤونهم وحد من قبضة المركز مما خلق استقرارا من الصعب بمكان التأثير عليه بمجرد غياب شخص زيناوي من السلطة. ويعدد استاذ العلوم السياسية ما يراها عوامل للحفاظ على استقرار الاوضاع في اثيوبيا بعيد رحيل رئيس وزرائها، ومنها وجود نظام للحكم لا يعتمد في استمراره على كاريزما الرئيس، بل على عناصر وسمات متوافق عليها بين الاقليم المختلفة، ولهذا فهو يؤكد ان غياب زيناوي لن يشكل اية تهديد لاستقرار اثيوبيا او تضعضع الصلات بين القوميات المختلفة، واستنادا على هذه القراءة فان الدكتور حمد عمر حاوي لا يري ايضا في اجابته على المحور الثاني من السؤال، اي تداعيات لغياب رئيس الوزراء الاثيوبي على الادوار التي تقوم بها بلاده في المنطقة، ويضيف حمد ل» الصحافة» : هنا ايضا لم يكن الفاعل الرئيس شخص «زيناوي» بل اثيوبيا في عهده، واعتقد انها ستستمر في اداء ذلك الدور لانها الاكثر تأهيلا له، ولانها تملك الوسائل المناسبة. ومن ذات المسار ينطلق البرفيسور عوض الكرسني ليؤكد على استمرارية ذلك الدور قبل ان يصفه بالتاريخي، موضحا بان اثيوبيا تعد من بين «5» دول تاريخية في القارة السمراء، وتمتاز بمقومات تدعم من ذلك الدور ومنها تعداد سكاني بلغ «80» مليون نسمة فضلا عن تعدد عرقي يتمثل في قوميات مختلفة، وقال الكرسني ان تلك المكانة جعلت للسياسة الخارجية الاثيوبية محددات دعاها ب «الرسائل التاريخية»، واستشهد الكرسني على ذلك بتمسك اثيوبيا بتلك المحددات حتى في عهد الرئيس الراحل منقستو هايلي مريم المعروف بتوجهاته اليسارية وعدائه مع الغرب، واضاف « رغم ذلك العداء لم يتم اغلاق القاعدة الامريكية في اثيوبيا او ايقاف المساعدات الامريكية او الغربية لاديس ابابا، على ان البروفيسور يقلل من المكتسبات التي حققها نظام زيناوي للشعب الاثيوبي، بخاصة على صعيد تطبيق تجربة الفيدرالية التي اقرها الدستور الاثيوبي في العام «1994»م واعطت القوميات حق الانفصال، فهو يشير الى ان منح هذا الحق في ظل وجود حزب حاكم قوي، كالجبهة الشعبية، يتحول الى حق نظري مثل الذي كان يمنحه الاتحاد السوفيتي لاقاليمه. ويعدد البروفيسور الكرسني ل» الصحافة» التحديات التي يجب على الحكومة الاثيوبية مواجهتها للحفاظ على الاستقرار هناك، وفي مقدمتها تطبيق الفيدرالية بشكل صحيح ومحاربة الفقر، ويتابع موضحا : لا مناص للحكومة هناك من ايجاد معادلة صحيحة لحل تلك القضايا، صحيح ان اثيوبيا شهدت معدلات نمو مرتفعة وانعكس ذلك على الدخل القومي، الا ان مشاركة كثير من القوميات في ثمار ذلك لا تزال ضعيفة، وربما يكون لمطابقة تلك الحقيقة بعض ما يحدث هنا في السودان ، اثر في مطالبة الكرسني الحزب الحاكم في اثيوبيا ايضا بتحقيق فيدرالية حقيقية بعيدا عن هيمنة المركزية والعمل بجد لخفض معدلات الفقر، وهي الروشتة التي يرى فيها البروفيسور منجى وحيدا من الصراع واشتعال الاوضاع، لكنه يتوقع مع ذلك صراعا مريرا، ولو بعد حين، في اطار الجبهة الثورية الحاكمة حول السلطة في اديس ابابا.
المعارضة الاثيوبية.. مرحلة ما بعد زيناوي
وهذه القراءات للواقع الاثيوبي المعقد دفعت برئيس الوزراء الكيني ليكون اول المعربين عن قلقهم البالغ من وفاة زيناوي وتأثيره على استقرار اثيوبيا، وقال رايلا أودينجا ، امس، بإن الوضع في إثيوبيا لا يزال هشا وأن العنف الطائفي مازال يمثل تهديدا كبيرا على البلاد. وتشير تصريحات اودينجا الى تزايد فرص عودة عمليات العنف التي اندلعت بعد اعلان فوز تحالف ميليس زيناوي بالانتخابات الاخيرة، فقد اتهم التحالف وزعيمه من المعارضين السياسيين باللجوء إلى القمع لإبقاء قبضتهم على السلطة. ورغم ان تلك الانتخابات وجدت قبولا واعترافا من الغرب، فانها جرت على زيناوي اتهامات من منظمات حقوقية دولية واقليمية بقمع المعارضة واستغلال مخاوف الأمن القومي كذريعة لإسكات شخصيات المعارضة والصحفيين.
ويحسب على الرجل اتخاذ العديد من التدابير الاستبدادية تجاه المواطنين الإثيوبيين، ومنها قانون مكافحة الإرهاب«2009»، وحرمان مناطق بعينها من مشاريع التنمية كعقاب على عدائها لسلطته، فضلا عن استخدام اجراءات استثنائية بحق من توجه لهم تهم الانتماء الى الحركات المعارضة الانفصالية المسلحة مثل حركة الأورومو وجبهة تحرير الأوغادين وجبهة الاتحاد الإسلامى. فهل يمكن أن يشكل غياب زيناوي عن المشهد الاثيوبي فرصة للمعارضة لتصبح أكثر تأثيرا؟، وهل سيتيح رحيل زيناوي فرصة للاثيوبيين لاستعادة الحرية والديمقراطية في بلادهم ، ام ان النظام الذي ارساه الرئيس الراحل سيتمالك نفسه ويستعيد السيطرة على البلاد؟.
كتبت احدى عضوات الجبهة الشعبية الحاكمة في اثيوبيا، معلقة على نبأ وفاة زيناوي على الانترنت « لابد ان نتجاوز الصدمة وان لا نحزن فقط، لا يجب ان نهتم باي شئ غير المقاعد والمال»، وان كانت تلك الاجواء هي السائدة فعلا في اروقة الجبهة الثورية فانها قد لا تكون كذلك في الائتلاف الحاكم، فبعد تدهور صحة زيناوي في بروكسل قالت مصادر ل» الصحافة» بان مسرح الخلافة قد تم ترتيبه في العاصمة الاثيوبية، على صعيد جبهة التقراي وعلى صعيد الجبهة الثورية الحاكمة، لضمان عدم حدوث فراغ في الحكم ينتهز من قبل قوى المعارضة السياسية والمسلحة، وهو ما يتوقع انجازه الباحث منتصر أحمد الزين فهو لا يرى ان غياب زيناوي سيؤثر على التوازنات الداخلية في اثيوبيا بقدر تأثيره على المعادلات التي تحكم العلاقة بين دول الجوار، ويشير منتصر الى ان نظام الجبهة الثورية الحاكم في اديس ابابا يملك من الاوراق الاقليمية ما يجعله في منأي من عبث دول الجوار باستقراره، مرجحا بان تعمد الحكومة الاثيوبية في المرحلة المقبلة على التشديد من عمليات قمعها للمعارضين والصحفيين والناشطين بغية تمرير انتقال سلس للسلطة، واضاف منتصر الزين « نظام اديس ابابا قدم ويقدم خدمات جليلة لاميركا والغرب يصعب تعويضها، ولا اعتقد بانه يمكن التفريط فيه».
محك الخلافة.. مسفن أم ديسيلين؟
كانت التسريبات ابان مرض زيناوي تذهب الى ان الخليفة المحتمل قد يكون مستشار زيناوي للشئون الامنية، وسرت حمى الترشيحات حينها لدى بعض من المراقبين فسموا وزير خارجية اثيوبيا السابق وسفيرها الان في الصين «سيوم مسفن» لذلك المنصب على خلفية موقعه في الجبهة الحاكمة، الا الكاتب والمراقب للشئون الاثيوبية جمال همد قلل حينها من هذه الترشيحات بالاشارة الى ان الرئيس زيناوي كان قد اعلن مسبقا عن عدم عزمه الترشح لدورة جديدة، مما فتح الباب قبل شهور طويلة لترتيب الاوضاع سواء على صعيد الائتلاف الحاكم او جبهة التقراي التي يرأسها، وهو ما لا يترك مجالا للتكهن حول من سيخلف زيناوي لجهة التوازنات التي تحكم علاقات الفصائل التي تشكل الجبهة. وكان حديث همد حينها يحتوى على اشارة خفية بان القادم للخلافة لابد من ان يكون من قومية التقراي كبرى القوميات الاثيوبية. على كلا فان اثيوبيا سمت نائب رئيس وزرائها ديسيلين رئيسا للوزراء بالوكالة. غير ان ذلك لا يعني ضياع فرص مسفن في الوصول لقيادة الجبهة والتحالف الحاكم، وهذا بحسب مصادر سودانية اشارت الى ان الرجل يتمتع بوزن كبير في الجبهة والتحالف، وان ما يتردد عن ابعاده من اديس ابابا ليكون سفيرا لها في بكين، لا يعني اقصاءه من كابينة القيادة في الحزب الحاكم، واعتبرت تلك المصادر بان وزير خارجية اثيوبيا السابق هو المرشح الانسب لخلافة زيناوي في المرحلة المقبلة. وربما يحدث ذلك فالباب سيظل مفتوحا طالما سيسير ديسيلين الوزارة بالوكالة، فقد نقلت وسائل اعلام من اثيوبيا وجود اتجاه بالابقاء على ديسيلين المنحدر من مناطق جنوب اثيوبيا لحين الانتخابات العامة المقررة في «2015»، وربما يكون في ذلك الخيار اخلالا بالتوازنات داخل الجبهة الثورية الحاكمة، حرصا على عدم حدوث صراع على المقعد بين قياداتها من قومية التقراي، الا انه سيشكل بطبيعة الحال اشارة طيبة وان كانت غير مقصودة على حرص الجبهة على تعزيز الوحدة الوطنية. ورغم المخاوف المتنامية خارج اثيوبيا من تأثيرات غياب زيناوي والخشية من اندلاع صراعات على خلافته، فان بعض المراقبين يقللون من الامر بالاشارة الى ان شخصية الخليفة لن تحدث اي تغيير جوهري في السلطة لانه قد تم الاتفاق في اديس ابابا بين المؤسسات الحاكمة على كيفية التعامل مع الثلاثة ملفات تعد الاهم، والاول بحسب جمال همد العلاقات مع السودان، والثاني يختص بكيفية التعاطي مع المعارضة الاثيوبية، والاخير هو « الصومال»، وزاد همد« ولا اعتقد ان رئيس الوزراء السابق كان يحكم لوحده، فغالبا ما تصدر القرارات عن توافق واتفاق».
زيناوي.. مسيرة لافتة
الصحافة ووكالات:
وضع رحيل رئيس الوزراء الاثيوبي صباح امس العالم في مواجهة مخاوفه المضطردة من تأثير غياب زيناوي على الاستقرار في الهضبة الاثيوبية واريتريا وعلى الاوضاع الهشة في منطقة القرن الافريقي، فقد كان ميليس بمثابة الحليف الموثوق به للولايات المتحدة الاميركية وعدد من دول العالم التي تعد من الأكثر نفوذا في تشكيل المشهد الدولي، بخاصة في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب.
والواقع ان رئيس الوزراء الاثيوبي الراحل كان بحق رمانة الميزان في تنفيذ عدد من الخطط والسياسات الموجهة للقارة الافريقية وعلى رأسها خطة تخليص الصومال من جماعة المحاكم الاسلامية المتشددة، ومكافحة الجماعات التي تتهمها واشنطون وحلفائها بدعم ورعاية الارهاب، فضلا عن رؤى وتصورات اممية لمستقبل القارة الافريقية وكيفية معالجة عدد من قضاياها المشتعلة، وقد ظل زيناوي يتلقى المديح من الغرب منذ صعوده على كرسي السلطة في الدولة الامبراطورية عام 1991م، وربما لهذا فقد يصعب تحديد تأثيرات هذا الرحيل وتداعياته بدقة، بخاصة مع تعاظم موجات القلق في العواصم الغربية بعيد رحيله، وفي ظل بقاء مسببات النزاع الدموي بين «اديس ابابا» و»اسمرا» مشتعلة، وخطوط التواصل بين الاولى والقاهرة مقطوعة على خلفية مياه النيل والخلافات حول سدود اثيوبيا المعتزمة، لكن اغلب المراقبين يرجحون ان وفاة زيناوي ستحدث تغييرا كبيرا في إثيوبيا وربما القرن الافريقي والقارة، وستلقي بظلالها على ملفاتها المتشابكة من «اسمرا» الى « القاهرة « وربما مقديشو ، وذلك استنادا على طرائق الزعيم الراحل في ادارة اثيوبيا وخلافاتها وعلى طبيعة التحالف الهش الذي يحكم البلاد وفق ائتلاف ذي طابع اثني اكثر مما هو استراتيجي.
مولده وتعليمه
ولد ميليس يوم 8 مايو 1955 في بلدة أدوا بإقليم تيغراي شمال إثيوبيا لأب من البلدة نفسها وأم من قرية أدي كوالا في إريتريا.
وكان اسمه عند مولده ليغيس قبل أن يبدله إلى ميليس تيمنا بناشط أعدمته الحكومة الشيوعية في 1975 عندما كانت على سدة السلطة بإثيوبيا في ذلك الوقت.
أكمل تعليمه الثانوي في مدرسة الجنرال وينجت العليا بأديس أبابا، ثم درس الطب في جامعة أديس أبابا «التي كانت تُسمى آنذاك جامعة هيلا سيلاسي» لمدة عامين، قبل أن يقطع دراسته في 1975 ليلتحق بجبهة تحرير شعب التيغراي. وحصل ميليس على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة البريطانية المفتوحة عام 1995، وفي يوليو 2002، نال درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة هنام في كوريا الجنوبية، وماجستير العلوم في الاقتصاد من جامعة إيراسموس الهولندية عام 2004م.
وعندما كان عضوا في جبهة تحرير شعب التيغراي أسس رابطة التيغراي الماركسية اللينينية. وكانت جبهة تحرير شعب التيغراي إحدى المجموعات المسلحة الكثيرة التي كانت تحارب ضد حكم المقدم منغيستو هايلي مريام. واستطاع ميليس أن يوسع قاعدة سلطته بتأسيس ائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية للشعب الإثيوبي التي ضمت مجموعات عرقية أخرى إلى جانب التيغراي. وعندما فر منغيستو في مايو 1991 من إثيوبيا متوجها إلى زيمبابوي، دخل ميليس وقوات الجبهة الثورية الديمقراطية العاصمة أديس أبابا ليشكلوا حكومة انتقالية برئاسته ويضعوا نهاية للحرب الأهلية.
سرت شائعات في يونيو الماضي بأن زيناوي يعاني من مرض خطير بعد أن غاب عن مؤتمر قمة للاتحاد الأفريقي انعقد في عاصمة بلاده أديس أبابا،
وإبان توليه رئاسة الحكومة الانتقالية، انفصلت إريتريا عن إثيوبيا عام 1993م، وفي أغسطس 1995 أُعلن قيام جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية.
واعتلت الجبهة الثورية الديمقراطية للشعب الإثيوبي سدة الحكم بعد انتخابات مثيرة للجدل جرت آنذاك، ليصبح ميليس زيناوي على إثرها أول رئيس وزراء لإثيوبيا.
وبين عامي 1998-2000 اندلعت اشتباكات حدودية بين إثيوبيا وإريتريا أسفرت عن مقتل 80 ألف شخص، بحسب وكالة رويترز للأنباء.
وفي مايو 2005 أدلى الإثيوبيون بأصواتهم فيما عُرف وقتها بأنها «أول انتخابات ديمقراطية حقيقية» تشهدها البلاد، حيث حصل التحالف من أجل الوحدة والديمقراطية المعارض على تأييد هائل في المدن والبلدات.
غير أن العنف اندلع في أديس أبابا بعد أن ادعى تحالف المعارضة أن ائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية زوَّر الانتخابات. ولقي 19 مدنيا وسبعة أفراد من الشرطة حتفهم في تلك الاحتجاجات.
وفي ديسمبر 2006، أرسلت إثيوبيا قوات إلى الصومال لطرد الإسلاميين من السلطة. وقال محللون إن زيناوي اتخذ هذه الخطوة بدعم من الولايات المتحدة تتويجا لعلاقات وثيقة سعى لبنائها مع الغرب منذ إطاحته بنظام منغيستو. وقد انسحبت القوات الإثيوبية من الصومال في يناير 2009م.
وفي ديسمبر 2009، مثل ميليس زيناوي القارة الأفريقية في مؤتمر كوبنهاغن للمناخ، مما عزز مكانته ك»زعيم»، رغم الاتهامات التي وجهتها له المعارضة بأنه يتصرف ك»حاكم مستبد».
وفي مايو 2010، اكتسحت الجبهة الثورية الديمقراطية انتخابات البرلمان المكون من 547 مقعدا ليفوز ميليس بولاية رابعة كرئيس للوزراء، وهي الانتخابات التي وصفها مراقبون من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأنها لم ترق للمعايير الدولية، مما حدا بالمعارضة للمطالبة بإعادتها.
وفي أبريل 2011، جاهرت إثيوبيا بدعمها لمتمردي إريتريا الذين يقاتلون للإطاحة بالرئيس أسياس أفورقي. وفي مارس 2012 اعترفت بأن قواتها شنت هجمات على متمردين إثيوبيين داخل الأراضي الإريترية.
وفي يونيو 2012 سرت شائعات بأن زيناوي يعاني من مرض خطير بعد أن غاب عن مؤتمر قمة للاتحاد الأفريقي انعقد في عاصمة بلاده أديس أبابا. وفي 21 أغسطس 2012، أعلن التلفزيون الإثيوبي الرسمي وفاة ميليس بمرض مفاجئ في وقت متأخر من مساء 20 أغسطس.
وميليس زيناوي كان متزوجا من آزب مسفين، وهو أب لثلاثة أطفال. وتترأس زوجته حاليا لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان.
السودان واثيوبيا..
زلزال ميليس
لكن ما مدى اهمية الحفاظ على الاستقرار في اثيوبيا وفي تماسك حكومتها للحكومة السودانية؟ وهل من تأثير للاوضاع هنالك على السودان وقضاياه وابرزها ملف العلاقات مع الجنوب، والمفاوضات التي تحتضنها اديس ابابا منذ اعوام؟
الحكومة السودانية سارعت عبر خارجيتها لتؤكد على استمرار هذه العلاقات وصمودها، وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية العبيد أحمد مروح بان العلاقات السودانية الاثيوبية ستظل قائمة على حسن الجوار بالرغم من رحيل رئيس الوزراء الاثيوبي زيناوي مستبعدا تأجيل المفاوضات حول القضايا العالقة بين الخرطوم وجوبا، بفعل ذلك الرحيل لزيناوي.
وقال مروح ل»الصحافة» امس ان رحيل زيناوي فقد للقارة الافريقية باكملها وحول تأثير الامر على المفاوضات الجارية بين الخرطوم وجوبا قال « لا اعتقد ان اديس ابابا تلعب دور الوسيط المباشر في المفاوضات الجارية مع جنوب السودان الوساطة المباشرة تقوم بها الآلية الافريقية رفيعة المستوى» وتابع « لكن اذا كان هناك دور شخصي كان يقوم به زيناوي بين الخرطوم وجوبا فانه حتما سيتوقف بعد رحيله ولكن تعاون البلدين ودورهما في السلام سيستمر».
واكد المروح ان وزير الخارجية علي كرتي اجرى اتصالا هاتفيا مع نظيره الاثيوبي للاطمئنان على الاوضاع ونقل تعازيه، واضاف « تلقى كرتي تطمينات من الوزير الاثيوبي انه سيتولى منصب رئيس الوزراء وفقا لماينص عليه دستور بلاده». وهذا فيما استبعد وكيل وزارة الخارجية السفير رحمة الله محمد عثمان في تصريح ل»الصحافة» تأجيل المفاوضات الجارية بين السودان وجنوب السودان في اديس ابابا على خلفية وفاة زيناوي ، وقال ان الحكومة الاثيوبية ليست طرفا مباشرا في المحادثات لان الامر بيد الوساطة الافريقية الرفيعة المستوى برئاسة ثابو امبيكي. ويمضي مراقبون في ذات الاتجاه المؤكد على استمرار العلاقات وصمودها، لكنهم يطرحون اكثر من سبب لذلك بلغة تجافي دبلوماسية الحكومة ومنسوبي حزبها الحاكم، فالبرفيسور عوض الكرسني يعود ليقول بوضوح ان العلاقات بين البلدين ستستمر كما هي ذلك لان اي تحرك اثيوبي لدعم اعداء الحكومة او دولة الجنوب سيجابهه رد مماثل، ويتابع الكرسني موضحا :السودان يملك الرد وتجربة دعمه لاريتريا والجبهة الثورية في اثيوبيا عام «1991» كانت مفصلية في سقوط نظام «الدرك» في اديس ابابا. غير ان البروفيسور يستدرك ليورد ايضا عوامل اخرى ذات صلة،ومنها العلاقات الاقتصادية وتجارة الحدود والتسهيلات الممنوحة على جانبي الحدود، الا ان الكرسني يعترف بان غياب زيناوي تحديدا سيؤثر على الدور الاثيوبي في ملفات السودان ومنها المفاوضات مع الجنوب، ثم يزيد « ميليس كان احد حكماء القارة .. لكن تلك المفاوضات ستستمر!».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.