رحل عنا في يوم الخميس 6/9/2012م أحد عظماء السودان... د. حسن الوديع عبد الله السنوسي... ولأننا في زمن رديء يُحتقَر فيه العظماء ويُحتَرم فيه الجهلاء والصعاليك واللصوص والمرابون فقد مر رحيل الوديع وكأن شيئاً لم يحدث... الوديع كان ثائراً من ثوار أكتوبر 1964م... خرجت المظاهرة من المبنى الرئيسي لجامعة الخرطوم متجهةً غرباً بشارع الجامعة نحو القصر الجمهوري وكان الطالب الجامعي الوديع كعادته في مقدمة المظاهرة وكنا نحن طلاب الثانويات بالخرطوم نتجه في مظاهرة متزامنة نحو القصر من جهة الجنوب بشارع القصر ولم يكن هناك أي وجود للشرطة ولم ينتبه أحد إلى أن جنود الحرس الجمهوري كانوا يختبئون خلف السور الجنوبي للقصر ويوجهون فوهات أسلحتهم عبر السياج الحديدي دون أن يراهم أحد... وعندما أصبحت مقدمة مظاهرة جامعة الخرطوم أمام سور القصر انطلق الرصاص الحي بكثافة من داخل القصر الجمهوري وارتفعت الأصوات تأمرنا بالانبطاح على الأرض... ما هي إلا لحظات وكان ميدان الشهداء قد تحول إلى بركة دماء ولا أحد يعرف هل هو المصاب أم الذي بجواره... كان الوديع أحد المصابين... تجمعت السيارات الخاصة وسيارات التاكسي التي كانت تمر بشارع الجمهورية والقصر وحملت المصابين إلى مستشفى الخرطوم...كانت إصابة الوديع قوية فأثرت على حركة ساقه. مرت السنوات وظل الوديع متميزاً أكاديمياً وسياسياً وأصبح أستاذاً بكلية الاقتصاد وعشنا سوياً في بداية السبعينات بألمانيا الديمقراطية بجامعة العلوم الاقتصادية ببرلين - كارليسهورست عندما كان في مرحلة إعداد الدكتوراة وكنت في مرحلة إعداد الماجستير. وأقولها للتاريخ إن الوديع يعتبر من أميز أساتذة الاقتصاد في السودان فهو باحث جاد وصبور في العلوم الاقتصادية... كما أنه رجل شفاف ونقي بمستوى مثالي لا يكذب مع نفسه ولا مع الآخرين... وهذه السمة العظيمة سببت له العديد من المتاعب لأنه لا يعرف النفاق وخداع النفس والآخرين... فصل من جامعة الخرطوم لأسباب سياسية... واستقال من جامعة أمدرمان الأهلية لأنه فشل في التعامل مع واقع معوج يراه الآخرون مستقيماً ويتعاملون معه بنظرية "وانا مالي"... كان يحب التعمق في اللغة الانجليزية وفي اللغة العربية ودفعه هذا للحصول على ماجستير في الترجمة خلال السنوات الماضية... وللذين لا يعلمون فالوديع شاعر له قصائد وطنية رصينة. كان الوديع دائماً ساخطاً وحزيناً وغاضباً على وطن ظل يسير الى الخلف في كل المجالات... لذلك كان لا يتردد في المشاركة في إشعال شمعة أمل... فعندما اندلعت أحداث الجامعة الأهلية في عام 2005م وحرقت الجامعة وتكونت الهيئة الشعبية لنصرة الجامعة الأهلية كان في مقدمتها يدافع عن حقوق الطلاب وحقوق الأساتذة ويرفض التدخل الإرهابي في شؤون الجامعة بالرغم من أنه كان أحد أساتذة الجامعة... عاش الوديع عظيماً ومات عظيماً شامخاً شموخ هذا الوطن الذي حتماً سيأتي اليوم الذي يُكَرَّم فيه عظماؤه. أدعو الله سبحانه وتعالى أن يرحم ويغفر للدكتور/ حسن الوديع عبد الله السنوسي مع التعازي الحارة لزوجته وأبنائه وأخوته وزملائه وأصدقائه وطلابه.