اشتعلت الخرطوم ظهر أمس بعد صلاة الجمعة غضبا وغلت شوارعها بهدير عالٍ احتجاجا على الإساءة البالغة التي وجهها الغرب الفاجر من خلال الفيلم الأمريكي المسييء للرسول صلى الله عليه وسلم، وتبعت الخرطوم في ذلك العواصم العربية والإسلامية التي غلت شوارعها وزمجرت جماهيرها وانتفضت جموعها أمام سفارات ألمانيا التي أعادت الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وسفارة الولاياتالمتحدة التي سمحت بعرض الفيلم المسييء. خطيب مسجد الخرطوم الكبير خصص خطبة الجمعة عن هذه الإساءات المتكررة من الغرب الفاجر، ولخص بصورة سريعة ما حدث الأسبوع الماضي في كل من الولاياتالمتحدةوألمانيا، ونعى على الأنظمة الغربية عدوانها السافر على شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم متشدقين بحرية التعبير في الوقت الذي لا يستطيعون فيه تناول المحرقة أو الترويج مرة أخرى للنازية مثلا. وعزا خطيب الجمعة هذا الحقد على الإسلام وشخصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى أسباب منها الدخول الكبير في دين الله أفواجا من قِبل الغربيين في أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية، ثم الهزيمة العسكرية والسياسية التي طالت الولاياتالمتحدة وحلفاءها الغربيين في كل من العراق وأفغانستان. ثم دعا المصلين جميعهم للخروج إلى سفارتي ألمانياوالولاياتالمتحدة احتجاجا على هذه الإساءات، وقد ضرب أمثلة من السيرة توضح كيف أن الصحابة كبارهم وصغارهم ونساؤهم ورجالهم كانوا يذودون عن الرسول الكريم«صلى الله عليه وسلم». في ساحة الإمام مالك بمسجد الخرطوم الكبير احتشد ألوف المصلين بشعاراتهم والصوفية براياتهم وأزيائهم المميزة وطبولهم الداوية والحناجر كلها تهتف بنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والنفوس تفيض بحبه صلى الله عليه وسلم، وبعد كلمات قليلة في ساحة الإمام مالك تحدث فيها ممثلون للطرق الصوفية والتيار السلفي واتحاد الشباب الوطني وهيئة علماء السودان، وطالب المتحدثون بطرد السفيرين الأمريكي والألماني، كما طالبوا الحكومة الأمريكية بتسليمهم المجرمين الذين اشتركوا في الفيلم المسييء، بعدها تحركت جموع المصلين الغفيرة إلى شارع البلدية مقر السفارة الألمانية، ومعظم الناس كانوا راجلين إلا أن بصات الولاية ساهمت بقدر كبير في حمل من أراد إلى مقر السفارة الألمانية بالخرطوم خاصة النساء وكبار السن. في مقر السفارة الألمانية بالخرطوم احتشدت الجموع الغاضبة أمام السفارة، واستطاع شابان تسلق سور السفارة وإنزال العلم الألماني من السارية، كما انتزع بعض الشباب لافتة السفارة من البوابة الرئيسية وساروا بها في المسيرة، إلا أن الشرطة المرابطة بقواتها أمام السفارة قامت بإطلاق الغاز المسيل للدموع بكثافة مما أدى إلى تراجع الكثيرين إلى الشوارع الفرعية، وقد رأيت بعض النسوة غاضبات من مسلك الشرطة هذا، كما أدى الغاز المسيل للدموع إلى إلحاق الأذى بالمواطنين العزل، وقد رأيت الطفل أحمد ذا الاثنى عشر عاما يركض وعيناه تسيلان بالدموع وكاد أن يخنتق مع سعال حاد، إلا أنه أصر على مواصلة السير في المسيرة بل والسير مع جموع المحتجين إلى مقر السفارة الأمريكية بسوبا. في ضاحية سوبا كانت جموع الشرطة تغلق الشوارع المؤدية إلى السفارة الأمريكية بكثافة ولم تسمح للمحتجين بالوصول إلى باب أو أسوار السفارة، وقامت الشرطة دون مبرر بإطلاق غاز كثيف مسيل للدموع على الأفواج الأولى التي وصلت مقر السفارة مما أدى إلى تفرقها أول الأمر، لكن مع وصول أفواج أخرى كثيفة حدثت مواجهات بين الشرطة والمواطنين المحتجين، وقد رأيت بعيني مواطنا يسيل الدم من كل جسمه منقولا على عربة للإسعاف، كما رأيت جموعا أخرى مستلقية تحت أشجار المزارع القريبة من السفارة ويتولى البعض العناية بها من أثر الغاز المسيل للدموع بل رأيت نساءً وأطفالاً يركضون وهم يضعون أيديهم على وجوههم وأعينهم تسيل من الدمع مما وجدوا من الغاز المؤذي. وقد أخبرني الأستاذ عبد الناصر محمود أن ثلاثة من المواطنين قد قضوا نحبهم. نامت الخرطوم بالأمس ليلة حزينة لعدة أسباب منها الوفيات التي حدثت بلا مبرر أثناء المسيرة السلمية، ومنها أن المواطنين غاضبون من الطريقة التي تعاملت بها الشرطة معهم، ومنها أن المناسبة لم تكن تستدعي كل هذه الدماء، وإن وجدت دماء كان البعض يحبذها من الجانب الآخر مثلما حدث في بنغازي...يظل المصطفى صلى الله عليه وسلم حيا في قلوب المسلمين الذين لا يرضون أن يصيبه أى أذى من الغرب الفاجر، ويظل بعض الغرب عبثا يحاول النيل من الإسلام عن طريق النيل من رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، وهو طريق العاجزين الفارغين عديمي الحجة والمنطق... ودمت كريما بعيدا عن الأذى وتطاول الكفرة الفجرة سيدي رسول الله صلى الله عليك وعلى آلك وصحبك وسلم تسليما كثيرا.