المتتبع للأوضاع الانسانية فى المنطقتين جنوب كردفان والنيل الازرق يجدها غارقة فى دائرة الشكوك والهواجس، فالاتهامات الدولية الأخيرة للسودان بالتباطؤ فى تنفيذ الاتفاق الاطارى فى المسار الانسانى تؤكد تلك النذر، السؤال الذى يطرح نفسه بقوة هل يمكن تنفيذ الاتفاق الانسانى في ظل المعطيات الماثلة ويليه السؤال حول ماهى الحلول والمعالجات لانهاء تلك الأزمة؟ جاء مجلس الأمن الدولى بالقرار 2046 حلا لأزمة المنطقتين فى المسارات الثلاثة «السياسى ،الأمنى ،الانسانى»، ورغم تحفظاتها وقعت الحكومة مبادرة فى المسار الانسانى مع الآلية الثلاثية «الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقى وجامعة الدول العربية» وفق المبادى «التسعة»، فيما وقعت الآلية نفسها اتفاقا آخر مع «قطاع الشمال « وقد استهجن سياسيون خطوة الآلية الأخيرة واعتبروها بمثابة «خرق للسيادة الوطنية « الا ان الاتفاق نفسه ظل منذ التوقيع عليه فى الأول والثانى من أغسطس الماضى مسار شك، انقضت 50 يوما تقريبا خصما على الفترة الزمنية المحددة 90 يوما لتنفيذ توصيل المعينات الانسانية للمتأثرين من المواطنين فى مناطق سيطرة الحركة فى كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق ولازال الاتفاق يراوح مكانه، الا أن رئيس الجانب الحكومى الدكتور سليمان عبدالرحمن رفض فى اتصال هاتفى مع «الصحافة» استخدام العبارة بهذا الشكل، مؤكدا استمرارية الحكومة فى تنفيذ الاتفاق، الا ان العملية نفسها ووجهت بسيل من الاتهامات الدولية فقد اتهمت سفيرة أمريكا بالأممالمتحدة سوزان رايس الحكومة السودانية بالتباطؤ فى تنفيذ الاتفاق مطالبة مجلس الأمن الدولى معاقبته، الا ان الحكومة نفت الاتهامات، ويقول رئيس الوفد الحكومى الموقع على اتفاق المسار الانسانى بان الحكومة حريصة وجادة فى تنفيذ الاتفاق وتوصيل المساعدات الانسانية لكل مستحقيها داخل حدود دولة السودان وفقا للمبادئ التسعة المتفق عليها مع الشركاء فى انفاذ مذكرة التفاهم ،مؤكدا بأن الحكومة أوفت بكل مطلوباتها فى المذكرة حتى تاريخه. ولكن ماهى الخطوات العملية لتطبيق الاتفاق ؟ يقول السفير صلاح حليمة الذي برأ الحكومة من التباطؤ «اتفقنا على سلسلة من الخطوات ونأمل بأن يكون اجتماع اللجنة الفنية المقبل نهائيا لتنفيذ المبادرة على أرض الواقع»، وابان رئيس الجانب الحكومى، لأول مرة يكتمل حضور ممثلي الشركاء والفريق الفنى المشترك، مشيرا الى أن الاجتماع الفنى المذكور لوضع الترتيبات الفنية المرتبطة بحصر الاعداد والاتفاق حول المتأثرين وأماكن تواجدهم وترتيباتهم ، واجازة خطة المسح من ثم الدخول فى خطة توزيع المساعدات. الا ان المتمردين متمسكون بالاحصائية التى أعلنتها منظمات أجنبية ويقولون ان أكثر من «500» ألف مواطن فى مناطق سيطرتهم فى كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق فضلا عن «250» من اللاجئين بكل من دولة الجنوب وأثيوبيا ، فيما تشير الأممالمتحدة أن عدد المتأثرين بالحرب فى المنطقتين أكثر من 650 ألف شخص ،ويقول منسق الاممالمتحدة للشؤون الانسانية بالسودان مارك كتس التقديرات الاولية تشير الى 520 ألف شخص جنوب كردفان و145 ألفا من المتأثرين بالحرب في النيل الازرق ،الا أن الحكومة من جانبها شككت فى هذه الأرقام وتقول بأنها لم تجر مسحا حتى الآن فى مناطق سيطرة الحركة ،ولا تعترف بأى مسح لم تشارك فيه ، وكشف سليمان عبد الرحمن بأن الاجتماع المشار اليه سيخضع الورقة التى تقدم بها المتمردون والتى شملت مناطق من ضمنها العباسية ورشاد وأخرى وهى تحت سيطرة الحكومة بكاملها ، الا أن سليمان قال ل«الصحافة» منطق احصاءات الحكومة ان العدد المطلوب تقديم المساعدات له فى مناطق سيطرة التمرد فى جنوب كردفان لا يتجاوز 40 - 50 ألف شخص ،واثبت صحة ماذهب اليه بناء على الاحصاء السكانى والاحصائية التى تقدم بها المتمردون أنفسهم بأن المواطنين فى مناطق سيطرتهم 350 ألف شخص ، وأبان سليمان أن احصائيات الأممالمتحدة أثبتت أن 170 ألف شخص نزحوا لدولة الجنوب من جنوب كردفان فضلا عن 130 ألف شخص لجأوا لمناطق سيطرة الحكومة وهم لا زالوا يتلقون معيناتهم الانسانية باستمرار ،وبعملية حسابية بسيطة تؤكد بأن العدد المطلوب اغاثته فى جنوب كردفان لا يتجاوز 40 ألف شخص أما فى النيل الأزرق قال رئيس الجانب الحكومى ان العدد لا يتجاوز15 ألف شخص فى ثلاث مناطق هى «يابوس ،سالى ،ودكة « فيما انضم 77 ألف شخص من النيل الأزرق الى مناطق سيطرة الحكومة. اذا وفق هذه المعطيات هل يمكن تنفيذ اتفاق المسار الانسانى على واقع الأرض ؟ تشير المؤشرات صراحة الى اتهامات متبادلة بين الأطراف «الحكومة ،الآلية ،المتمردين » وتؤكد بأن هنالك خرقا فى بنود الاتفاق كما أشارت اليه الحكومة ،الا أن خبراء فى الشأن الانسانى يقولون انه مجرد توقيع الآلية اتفاقين منفصلين يعد بمثابة خرق للمبادئ التسعة واعتبرت ذلك «انتقاصا من السيادة الوطنية « ، ويقول ل«الصحافة» الناشط فى المجال الانساني الدكتور الباقر العفيف الاتفاق نفسه «ضعيف» وانهزم أمام أول تجربة عملية بسبب «بيروقراطية الاجراءات « ويعتقد الناشط انها عملية «تكتيك» من قبل الحكومة وعاد ليقول الأمور غير مبشرة وانا «غير متفائل» فيما يقول الناشط حافظ اسماعيل ل«الصحافة» هنالك خلافات جوهرية بين قطاع الشمال والحكومة على واقع الأرض فالحكومة تتهم الحركة بأنها تريد استغلال الظرف لتمويل جيشها بينما الحركة ترى ان الحكومة تنوي التجسس عليها، ويعتقد بان الأزمة ستستمر دون احراز تقدم ويقول ان ما يجرى فى أديس أبابا من سجال يؤكد بأن الأوضاع ستتأزم ولن تصل المفاوضات لحل عملى، ويقول ان ذلك مرده لعدم الثقة بين الجانبين.