تعتبر افريقيا القارة المسلمة بين قارات العالم، فالغالبية العظمى من سكانها الاصليين يتبعون الإسلام وتذكر الاحصائيات انهم يزيدون عن 57% من سكان هذه القارة اما غير المسلمين بها فمنهم من لا يزال يتبع المعتقدات القديمة الساذجة، ومنهم من لا يدين بالاعتقاد، ومنهم من جذبته المسيحية اليها، ومنهم البيض الغاضبون الذين وطنهم الاستعمار وسلمهم النفوذ والسلطان في بعض المناطق. ولم يقف حاجز ما بافريقيا امام زحف الإسلام فقد انتشر بالشمال في وقت مبكر، ثم تخطى الصحراء وزحف خلفها، وعبر من الجزيرة العربية للساحل الشرقي وتخطى هذا الساحل الى المناطق الداخلية الى كينيا وتينجانيقا واقتحم نطاق الغابات في قلب افريقيا، ونفذ الى هضبة البحيرات، وتدفق الى الهضبة الحبشية، وانتشر على طول الساحل الغربي، ودخل جنوب افريقيا مع المهاجرين المسلمين من سكان شبه القارة الهندية وماليزيا، ولا زال ينتشر حتى اليوم الى آفاق جديدة وقد استغرق انتشاره وقتاً طويلاً يزيد «على عشرة قرون». ٭ رابح الزبير: كان رابح الزبير بطلا سودانياً.. مقاتلاً جسوراً واحد من منظومة انتشار الإسلام في غرب افريقيا.. نشر الإسلام بين القبائل وكون امبراطورية إسلامية عريضة ممتدة ذهبت ابعد من دولة تشاد، ولد رابح بن فضل الله عام 5481 في حلفاية الملوك شرق النيل، مدينة بحري، وعندما بلغ العشرين من عمره سافر الى القاهرة، والتحق بجيش الخديوي اسماعيل، حيث تدرب على مهنة حمل السلاح، وقد اصيب في اثناء مناورة عسكرية في يده اليمنى فشوهت له هذه الحادثة الاصبع البنصر وجاء الاصلاح العسكري بابعاده من الجيش المصري، فاضطر للعودة الى بلاده فكان والده قد توفى قبل ان يغادر القاهرة. ٭ راجع:A history of islam in west Africa في العام 0781 ضم الزبير باشا رحمة رابحاً الى خدمته، وفي العام 3781 فتح الزبير دارفور فرقي الى رتبة «باشا» وعين حاكماً على بحر الغزال ولكن لم يمض وقتا طويل حتى ثارت بينه وبين «اسماعيل ايوب» حاكم عام السودان خلافات خطيرة استدعيا على اثرها الى القاهرة في عام 5781م فطلب الخديوي منهما البقاء بالقاهرة وظل سليمان بن الزبير ممثلاً لوالده في املاكه واتباعه من الرجال.. وصل غردون باشا الى السودان خلفاً لاسماعيل ايوب ومنح سليمان الزبير لقب «بك» وعينه حاكم بحر الغزال ولكن تآمر عليه الرجال الذين كانوا في خدمة والده، ووشوا به الى الحاكم غردون فتقرر عزله.. فاتهم سليمان الحكومة بالظلم وتمرد عليها في العام 8781م.. عين غردون الايطالي «رومولوجسي» لقيادة حملة ضد سليمان الزبير حيث استسلم الاخير بعد اتفاق تم بينهم.. في حين رفض رابح بصفته احد القادة العسكريين وصديق الزبير الحميم فكرة الاستسلام وحذر سليمان من العواقب، وعندما لم يستجب لرأيه، انفصل عنه واتجه بانصاره نحو «الجنوب الغربي».. وقتل سليمان ومن معه من القادة بعد الاستسلام في 51/7/9781 دون محاكمة. راجع: Redisco Lerx of Ancient Africa وخرج رابح من ديم الزبير تبعه حوالي ألف رجل وكان معهم «004» بندقية.. غادر السودان في يوليو 9781م الى بلاد «بندة» حيث اقام فيها حتى عام 0881م ثم عاد الى جنوب دارفور حيث قرر القادة والرؤساء اعطاء لقب امير لرابح.. وفي عام 1881 حارب سلاطين دار رفاى وهزمهم وفي العام 4881م قام رابح بهجوم على دار كوتي ودار رونقة ثم اقام في «شا» وفي ذلك الوقت كانت هذه المناطق تابعة لمملكة وداى ويديرها العجوز كبرو بن عمر وقد قام جيش رابح بعدة غارات في المنطقة الواقعة بين سلامات واوبلنجي ومن ثم توجه رابح بجيشه الى بحيرة «ايرو» ومارس نشاطه في بلاد الجنوب وعلى الاخص في دار سارا وفي تلك الفترة بعث اليه محمد أحمد المهدي يدعوه للانضمام الى صفوف الحركة المهدية.. لبى رابح الدعوة وبدأ يتحرك بقواته نحو السودان غير انه ما كاد يبلغ حدود دارفور الجنوبية حتى بلغه خبر وفاة المهدي في 22 يونيو 5881 وتولي عبد الله التعايشي الخلافة عندئذ توقف رابح عن السير وقرر الرجوع الى دار كوتي وهذا امر طبيعي من الناحية السياسية - ولم يتصل به الخليفة التعايشي ويعتبر رابح من المتمسكين بمبادئ الحركة المهدية الامر الذي ادى الى انتشار «راتب المهدي بين انصاره في بداية الفتح لدولة تشاد»، ايضا كان قد اختار راية المهدية لجيشه «مطرزة» ومستوحاة من نموذج الراية المهدية «لون اخضر واسود عليه اسم الجلالة». قفل رابح عائدا الى الغرب بعد اخبار وفاة المهدي ليكمل تكوين امبراطورية إسلامية مستقلة بهذه البقاع فمكن لنفسه في «واداى» ثم اندفع الى «باجرمي» وكان ذلك 3981م فتح له بها طريقا الى «برتو» حول بحيرة تشاد. واستلزم ذلك ان يحتل بلدة «مانهايا» واكتفى رابح بهذه المنطقة من باجرمي ليواصل عن طريقها سيره الى برنو، وكان يحكمها سلطان يدعي هاشم، وقد دار صراع عنيف بين جيش برنو يقوده «خياري» ابن اخت السلطان وبين جيش رابح. وبعد قتال عنيف تمكن رابح من احراز نصر، واصبح لرابح بذلك «امبراطورية إسلامية» واسعة تمتد من دارفور التي احتلها قبل سقوط الخرطوم، ومشتملة علي وداي وبعض باجرمي حتى منطقة برنو واتخذ رابح مدينة «دكوة» عاصمة لهذا الملك الكبير.. اسس فيها ملكا عظيما جنوبي بحيرة تشاد، الى ان دخلت برنو هذه في نطاق «نفوذ الفرنسيين» فجردوا عليه جيوشهم، ولكنه كان ما يزال القائد الذي سار من نصر الى نصر فهزم هذه الجيوش في اكثر من معركة دامية.. راجع: The Rise of french imperialism في العام 7981م اقتحم باجرمي واحتلها، واتسع بذلك ملك رابح، ولكن هذا الاتساع اوقفه الفرنسيون الذين كانوا يطمعون في هذه المناطق. دار صراع عنيف بين رابح من جهة والفرنسيين من جهة اخرى وفي حوالي الساعة السابعة والنصف من صباح «21» ابريل 0091 هجم الفرنسيون بقيادة العميدين قورو، ولامي، بقوة عسكرية قدمت من الجزائر على معسكر رابح بعد ان علمت انه يشكل عماد القوة المعنوية لجيشه في الميدان.. واصيب رابح بكسر في رجله فالتف حوله الرجال لحمايته، وانتهز الفرنسيون الفرصة وانهالوا عليهم بالرصاص، فقتل رابح، وسقط بجانبه عدد كبير من قواده وفي هذه المعركة الفاصلة سقط قائد القوات الفرنسية فورت لامي، ورابح معا.. انهزم جيش رابح بعد صراع مرير، وقد حاول ابنه من بعده فضل الله بن رابح ان يحمل اللواء بعد ابيه، ولكن اسلحة الغرب كانت اقوى منه فخر في الميدان في 2 مايو 1591م. وهكذا سقطت مملكة رابح بعد فترة مليئة بالاحداث دامت سبع سنوات من 9 مايو 3981م الى 22 أبريل 0091م. وقد تحقق للفرنسيين بموت رابح «القادم من حلفاية الملوك مولداً ونشأةً» تحققت لهم مكاسب كبيرة واهداف بربط مستعمراتهم في شمال افريقيا وغربها بافريقيا الاستوائية.