إن أحداث الجمعة 14/9/2012م لها دلالات عديدة ودروس مستفادة ألخص أهمها في ما يلي: أولاً: لوحظ أن معظم المتظاهرين الذين تعرضوا لمباني السفارات قد كانوا من الشباب، وأنهم كانوا في حالة هياج وانفعال جنوني غير واعٍ، وكان يمكن أن يتطور الأمر إلى أكثر مما حدث لولا جهود رجال الشرطة.. وهذا الهياج في تقديري ناتج عن الشحن الديني المتواصل لعقول الشباب الذي يصدر من قبل بعض أئمة المساجد وبعض القنوات الفضائية الدينية وبعض قادة الأحزاب والتنظيمات والجماعات الإسلامية، بل ومن بعض قادة الدولة.. ومضمون هذا الشحن الديني هو العداء المطلق للغرب الأوروبي والأمريكي، والنظر إلى تلك الدول كأنها كتلة واحدة معادية للإسلام والمسلمين.. ومن المدهش أن نفس هؤلاء الذين يمارسون الشحن الديني يومياً قد حدثونا بعد الأحداث عن العقلانية والتظاهر السلمي وغير ذلك. لذلك علينا أن نضبط الخطاب الديني لكي لا تتكرر مثل هذه الأحداث، وأن نوضح للشباب أن الغرب الأوروبي والأمريكي فيه المسلم وفيه المسيحي وفيه اليهودي المعتدل وفيه أيضاً المتطرف دينياً، وأن الحكومات ليس لها حق التدخل في جميع سلوكيات الأفراد والجماعات، كما هو الحال في دولنا، لما لديهم من قيم سياسية مختلفة تعظم من الحريات، وحتى إذا حدث تدخل الدولة فيجب أن يتم عبر الدساتير والقوانين.. لذلك هذا العداء المطلق للغرب الأوروبي والأمريكي هو توجه غير صحيح يجب تعديله في ذهن الشباب. ثانياً: إن ما حدث قد أشار إلى خلل أمني في حماية البعثات الدبلوماسية الأجنبية، الأمر الذي يسبب الكثير من الحرج الدبلوماسي للدولة السودانية، ويضعها في موضع خرق القوانين الدولية التي تلزم الدولة بحماية ممتلكات ورعايا البعثات الدبلوماسية.. لذلك أعتقد أنه يجب البدء فوراً في بلورة فكرة الحي الدبلوماسي بعيداً عن وسط العاصمة.. فهناك الآن العديد من السفارات داخل الأحياء السكنية وبحراسة تقليدية عادية، ولا أحد يدري ماذا سيحدث غداً وأي السفارات ستكون مستهدفة.. وفكرة الحي الدبلوماسي المغلق على جميع مقار البعثات الدبلوماسية من سفارات وقنصليات وملحقيات وسكن لرؤساء البعثات يضمن تطبيق أقصى درجات الحماية الأمنية لمحدودية المكان، ويوفر اقتصادياً لقوات الشرطة كثيراً من المال، فهناك الآن العديد من الأفراد والسيارات والأسلحة المبعثرة في جميع أنحاء العاصمة القومية.. ويمكن مثلاً تخصيص منطقة محصنة أمنياً بمساحة كبيرة، وتُمَلَّك الأراضي للبعثات الدبلوماسية وفق مبدأ المعاملة بالمثل، مع التزام الدولة السودانية بتوفير جميع الخدمات من طرق وصرف صحي وكهرباء، ومنح البعثات الدبلوماسية الأجنبية فترة خمس سنوات مثلاً لتشييد مقارها والانتقال إليها.. ويمكن الاستفادة من التجربة السعودية في هذا المجال، حيث طبقت هذه الفكرة في مدينة الرياض وحققت للبعثات الدبلوماسية المعتمدة بالسعودية درجة عالية من الأمن خلال العقدين الماضيين، بالرغم من موجات العنف الإرهابي التي ضربت السعودية خلال نفس الفترة. إن ما حدث يوم الجمعة 14/9/2012م بكل المعايير هو أمر خطير يجب النظر إليه بعمق سياسياً ودبلوماسياً وأمنياً.