شغب الملاعب في الساحات الرياضية السودانية ليس جديدا فقد ظهر منذ عقود وفي مختلف الملاعب الرياضية وهو نتيجة للتعصب الاعمى للفرق الرياضية سواء تلك المنظمة التي تنضوى تحت لواء الاتحادات الرياضية المختلفة أو فرق القرى او الاحياء أو حتى منافسات الدورات المدرسية ومنافسات الكليات بالجامعات , وفي تلك المنافسات أو المباريات كم جرت احداث عنف بين جماهير الفريقين أو حتى بين لاعبي الفريقين وفي بعض المرات يكون الضحية حكم المباراة الذي لا يتمتع بالسرعة المطلوبة في مثل تلك المواقف فحتما سينال علقة ساخنة من الجماهير الغاضبة وكم شهدت الساحات مثل تلك الاحداث في السابق كان التعصب هو السبب الوحيد الذي يقود الي الانفلات والذي ينتهي سريعا ولا يخلف اضرارا بالغة ولكن في السنوات الاخيرة أصبح الامر غير واخذ منحى خطيرا في ملاعبنا والتي كانت تتميز على الملاعب بدول العالم المختلفة بمثالية التشجيع فيها وكان يحكم الجميع الوازع الديني والاخلاقي حيث كان الرياضيون يأتون الي دور الرياضة بغرض الترويح والاستمتاع بالاداء الجميل خصوصا في كرة القدم اللعبة الشعبية الاولى ونتيجة للسلوك القويم اصبح الرياضيون مضرب المثل للفئات الاخرى (خليك رياضي) (بين ليلة وضحاها) انقلب حال الرياضيين في السودان وأصبح العنف والشغب ملازما لمعظم مباريات كرة القدم على وجه الخصوص وفي السنوات الاخيرة أخذ الامر في الازدياد وبلغ ذروته في المباراتين الاخيرتين للقمة السودانية الهلال والمريخ، ففي مباراة كأس الاتحاد الافريقي التي جمعت الفريقين باستاد الهلال حطمت بعض جماهير المريخ عددا كبيرا من كراسي استاد الهلال وكذلك جزءا من سياج الملعب وبعد أقل من شهر من المباراة وفي الدوري الممتاز تجدد لقاء الفريقين باستاد المريخ لترد جماهير الهلال الصاع صاعين وتتلف عددا كبيرا من كراسي استاد المريخ. (الصحافة) تحدثت الي الخبير الرياضي والامين العام للاتحاد السوداني لكرة القدم الدكتور حسن ابوجبل وسألته عن ظاهرة شغب الملاعب وقال انني وعقب عودتي من الاغتراب وشغلي لمنصب الامين العام وبعد حدوث انفلات وسلوك غير سوي في بعض مباريات كرة القدم قدمت ورقة علمية في العام 2009 حول هذه الظاهرة (شغب الملاعب) ونشرت هذه الورقة في مجلة الامانة العامة بمجلس الوزراء وألخص لكم منها الاتي : الرياضة هي نشاط حيوي ذات الابعاد الاجتماعية والتربوية وتوسعت ليكون لها بعد ثقافي واصبحت الرياضة ببرامجها وخططها العلمية بكافة ضروبها حتى اصبحت الوجه الحضاري لكل دولة تسهم الرياضة والي حد بعيد في تقييمه وابرازه تجاه سائر الدول الا أنه وعلى الرغم من هذا الارتقاء الكبير والنهج العلمي الذي سخر للنهوض بها وتطوير قواعدها الفنية والتنظيمية من خلال القوانين واللوائح المنظمة لها لا تزال الرياضة مجالا غنيا للعديد من التصرفات المنافية لطبيعتها والبعيدة كل البعد عن أخلاقياتها التي تدور حول مفهوم المنافسة الشريفة وايضا عن الوجه الحضاري للدول التي تمثلها , هذه التصرفات هي التي تدور في فلك شغب الملاعب أنه الظاهرة المتمثلة بردود الفعل المتخذة لاشكال مختلفة والناتجة عن أسباب بعضها قد يكون آنيا مرتبطا بعدم الرضا عن سير المجريات التي تحدث في أطار اللعبة وبعضها الاخر قد يكون مرتبطا بخلفيات تربوية / اجتماعية واقتصادية وغيرها وقال أبوجبل أن من اسباب ظاهرة شغب الملاعب هو أنعدام المعرفة الحقيقية والتامة بطبيعة الرياضة واهدافها نتيجة للتقليل من أهميتها واعتبار أهدافها تقف فقط عند حدود التسلية والترويح عن النفس _ انخفاض المستوى الاكاديمي والثقافي لدى مثيري الشغب _ الاسباب الاقتصادية الناتجة عن تردي مستوى المعيشة وتفشي البطالة بين الشباب وهم الشريحة الاكبر من جماهير الرياضة مما يولد لديهم شعور بالاستياء يكون سببا مساعدا للاعمال التي يأتونها ويعتبرونها منفذا لما يشعرون به _ تناول المواد المخدرة والمشروبات الكحولية المؤدية الي فقدان الشخص لتوازنه وعدم قدرته على التحكم بما يطلقه من ألفاظ أو ما يقوم به من أفعال - سوء سلوك بعض الاداريين واللاعبين وهم الذين يفترض ان يكونوا المثال الحي للروح الرياضية العالية وبتصرفهم يمكنهم المساهمة بشكل كبير في انفعالات مشجعيهم أو اثارتها بالشكل الذي يحيد عن التصرف الخلقي السليم وتابع ابوجبل أن مما يساعد على الشغب هو عدم مطابقة ملاعبنا على الحد الادنى من مواصفات الامن والسلامة التي يجب أن تتمتع بها حتى تحد من هذه الظاهرة واشار ابوجبل الي ان الحلول العاجلة للقضاء على هذه الظاهرة تتمثل في ايجاد وسيلة للاتصال المباشر بين القيمين على اللعبة من اتحادات واندية وبين المتابعين لها من جمهور وأجهزة اعلامية عبر تنظيم ندوات للتعريف بحقيقة اللعبة واهدافها واهمية دور الجمهور البناء والمؤثر والذي يعكس الصورة الحضارية لدولته بشكل عام والمستوى الثقافي لشعبها ودور الوسائل الاعلامية والامانة التي تفرضها عليها الادبيات المهنية وقيام الجهات المعنية بالكشف الدقيق على المنشات الرياضية ليكون قرارها بمدى قابلية هذه المنشات لاستقبال مباريات وبطولات. الرياضي المطبوع والمشجع المعروف كمال آفرو والذي يطلق عليه الرياضيون لقب والي دار الرياضة أم درمان لما يختص به من صفات جميلة مستمدة من قيم الرياضة السامية تحدث ل(الصحافة) عن شغب الملاعب وقال انه ليس جديدا ومنذ نعومة اظافرنا تابعنا ذلك في الدوري الانجليزي في أكثر دول العالم تحضرا الا أنه استدرك قائلا أن ما حدث في ملاعبنا في الفترة الاخيرة من شغب يعتبر دخيلا علينا وهو يختلف عن قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا وهو ان جاز لي اسميه (قلة أدب رياضية) ومن الاسباب التي أدت الي تفاقمها هو عدم وجود الادارة المقتدرة والحازمة التي تقود الرياضة في كل المناحي وخصوصا في الاتحاد السوداني لكرة القدم والذي اعتبره سببا رئيسيا في تفاقم شغب الملاعب فاذا لم تكن هناك قوانين ولوائح تردع مثيري الشغب فهذه مشكلة واذا موجودة ولم تنفذ فالمشكلة أكبر متابعا بأن الشرطة غير ملامة وكذلك الصحافة الرياضية وانما اللوم يقع على الاتحاد الذي في يده أن يعاقب المتفلتين ويردع المتجاوزين ولكنه للاسف هو يتفرج فقط والدليل على ذلك في تصريحات لبعض المسؤولين به أنهم ما زالوا في انتظار التقارير من المراقبين المختلفين وهذا يوضح مدى سلحفائية الاتحاد في اتخاذ القرارات بناء على ادلة وبراهين لا تحتاج الي كبير عناء ووقت واوضح آفرو أنه للاسف حتى الدولة ممثلة في وزارة الشباب والرياضة ظلت تتعامل في مثل هذه المواقف بتكوين لجان واعضاء تلك اللجان معروفون أي انها اسماء مكررة فقط الذي يحدث من قبل المسؤولين في حالة مثل هذه الاحداث سحب درج المكتب لاعادة هذه الاسماء في اللجان المذكورة وهذا الامر لا جدوى منه فلا يعقل أن نأتي باشخاص قطعوا صلتهم بالملاعب منذ سنوات وسنوات فهم بعيدون كل البعد عن المتغيرات التي حدثت ولذلك لاجدوى من هذه اللجان المكونة من بعض الاسماء النمطية مبينا انه اذا اردنا علاجا فهو يأتي عبر روابط المشجعين وعقد ندوات يمثل فيها قادة تلك الروابط ومن ثم ايقاف الاقلام التي تدعو الي الفتنة والتحريض وفي نفس الوقت عكس الوجه الحقيقي للرياضة التي تدعو الي المحبة عبر اجهزة الاعلام المختلفة. شغب الملاعب كما ذكرت بدأ من الدولة التي انطلقت منها كرة القدم الا وهي المملكة المتحدة والتي انتقل منها الشغب الي دول العالم الاخرى ومن ابرز احداث العنف في الملاعب البريطانية ذلك الذي حدث في ملعب هيزل في مباراة ليفربول الانجليزي ويوفينتوس الايطالي على نهائي كاس الاتحاد الاوربي والذي راح ضحيته 40 مشجعا تقريبا هذا كان في العام 1985 وبموجب ذلك تم حرمان الاندية الانجليزية من المشاركة في المنافسات الاوربية لمدة خمس سنوات ومن ابرز الاحداث ايضا في اليونان العام الماضي في مباراة القمة بين فريقي بانثيناكوس واولمبياكوس حيث القت جماهير الاول القنابل الحارقة على رجال الشرطة وداخل الملعب احتجاجا على تأخر فريقها بهدف ليتصدى رجال الشرطة ويطلقوا الغازات المسيلة للدموع لتفريق المشجعين والغاء المباراة وامتد العنف الي اسبانيا ايضا في العام الماضي وفي احدى المباريات قتل مشجع وكانت بين فريقي اتليك بيلباو وشالكة الالماني في الدوري الاوربي وفي الدول العربية انتشرت بصورة أعنف وما حادثة استاد بورسعيد بمصر الا خير دليل في العام الماضي والتي راح ضحيتها 70 مشجعا من النادي الاهلي المصري في المباراة التي جمعت فريقهم بفريق المصري البورسعيدي وامتدت احداث الشغب الي المغرب والجزائر وتونس وليبيا واخيرا السودان. اثبتت بعض الدراسات الاجتماعية أن المشاكل التي يعيشها المشجعون تدفع بهم الي القيام بمثل هذا الشغب داخل الملاعب حيث يجدونها فرصة مواتية لافراغ مشاكلهم النفسية داخل الاستادات الرياضية كما تعتبر وسيلة الانتقام من مؤسسات الدولة والمسؤولين عن طريق تكسير المرافق العمومية والهجوم على رجال الامن وحمل شعارات تمس بعض المسؤولين في الدولة ويعتقد البعض أن ظاهرة الشغب تاتي من التحكيم الهزيل والمتحيز والاداء السلبي للفريق نفسه والتوترات السياسية والاقتصادية . بعض الدول للقضاء على هذه الظاهرة سنت قوانين رادعة تمت اجازتها وفي المغرب مثلا يعاقب مثير الشغب بالحبس لمدة خمس سنوات مع الغرامة واذا تكرر الفعل منه تضاعف العقوبة كما يعاقب الذين يدخلون أشعة الليزر في الاستادات الرياضية وكذلك المواد الحارقة (الملتوف) والمواد القابلة للاشتعال.