دار نقاش في مجلس الوزراء حول اتخاذ شعار للسودان بعد الاستقلال ، وكان الاتجاه لاختيار أكثر الأشجار فوائدَ ووقع التنافس بين شجرتي الدوم hyphane thebica وشجرة الدليب )Borassius aethiopium وهما من العائلة النخيلية ) واستمر الجدل في ذلك إلي أن جاء انقلاب عبود حيث تجددت الدعوة إلي اتخاذ شعار للدولة السودانية، واحتدم الجدل بين مؤيدي الشجرتين : فأهلنا في شرق السودان وجبال البحر الأحمر ونهر عطبرة يعرفون شجرة الدوم وفوائدها . فالثمار تؤكل غذاءً للإنسان وغطاء الثمرة يستخدم طاقة للوقود ويكسر (البعو) الداخلي كعلف للحيوان ، وتستخدم أغصان الشجرة كعلف للماشية وصناعة البروش لأغراض السكن البجاوي والقفاف . وكانت السكك الحديدية تستخدم100 ألف قفة ( كودين شبر) لأعمال الدريسة سنوياً . وتفيد التقارير السنوية لمصلحة الغابات ان السنوات 1925-1931 شهدت تصدير 15423 طنا من ثمار الدوم ، واستمرت تدفقات التصدير حتى عام 1966 حيث تناقصت الي 667 طنا . اما مروق وكتل الدوم المرحلة بواسطة الطوف أثناء فيضان نهر عطبرة فقد اعتمدت عليها كل قري بربر وعطبرةوالدامر في بناء المنازل، واذا ألقيت نظرة على منازل بربر والعبيدية وما جاورها لعلمت أين ذهبت غابات الدوم بنهر عطبرة وكل سقف قد استهلك ما لا يقل عن 4-5 شجرات دوم في المتوسط للغرفة الواحدة. وتستوطن شجرة الدوم نهر عطبرة ونهر القاش والوديان الرئيسية بولاية كسلا: حفرت ، جبرت ،ابو علقة والأميري ووديان منطقة همشكوريب ،خور رساي ، خور كبريت ، وامبوريب وأودي ووادي همشكوريب وخور اللانقيب امتدادا لخور بركة والوديان الكبيرة في ايرباب وانقواتيري ودلاي وقدماي ونباسلاى ودورديب. وقد درج أهلنا البجة علي جعل هذه الشجرة مهراً للعروس اذ يكتبون في وثيقة الزواج أربع نياق وعشرة من الأغنام وخمسة من اعواد الدوم الأخضر وقيل انه في الخصام الذي يصل حد الحليفة ان لم يجدوا كتاباً يقسمون علي شجرة الدوم ولا يقسم عليها الا الرجل الصادق، وفي هذا احترام وتقدير لهذه الشجرة. أما بولاية نهر النيل فتنتشر الشجرة علي طول نهر عطبرة شرقاً وغرباً مروراً بالداخلة وكنور وتمتد الي منطقة الرباطاب شرقاً وغرباً، وقد تعرضت الشجرة للقطع الجائر في كثير من هذه المواقع بدرجة لم يبق منها شيء الا أشجار متفرقة هنا وهناك. وهذا الانتشار الكبير للشجرة يحتم علينا الاهتمام بإعادة استزراعها وذلك بغرس بذورها بجانب الخيران الرئيسية . ولإرشاد غابات ولاية كسلا برنامج سنوي ناجح في منطقتي حفرت وجبرت قادته العالمة البجاوية الأستاذة / عائشة آدم سيدي أوشيك الخبير الوطني حالياً بمنظمة الإيفاد وكانت نتائجه زراعة مسافات طولية داخل الخيران ببذور الدوم وكانت نسبة نباته عالية جداً . أما شجرة الدليب ذات الظل البعيد فهي شجرة منقرضة بمناطق جنوب كردفان، وقد استبيحت بالقطع الجائر لسد حاجات المواطنين من اعمدة المباني وتنتشر في وديان الشحيطة وأم عبد الله والوديان الكبري بمنطقة جبال النوبة وقطاع غرب كردفان وجنوب دارفور ومناطق النيل الأبيض والأزرق وأعالي النيل . ونعود لنقاش مجلس الوزراء السابق الذي اجاز شعار الخرتيت، وكان ذلك استجابة لحكماء الجنوب الذين أصروا ان يكون الخرتيت شعاراً للبلاد باعتباره رمزاً للقوة بيد انها قوة متوحشة . وفي مرحلة ثانية استبدل الخرتيت بصقر الجديان والي يومنا هذا مازال شعارنا صقراً . واليوم اذ يحتفل الإخوة في المؤتمر الوطني بالفوز الكبير تحت شعار الشجرة، فإن اكثر شجرتين نافعتين لأهل السودان شرقاً وغرباً وجنوباً هما شجرة الدوم والدليب من واقع فوائدهما التي صغناها فإني أتوجه للسيد الرئيس عمر حسن احمد البشير وولاته الميامين ولكل النواب الذين فازوا تحت هذا الشعار أن يردوا الجميل لأمهم الشجرة وذلك برعاية برامج لإعادة استزراع الدوم في الحزام الشرقي الممتد من تاجوج جنوباً مروراً بهمشكوريب ودلتا القاش وقطاع الانبواتيري ودرديب والوديان الجنوبية في البحر الأحمر وخور اللانقيب وخور بركة. أما في ولاية نهر النيل فإننا نتوجه للأخ الوالي سعادة الفريق الهادي عبد الله لقيادة حملة لإعمار الأرض بأشجار الدوم في مناطقه التقليدية بحوض العطبراوي والوديان الرئيسية في جنوب الولاية تنفيذاً لبرنامجه الذي قطعه في أعمار الأرض تيمنا بقول رسولنا الكريم: صلي الله عليه وسلم ( لو قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها ) . كما نتوجه بدعوة كريمة لمولانا احمد هارون والي جنوب كردفان بأن يجعل إعادة تعمير حزام الدليب واحداً من وثباته البيئية النافعة للبلاد والعباد، ولإخوتنا في النهضة الزراعية بقيادة الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب الرئيس ان يولوا أمر دعم برامج الهيئة القومية للغابات في مجال الاستزراع وإعادة التعمير في القطاع المطري التقليدي واعتماد خطط إدخال الغابات في الدورة الزراعية المروية كحزمة تقنية لازمة في مكافحة التصحر والتمكين من المواءمة والتكيف مع ظاهرة تغير المناخ التي تشغل العالم احالياً. وأدام الله لنا زهو أشجارنا وعافي بيئتنا وأثابنا وإياكم، فإن الشجرة تسبح بحمد ربها وتدعو لغارسها فهي صدقة جاريه. الجمعية السودانية لحماية البيئة - الدامر