اصبح في حكم المعلوم لدى عامة الشعب السوداني ان الدولة السودانية باجهزتها التنفيذية والخدمية التي كانت موجودة من قديم الزمان قد رفعت يدها تماماً عن اية خدمة كانت تقدم للمواطن، رفعت يدها عن التعليم فأصبح التعليم خدمة تقدمها جهات وشركات واسماء اعمال خاصة مملوكة لأفراد وليس للدولة اية وصاية عليها اللهم الا اشياء اسمية وبروتكولات وهمية ومشاركة حقيقية في اخذ الرسوم والاتاوات، ورفعت الدولة يدها عن تقديم خدمات الصحة والعلاج ليس يوم صرح والي الخرطوم بأنهم سيغيرون نظام خدمة اقسام الطوارئ ولكن منذ ان تمت تسمية المستثمرين في مجال بيع العلاج مسؤولين عن الصحة في مفارقة لا تحدث حتي في العالم الثالث ، ورفعت الدولة يدها عن جميع الخدمات واصبحت مؤسسات الدولة نفسها عبارة عن كانتونات تتبع لأشخاص ولا تتعامل مع المواطن الا وفق ايصالات مالية بعضها ملون والقليل منها عليه رسم وزارة المالية، وهذه الكانتونات كلما جاء تعديل وزاري أبقوا على رؤوسها في مكانها كأنها اصبحت مسجلة باسمائهم وهو الدليل الواضح علي انخراط الدولة في منظومة الدول الفاشلة. ان الازمة التي تدور هذه الايام على خلفية التردي المريع في الصحة وما تشير اليه مذكرة الاطباء الاختصاصيين والدفوعات الواهية التي اعلنتها حكومة الولاية في هذا الخصوص، تكشف بوضوح ما خفي من رباط وثيق بين العام والخاص، وما نشأ من تحالف بين الجهاز التنفيذي ورجال الاعمال، وهو الأمر عينه الذي ساهم في خروج الدولة عن مسارها السليم ورفع الحكومة يدها عن تقديم الخدمات بحيث لا تستطيع حتى إلزام المؤسسات الحكومية او منسوبيها في هذه المؤسسات بالقيام بالواجب طالما ان هذه المؤسسات تدفع الربط المقدر لها للقوى التي تسمح لها بالبقاء ، ان ما يجري في حقل الصحة اليوم يمثل كارثة اخلاقية يندى لها جبين الانسانية في كل بقاع الارض بعد ان افرغت البلاد من الاطباء لصالح استمرار مخططات الشيطان.. ان الشيطان يسعى لتصعيب عملية التداوي بحيث لا يجد العلاج الا الميسورون، اما القطاعات العريضة من الشعب فمصيرها الموت لأنها بالكاد تجد قوت يومها عوضاً عن توفير الاموال للعلاج . إن المعركة ضد استمرار الاوضاع الصحية على النحو الذي هي عليه ستستمر الي ان يستحي اصحاب القلوب القاسية الذين لا يهمهم اي شيء سوى مصالحهم الخاصة واستثماراتهم ، فإذا استحوا من تلقاء أنفسهم فإن الحقل الصحي به العديد من الشرفاء الذين نعرفهم ونعرف تاريخهم وهم جديرون بإصلاح الاوضاع الصحية لأنهم يملكون الخطط البيضاء وليسوا اصحاب رؤوس فارغة لا تعبأ بشيء، انها معركة الشرفاء لأن الحق في العلاج يجب ان يكون للجميع وهو امر لا يمكن الاختلاف حوله، ولكن ماذا يفعل الناس في زمن الجور والاملاق الاخلاقي؟ وها هي المستشفيات تفرغ من مضامينها ويتم الاعلان بالمقابل عن الخدمات فئة النجوم الخمس، وهم يعلمون ان الشعب كل الشعب يفتقر للخدمات الصحية ولو من فئة النجمة الحكومية الواحدة التي تفترض وجود خدمات طوارئ وادوية مجانية وادوية منقذة للحياة كما ظلوا يعدون الناس بها منذ مجيءالانقاذ والى آخر انتخابات جرت في هذا البلد. مجمل القول ونهاية الموضوع هي عدم رضاء الرأي العام عن التحالف غير الطبيعي بين حكومة الولاية ممثلة في الوالي ووزير الصحة الولائية ضد القطاع العريض من مقدمي الخدمة من ابناء السودان من الاطباء والاختصاصيين ونوابهم وبقية الكوادر الطبية الذين يرغبون في تقديم الخدمة لأهاليهم ومواطنيهم وفق ما تلقوه من أخلاقيات وأدب المهنة وعهود أبقراط، ولذلك يجدون أنفسهم في مواجهة مع ذلك التحالف، ومن البديهي أن يساند الإعلام والرأي العام ما يعتبره من مصالح الشعب حتى يجيب الذي يهمه الأمر عن السؤال اعلاه.. ماذا تبقى للدولة من مهام؟ الاجابة لمن لا يحب الانتظار هي.. لا شيء البتة.