في هذه الزاوية كتبت تحت عنوان «أدركوا الشعب قبل أن يدركه الموت»، أن الأزمة السودانية لا تحلّ إلا إذا اجتمعت الحكومة السودانية والمعارضة وزعاماتها التقليدية منها والمستحدثة، لاستثمار فرصة الدعوة إلى صناعة توافق وطني، يهتم بالمقام الأول بالسعي في إنجاز ما يلبي طموحات الشعب السوداني في الطمأنينة والعيش الرغد والدواء والكساء، بعيداً عن الدعاية السياسية والحزبية الرخيصة. وقلت من شأن ذلك إنه لا بد من توفير مناخ صحي لتعزيز مفهوم الحرية والديمقراطية وشبيهاتها للإنسان السوداني، ولكن أعتقد أن ذلك لا يتأتى بالمزايدة، واستثمار الوضع الاقتصادي المتردي والوضع السياسي المتأذي للحديث عن عورات الحكومة دون التطرق لعورات النخب نفسها، بقدر ما يمثل ذلك رغبة نخب تريد استثمار الوضع المتأزم، لتتولى السلطة، ليبدأ الشعب السوداني حلقة جديدة من المجهول، ويدخل في نفق مظلم لا يدري أحد متى وكيف سيخرج منه. وحسنا فعلت الحكومة فكان لقاء المشير عمر البشير بألوان الطيف السياسي والحزبي. وكان اللقاء هادئاً وساخناً وهادفاً، ساده جو من الود الوطني الشفيف، وطرحت خلاله أفكار لصياغة دستور يجمع عليه أهل السودان، ولكن ما أحزنني غياب بعض النخب الحزبية، التي كان يمكنها انتهاز هذه الفرصة ليدخلوا في مواجهة مباشرة مع الطرف الآخر ومن ثم طرح أفكارهم وطلباتهم بكل جرأة، ليرى الشعب السوداني أي الطريق يوصل إلى سودان العزة والكرامة. والغريب في الأمر أن خرج علينا السيد فاروق أبو عيسى رئيس هيئة قوى الإجماع الوطني ليصف لنا التفاكر حول الدستور القادم بالمهزلة، ووصفه بمحاولة استغفال يائسة تصدر عن جهة ليست مؤهلة ولا مخولة بوضع دستور دائم للسودان، وهنا أقول له من المؤهل إذن؟ فإذا كنت أنت أو غيرك هو المؤهل، لماذا لم تحضروا هذا اللقاء وتكشفوا لنا سحرية الأهلية لصياغة دستور سوداني دائم؟! وإذا كان أبو عيسى يعتقد أن المحاولة الوحيدة والأخيرة لدفع دستور يحترم حقوق الشعب بكافة معتقداته وأعراقه كانت في 1995م عبر مقررات أسمرا التي صاغها واتفق عليها التجمع الوطني الديمقراطي آنذاك، لماذا لم يأتِ بهذا الدستور ليشرحه ويودعه في سلة خيارات الشعب في ذلك اللقاء الوطني الجامع، خاصة أن الشعب السوداني لا يعرف عن هذا الدستور شيئاً، لأنه طرح في أسمرا وليس في الخرطوم، وبالتالي الشعب لم يره ولا يعرف عنه شيئاً؟! أعود فأقول إن الشعب السوداني صبر ما فيه الكفاية على الهرج والمرج السياسي والحزبي والشمولي، الذي تسيّد الساحة السودانية ردحاً من الزمان، ولم يقبض خلالها إلاّ الهواء وبصيصاً من الأمل الذي تسعى بعض الجهات لاغتياله في مهده قبل أن يرى النور، لشيء في نفس يعقوب وليس للشيء في نفس الشعب السوداني الصابر. وتبقى المسؤولية التاريخية لكل الأطراف بما فيها الحكومة السودانية والأحزاب التقليدية والجديدة، في مراجعة الطريقة التي يعامل بها بعضها البعض، والالتفات إلى رعاية مولود الدعوة لوفاق وطني حقيقي، هدفه الأول والأخير الشعب السوداني والوطن والتنمية والتعليم ليس غير ذلك، ذلك أن الشعب السوداني، يدرك تماماً موجهات الأطراف مجتمعة، ولكن أمنوا مسكنه وسدوا رمقه وعالجوه من سقمه وعلموه، ومن ثم دعوه يتنسم الحرية والديمقراطية، ويختار بشكل حضاري من يحكمه دون وصاية من جهة داخلية أو خارجية. اللهم هل بلغت فاشهد.