٭ وقفت أمام ناظر مدرسة رفاعة الاهلية الوسطى لاسجل رغبتي في المدرسة الثانوية التي ارشحها كرغبة اولى ونحن على باب نهاية العام الدراسي 4591-5591م. قلت للناظر أرغب في مدرسة (المؤتمر).. رغبة اولى وحنتوب رغبة ثانية ووادي سيدنا رغبة ثالثة، ضحك الناظر مني وقال لي: انت بتعرف شنو عن المؤتمر؟- وأين هى؟ قلت له: اظنها في الخرطوم.. ضحك الناظر وقال لي: والله سأدونها رغبة اولى لك. ظهرت نتيجة الامتحان وتوزع زملائي في حنتوب وطقت.. وقبلتني لجنة القبول بمدرسة المؤتمر الثانوية بأمدرمان لأنها كانت رغبتي الاولى مع العلم ان المجموع الذي تحصلته يدخلني مدرسة حنتوب بارتياح. جئت الى مدرسة المؤتمر الثانوية.. الدنيا خريف وخور ابو عنجة فائض بالمياه.. تضرب أمواجه سور المدرسة الشمالي.. في رقة وحنان. دخلت المدرسة كان معي في الفصل عدد لا يستهان به- جاء حافظ علي مراد والتاج الجاك.. من الابيض.. جاء فاروق احمد يوسف علقم، صلاح ابراهيم حاج عمر، عبد الجليل حسن عبد الجليل، من الجزيرة جاء عوض حاج احمد، محمد خير حسن.. رفاعة جاء سيد حامد حريز من بري، اسامة سيد الفيل من الموردة، اسامة عثمان سوار الذهب من ودنوباوي.. حسين حمروي من حي العمدة، ابراهيم محمد نور، حسين ابراهيم خليل من بانت شرق.. عبد الرحمن سليمان كوكو، بشير الحجزي، عمر الشريف يوسف، عبد المنعم خفاجة من مدني.. عتيق، فيصل حامد المحينة من بحري، نعمان حسن احمد من توتي. وجدت الطلبة في الصف الثاني والثالث والرابع يتقدمونني .. اذكر منهم فاروق احمد عمر، ود المهدي، احمد الزين صغيرون، السماني، فيصل البربري، احمد سالم، عوض الكريم عبد الرحمن، عبد الرحمن حسن عبد الحفيظ، علي احمد علي، عبد القادر محمد عبد القادر، ميرغني عبد الرحمن الحاج سليمان، حسن عثمان ابراهيم، محمد نور، عباس محمد بابكر، محمد عبد الرحيم خيراوي، حسن عمر كشه، بولاد محمد حسن الحلاوي.. وهل أنسى فيصل الطيب حسن ابن العامل المناضل شاعر (ياغريب بلدك). في عام 7591- 8591 اضرب طلبة مدرسة حنتوب وشاركهم طلبة خور طقت الاضراب كان اتحاد طلبة الجامعة يرعى شؤون طلبة حنتوب، وادي سيدنا وطقت.. فأرسل الاتحاد بركات، خالد المبارك، محجوب عبد الخالق، ابو ادريس وغيرهم ومن تم فصلهم من حنتوب الى مدرسة المؤتمر ليكملوا تعليمهم بها- جاءوا الى المؤتمر احتضنتهم.. واحرزوا درجات عالية اهلتهم لدخول جامعة الخرطوم، وجاء الى المؤتمر علي الحاج محمد ادم، مجاور عبد الله مجاور، ومن فصل معهم من مدرسة طقت. اكملوا دراستهم ونجحوا.. حتى من فصل بسبب غير سياسي، كان يلجأ الى مدرسة المؤتمر ويكمل بها دراسته. كانت المدرسة ذات نهرين.. ذكرت لكم بعضاً من زملائي في الصف.. اذكر بعضاً من زملائي في الصف الآخر: شريف العميري، بشير فضل الله، عابدين قسم الله، مبارك علي صالح، عبد السلام سليمان، مبارك باى، نبيل احمد علي، ادريس بابكر يس، مصطفى الزين صغيرون، خالد حسين الكد، صلاح عبد الله (كوداك)، زكريا حمد حسن. دخلت المدرسة وجدت بها اتجاهين سياسيين كخطين متوازيين لا يلتقيان إخوان مسلمون وشيوعيون.. (عوض الكريم عبد الرحمن وعبد الرحمن ابو زيد). في أول يوم دخلت فيه المدرسة، كان لنا لقاء مع مدير المدرسة الاستاذ (صالح بحيري) طيب الله ثراه-- تحدث لنا ذلك المدير حديثاً تربوياً كانت أول كلمات قالها لنا بالانجليزي (It is your own fault to come to this school) إنها مدرسة خارجية لا داخلية بها.. بها مباني المدرسة وسور وبوفيه راق به كل الطعام المحشي والمشوي والمشروبات الغازية.. تدرس وتذهب الى اهلك.. الفصول مفتوحة لمن يريد ان يذاكر في المساء. كانت لطلبة المدرسة مشكلة يحسها الطلبة الذين جاءوا من الولايات ولا اقارب لهم بالعاصمة.. كانوا يعانون أزمة السكن.. كان بعضهم يسكن مع معارفه وكانت أية مجموعة (5-6) طلبة يؤجرون منزلاً (ميز) يسكنون فيه شهور الدراسة.. كانت بالمدرسة عدة جرائد حائطية باللغة العربية والانجليزية.. كانت الحركة الوطنية مشتعلة والسودان يزحف نحو اعلان الاستقلال.. كتبت مرة مقالاً في جريدة (الشعلة) بعنوان الكلمات الانجليزية أعلاه التي تفوه بها مدير المدرسة في اللقاء السنوي.. تناولت في المقال مشكلة طلبة الاقاليم واقترحت عليهم ان يكونوا وفداً ويذهب الى اتحاد مزارعي الجزيرة ويناقشوا معه مشكلتهم وحلها.. قرأ المدير المقال.. نزعه من جريدة الحائط، دعا العامل (آدم) ان يحضر له محمد خير حسن جئت اليه، صفعني كفاً قوياً سقطت على الارض، ركلني وقال لي: انت مرفود عايز تحرض الطلبة على الاضراب؟ امشي تعال باكر.. جئت، ساوى المشكلة بعد ان اعتذرت له.. ووعدته الا اكتب مرة اخرى، ثم خفض لي رسوم الدراسة. كان السودان يشتعل في تلك الايام.. محاضرات، مناظرات، ندوات، مواكب تطالب بالجلاء، الاستقلال.. في يوم 1/1/6591 سارت مدرسة المؤتمر كلها خرجنا نمشي على اقدامنا نحمل الرايات والبنود.. والشعارات التي تهنيء الشعب السوداني بالاستقلال (عاش السودان حراً مستقلاً) سرنا على الاقدام عبرنا كبري النيل الابيض القديم الى ميدان المالية، على يميننا زنكي الاسكلة به البضائع والمؤن التي ترسل الى الجنوب بالبواخر النيلية وعلى يسارنا نهر النيل الازرق.. يتدفق لينافح الابيض ويهنآن بالاستقلال، انضممنا للمواكب الهادرة في ميدان المالية، وشاهدنا الزعيم اسماعيل الازهري يرفع علم الاستقلال. في الفترة الزمنية من 5591-9591 كان بالمدرسة معلمون اكفاء يقتضي الواجب أن نذكرهم وقد كانوا خير معلمين نهلنا من كفوفهم وسمعنا من افواههم اعذب الماء وارق الحديث. تلقينا العلم على يد معلم الاحياء والعلوم: حسن حلمي، اللغة العربية احمد عبد الهادي، عبد الرشيد الحمزاوي وعباس خضر، القاص والروائي المشهور بدوي طيب الاسماء، أما التاريخ فكان يدرسه مدكور والرياضيات ابو العينين وحسن علي، اللغة الانجليزية كان يدرسها مستر كوك، مستر بيرتون وزوجته، مستر ماكينزي، مستر ماثيو وسرور، والفنون كان لا يغادر الاستوديو الاستاذ زكي الحاج ومبارك محمد سعيد، لقد كانوا اساتذة أجلاء لا اعتقد ان يجود الزمان بمثلهم.. أما مادة الجغرافيا فكان يدرسها صلاح الشامي وابراهيم ارباب.. واليوم كلما مررت بالسيارة القي نظرة على اطلالها فتفيض عيني بالدموع. امر على الديار ديار ليلى اقبل ذا الجدار وذا الجدار وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار محمد خير حسن سيد أحمد رفاعة