٭ الذي يريد أن يتطور، عليه أن ينظر في المرآة، كل حين وحين.. إن المرآة لا تكذب. ومرآة المرء أخيه، و(الجمل ما بشوف عوجة رقبتو). ٭ والنظر في المرآة، بقصد وضع الأصبع في مكان الخلل، والنقد والتقويم، لا يقصد التجميل، ووضع المساحيق وإخفاء الندوب والتشوهات.. و(بعض التجميل افساد)! ٭ والمجتمع كما الفرد، مطالب أيضاً بالنظر في المرآة، ومرآة المجتمع، هي قبيلة المثقفين، من حيث أنها معنية بالفكر واشغال العقل والنقد والتساؤل. ٭ وكما أن المرايا منها: المقعرة والمحدبة والمستوية، كذلك المثقفين. ٭ ولكل مرآة خصائصها واستعمالاتها.. لا فضل لمقعرة على محدبة إلا بالصورة. (مرآتي تعكس أشيائي.. لوني بسمة عيني.. طول القامة، وتبقي أشياء أخرى ترفضها مرآتي، تبقى أشياء أخرى هي كل حياتي). ٭ والمجتمع في عمومه، يميل في حركته اليومية إلى النظر في المرآة المستوية، وتجميل نفسه وجلب الرضا، (يكتفي بالحضور في الماضي تعويضاً عن الغياب في الحاضر)، ويسلك درب التبرير لا النقد الذاتي، يحدِّق تحت قدميه، وفي حدود (أرنبة أنفه)، ويتمرغ في العشوائية بعيداً عن المؤسسية والاستسهال بعيداً عن المنهج. ٭ المجتمع بأفراده (إمعة)، يتخذ موقفه بالتلقين والمحاكاة، الفكر والذوق لديه (مادة مطاوعة قابلة للطرق والتشكل وتغير الأبعاد). ٭ والمثقفون هم المعنيون بكشف ذلك، وتقويمه، لا أنصافهم، وذوو العلم والدراية والخبرة لا غيرهم، والقوة الحية لا العاطلون عن الموهبة والابداع. ٭ وفي تقديري، أن من أهم أسباب ضعف (أحزابنا)، ومنظماتنا المدنية، (مع أخرى)، هو انحسار دور المثقفين في هذه الأحزاب والمنظمات، وترك القيادة لغيرهم (ممن يملك مالاً أو جاهاً أو حنجرة كبيرة، أو قدرة خفية في سوق النخاسة). ٭ ولا تسلم من هذا، حركاتنا الإسلامية أو الليبرالية أو العلمانية، ولا أحزابنا تقليدية وحديثة. ٭ في رأي ابن خلدون: إن العلماء بين البشر أبعد عن السياسة ومذاهبها. ٭ هذا الغياب المثقف، دفع بالسياسة، الى هاوية التجارة: بكماء وفصيحة، تقوم على (المساومة)، و(المقايضة)، وجرس الدلالة، و(الليلة بجنيه بكرة ببلاش). ٭ وفي حمى (الدلالة) والتنافس، يُروّج للبضاعة الفاسدة، ويُتاجر في الأموات. ٭ حكى الكاتب الروسي الساخر، غوغول، عن بطله (تشينشيكوف)، في رواية (النفوس الميتة)، وكيف وصل به الأمر إلى المتاجرة ب (الأموات) للوصول الى الثروة. ٭ وفي مسرحية شقائق النعمان لدريد لحام، تاجر (شاكر ريحان)، بشهادة أخيه (نمر).. واغتنى. ٭ وفي حاضرنا، من يبز، (تشينشيكوف) و (شاكر ريحان). في مهارات الابداع التجاري بالموتى وصولاً الى عالم الثروة. ٭ وما دام الأمر، كذلك، فليس أمام الحالمين بالمستقبل، إلا (الفرار من غضب الله الى غضب الله)، بتعبير القرضاوي. من آيديولوجيا إلى آيديولوجيا، ومن نسق معرفي إلى نسق معرفي، حتى يتماهى القول والفعل، ويطابق الفكر السلوك. ٭ وإلى حين إشعارآخر، لا تزال الانتليجنسيا، هي منتجة التصورات الفكرية وصناعة المستقبل، وصناعة المستقبل تغيير، والتغيير ثورة و(الثورة تتقدم محمولة بالانتليجنسيا)، كما ذهب إلى ذلك جان باشلر. ٭ ومع ذلك من حق الذين جربوا الانتليجنسيا أن يتحفظوا أو يتشككوا كيف شاء لهم الشك. في رواية (الفاتحون) لمالرو، صرخ أحد أبطالها: أنا مع الثورة ما دامت الثورة غير ناجحة، ولكني أصبح ضدها عندما تنجح. ٭ وبطل مارلو واحد من المثقفين أو (المثقفاتية)، تخفيفاً.. ونواصل