ما أن استقرت عقارب الساعة عند العاشرة من صباح أمس(الاثنين)، حتى توافدت اجهزة الاعلام المحلية والعالمية لقبة البرلمان في همة ونشاط وهي تمني نفسها بمادة دسمة رغم أن الحدث في مظهره عادي جدا «بيان لوزارة الخارجية حول ادائها» ولكن في جوهرة يحمل مادة غنية قد تثير الرأي العام وتحدد خطوط اللعبة السياسية؛ وذلك لأن بيان وزير الخارجية علي كرتي يجئ بعد يوم فقط من افادات مثيرة ادلى بها الرجل في برنامج تلفزيوني محلي صب خلاله جام غضبه لتجاهله فيما يتعلق بعلاقة السودان بإيران، وأكد أنه لم يسمع بالقصف الاسرئيلي لمصنع اليرموك للاسلحة ألا عبر اجهزة الاعلام، وكانت تلك الافادات حاضرة في مناقشة عدد من النواب داخل باحة البرلمان مابين منتقد ومتعاطف مع موقف الوزير كل ذلك وغيره اعطى اشارات بأن الجلسة ستكون ساخنة، ولكن الاعلاميين عند دخولهم الجلسة التي بدأت متأخرة بسبب الحضور الضعيف للنواب وما أن رأوا نائب رئيس البرلمان هجو قسم السيد يعتلى المنصة لرئاسة الجلسة، تأكدوا تماما أن الامر لن يبشر بحيوية خاصة وانهم تعودوا أن يكون رئيس البرلمان أحمد الطاهر حاضرا لدى مناقشة القضايا الساخنة لاحكام السيطرة على النواب وضمان عدم انفلات زمام الامور داخل الجلسة، وبالفعل ما ان فرغ وزير الخارجية من البيان الذي تجاوز في قراءته الساعة حتى أعلن رئيس الجلسة هجو قسم السيد مقترحا بإحالة البيان للجنة المختصة ليتم النقاش في وقت لاحق، وأخذ عليه التصويت ليحال بالاغلبية لتنهى الجلسة قبل أوانها بمايتجاوز الساعة ونصف الساعة. قدم وزير الخارجية علي كرتي مرافعة طويلة امام نواب البرلمان امس مدافعا عن سياسات وزارته علي وقع الانتقادات التي وجهت لها بعد تعرض السودان لهجمات جوية من اسرائيل استهدفت مجمع اليرموك للتصنيع الحربي، واحاط النواب بالخطوات التي اتخذتها الوزارة منذ الوهلة الاولي للعدوان،واستعرض ملامح السياسية الخارجية ومستجدات الواقع الجديد الذي طرأ عليها بعد انفصال الجنوب كما تطرق للعلاقات مع دولة جنوب السودان وقرارات مجلس السلم والامن الافريقي تجاه القضايا الخلافية المتبقية ما بعد الانفصال وقرار الرئيس الامريكي بارك اوباما بتمديد العقوبات علي السودان، كما تطرق كرتي لتحركات الدبلوماسية السودانية تجاه العدوان الاسرائيلي علي مصنع اليرموك واختتم مرافعاته بالتحديات التي تواجه السياسة الخارجية في ظل المتغيرات الدولية والاقليمية . وامتدح كرتي في بيانه بشأن «مستجدات السياسة الخارجية» والذي تمت احالته الي لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس لمزيد من الدراسة ،حسن تقدير وزارة الخارجية وتعاملها بوعي ومسؤولية مع القرارات الدولية التي صدرت حول القضايا المتبقية من اتفاقية السلام الشامل وقضايا مابعد الانفصال مما كان له ابلغ الاثر في الدفع بالمفاوضات بين البلدين وما تلاه من توقيع اتفاقات التعاون والانتقال بالعلاقات مع جنوب السودان من مرحلة الصراع والحرب الشاملة الي مرحلة التعاون البناء ,وبالرغم من الروح الجديدة التي تسود علاقات الدولتين الا ان كرتي اقر بوجود تحديات لايستهان بها امام تلك العلاقة وعلي رأسها حل ما تبقي من قضايا لم يتم الاتفاق حولها كأبيي والنزاع الحدودي والصراع في منطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان . وجدد الوزير هجومه علي الولاياتالمتحدة الاميريكية واتهمها بتبني موقف حكومة جنوب السودان بشأن مقترح ابيي الخاص بالاستفتاء ليس ذلك فحسب بل ومحاولة التأثير علي الدول الافريقية الاعضاء بمجلس السلم والامن الافريقي للدفع بالمقترح مباشرة الي مجلس الامن الدولي رضي السودان ام لم يرض.,وقال كرتي ان موقف واشنطون ساهم في تبني المجلس رغم ميله للتوفيق بين الاراء المختلفة قرارا لايلبي حاجة ومصالح السودان وتعهد كرتي بتجاوز هذه العقبة بحنكة وحكمة دون ان يؤثر ذلك سلبا علي مجمل العلاقات بين البلدين ودون ان نفقد خيط التواصل مع الوسيط الافريقي. وطمأن كرتي البرلمان علي علاقات السودان بدول الجوار الافريقي والعربي والاسيوي لاسيما اثيوبيا وتشاد وارتيريا وليبيا ومصر والهند وباكستان وكوريا وماليزيا، واكد نجاح الخارجية في تليين جانب بعض الدول الاوروبية مما ساعد في اعادة جدولة ديون الايفاد علي السودان وفتح الباب واسعا لتقديم قروض جديدة. وابدي وزير الخارجية احباطه من موقف الولاياتالمتحدة الاميريكية بعد تجديدها العقوبات علي السودان بدعوي انه لايزال يتبني سياسات تضر بمصالح امريكا معتبرها «فرية مفضوحة « نظرا لان الرئيس اوباما نفسه ومن سبقه اشادوا بتعاون السودان في مكافحة الارهاب لفترة امتدت لثماني سنوات وتوقيع اتفاقية السلام وتنفيذها واقامة الاستفتاء والقبول بنتيجته والاعتراف بجمهورية جنوب السودان وتوقيع الاتفافيات الاخيرة في اديس ابابا، واعتبر كرتي ما حدث من ادارة اوباما لايخرج عن اطار الخداع الذي تمارسه امريكا بسبب سيطرة قلة من الصهاينة والموتورين والاعلام المضاد والمنظمات «التي تعيش علي الازمات في العالم» علي متخذي القرار وتعهد كرتي بمواصلة فضح سلوك الادارة الاميريكية وخداعها وخروجها عن كل ماهو مألوف في الاضرار بالسودان . ودافع كرتي عن الخطوات التي اتخذتها وزارته تجاه قصف مجمع اليرموك للتصنيع الحربي بإعداداها خطة للتحرك تقوم علي استدعاء رؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدين في الخرطوم واحاطتهم بكل ملابسات وتفاصيل العدوان الاسرائيلي، والاجابة علي الاستفسارات التي طرحها بعض السفراء بجانب تحركات البعثات الدبلوماسية بالخارج حيث تم تقديم شكوي لمجلس الامن واجراء اتصالات مكثفة مع وزارات الخارجية، وقال الوزير ان نتيجة ذلك التحرك صدور بيانات ادانة من عدد من الدول والمنظمات الاقليمية. وفيما يختص بالتحديات التي تواجهها الدبلوماسية، رأي كرتي ان التحدي الاكبر هو المحافظة علي السلام الذي تحقق وانفاذ مقرراته علي ارض الواقع، مؤكدا ان الخارجية ستواصل بذل كل المساعي والجهود في الجوانب التي تليها من اجل استدامة السلام وانفاذ روح ومقررات الاتفاق. اما ثاني التحديات حسب كرتي فيتمثل في الاستهداف الخارجي والذي ظهر جليا في قصف مجمع اليرموك مما يتطلب تضافر الجهود واعادة صياغة وترتيب منظومة الامن القومي وآلياته حسب وصفه . واشتكي كرتي مجددا من ضعف الوجود الدبلوماسي للسودان في عدد من كبير من الدول الافريقية، ورأي ان ذلك انعكس سلبا علي دوره في القارة، ودعا الوزير الي معالجة هذا الخلل بتوسيع الوجود الدبلوماسي خصوصا في مناطق غرب افريقية ووسطها وجنوبها لتعزيز التواصل لمواجهة الجهود التي تقوم بها بعض الدوائر لعزل السودان عن محيطه الافريقي بعد انفصال الجنوب، واعرب الوزير عن امله في مد الوزارة بالدعم اللازم لتحسين بيئة العمل في الرئاسة والبعثات في ميزانية العام القادم للوزارة للوفاء باحتياجات العمل الخارجي وسداد اشتركات السودان في المنظمات الدولية والاقليمية. وفي تصريحات عقب جلسة البرلمان، طالب نواب، المسؤولين عن الاجهزة الدفاعية المبادرة بتقديم استقالاتهم وشددوا على محاسبة كل مسؤول ثبت تقصيره في احداث القصف الاسرائيلي لمصنع اليرموك العسكري، ووجه نواب انتقادات لاذاعة لاداء الدولة وتعاملها مع الاحداث الطارئة، وقال النائب البرلماني كرار محمد ان ماتم من عملية قصف لمصنع اليرموك يمثل صدمة واضاف «لم نكن نتوقع ان اجواءنا مكشوفة بهذه الصورة» وشدد على اهمية اعمال مبدأ المحاسبة والمساءلة. وفي السياق ذاته، طالب عضو البرلمان، اسماعيل حسين، المسؤولين عن الاجهزة الدفاعية بالمبادرة بتقديم استقالاتهم، وشدد على أهمية ترتيب البيت الداخلي ووجه انتقاداً للسياسة الخارجية، وأكد انها لم تحقق المطلوب منها .