تميز السودانيون على مر الايام بقدرتهم على التضامن والتعاطف فيما بينهم في شتى المناسبات الاجتماعية والتي يأتي في مقدمتها الافراح والاتراح ، واثبت الناس في حالات الوفاة مقدرتهم الفائقة على مساعدة اهل المتوفي في تحمل النكبة والالم عبر تقديم المساعدات العينية والمادية ، بيد انه اتى حين من الدهر تغيرت فيه العادات وبات ( اهلى البكا ) يتحملون وطأة فراق المتوفى وتكاليف اقامة سرادق العزاء . جبل السودانيون على حب الخير والتعاطف مع مصائب الآخرين ، ولعل اكثر الحالات الانسانية التي يتبدى فيها معدن الناس عندما ( يتكاملون ) مع اهل الميت في السراء والضراء ، ولعل ابرز تعاطي الناس مع ( اهل البكاء) كان بتحمل الجيران والمعارف والاصدقاء لمسئوليات اقامة سرادق العزاء ، وكان الجيران يقومون بكل شئ تاركين اهل المتوفي لتقبل العزاء وقراءة الفاتحة من جموع المعزين ، لم ينشغل اهل الميت في الماضي بتوفير المواد التموينية اللازمة لاعداد الطعام والشراب للمعزين ، وكل شخص من الاصدقاء او المعارف او الجيران كان يقوم بمهمة محددة فالبعض يهتم بجلب اواني طهو الطعام بينما البعض الآخر مهمته خصوصا اذا كان ذا علاقة بالاسواق بشراء المواد التموينية من حر ماله ، وفيما كان الصغار يقدمون الطعام والماء للمعزين ، ويحرص الجيران على اعداد الطعام في منازلهم وحملها على الصواني و( عمدان الطعام ) الى ( بيت البكاء ) والبعض يستمر في ذلك الى مابعد رفع العزاء ، وفي نهاية رفع العزاء يقوم بعض المقتدرين من المعارف والجيران بمراجعة موقف المواد التموينية التي ستترك لاهل الميت في مقبل الايام عند تفرق الجميع لئلا يتكبد اهل الميت خسائر ما بعد ( رفع الفراش ) . والآن اتى حين من الدهر تغيرت فيه العادات والتقاليد مع موجات التحرير الاقتصادي وسياسات التقشف ورفع الدعم عن الوقود ، وبات الجميع في سباق لتوفير لقمة العيش للافواه الجائعة ، لم يعد الناس يهتمون بارسال ( صواني الغداء ) الى سرادق العزاء ولم يعد البعض يحرص على الذهاب الى ( بيت البكاء ) حاملا ( ثيرموس ) شاي الصباح . ولم يعد الناس يهتمون بالتخفيف على اهل الميت وتحمل الم الفراق .. ترك اهل المرحوم وهم يتلقون واجب العزاء بيد بينما اليد الاخرى تجتهد في تحضير مائدة الغداء ، ومع زيادة اسعار المواد الاستهلاكية بمتواليات هندسية تناقص حرص الناس على التخفيف على اهل الميت بل بات البعض يفضل تناول الطعام ببيوت الفراش دون اهتمام بمصاب الآخرين.