ألقت القيادية بحزب الأمة القومي د.مريم الصادق المهدي حجرا في بركة ساكنة من خلال تصريحاتها التي قالت فيها بان «المعارضة تفتقد إلى الثقة فيما بينها وتميل الى التخوين والإقصاء»، وفيما نفت المعارضة تلك التهمة على لسان رئيس قوى الإجماع الوطني فاروق أبو عيسى في حديث ل(الصحافة) أمس بقوله « ليس هناك موطئ قدم لخلاف داخل الكيان» واعتبر الرجل ان كل ما يشاع عن وجود أزمة ثقة داخل قوى الإجماع محض إشاعة هدفها هز ثقة الشعب السوداني فى المعارضة» لكن بحسب مراقبين ان هذه التصريحات ربما أثارت جدلا داخل «الكيان» في وقت ليست هناك حاجة لوجود خلافات بينها أي كان مضمونها، وهو أمر يؤشر بدوره إلى عدة تساؤلات حول ما هي مشكلة المعارضة السودانية ؟ وهل تستطيع الخروج من الصراع الازلى الذي ظل يحكم عملها منذ وقت طويل؟. وفقا لمراقبين ان الإجابة على هذه التساؤلات من شأنها تقود خطوات الحديث الى طبيعة العمل السياسي الذي يبدو ان الاختلاف فيه أحيانا يكون سمة أساسية وضرورية لإحداث الفرق في الرؤى والأطروحات، وهذا ما أكده فاروق ابوعيسى الذي أشار إلى ان المعارضة وحسب تكويناتها وآيديولوجياتها المختلفة تقتضى طبيعتها أن تحمل رؤى وتصورات لكيفية إدارة الدولة كل حسب برنامجها، ويضيف»هذا أثار جدلاً خلال جلسات صناعة الدستور الإنتقالى الذي تتبناه المعارضة ولكنها تخطت هذه الاختلافات فى وجهات النظر ووصلت إلى اتفاق بإجماع كل تكويناتها حول دستور إنتقالى يعرف الدولة على أنها جمهورية فدرالية ديمقراطية حديثة، قال ان رؤساء الأحزاب سيوقعون عليه الأسبوع خلال احتفالية تقام لهذا الحدث بحضور الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة، ووصف ابو عيسى ما جاء على لسان مريم «بالنفس العالي» وأنه ليس دقيقاً، وأشار إلى ان علاقات يسودها الاحترام وتقوم بأدوار متبادلة للوصول الى هدفها إسقاط النظام، على حد تعبيره، واقر أبو عيسى بوجود خلاف بين الأمة وبقية أحزاب المعارضة حول كيفية إسقاط النظام، تمثلت في «الأمة» يرى بأنه ليس جاهزاً للعب هذا الدور ولا داعي للحديث عن الإسقاط الآن، لكنه استدرك بالقول «إن هذه النقطة أيضاً تم تجاوزها. وذهب أبو عيسى في حديثه إلى ان إنهاء الخلافات بين قوى المعارضة ووضع حد لجدلها حول كيفية إدارة الدولة بعد إسقاط النظام بأنه دليل عافية، ولكن السؤال الذي سيظل مطروحا، هل ستصبح المعارضة بديلا يختاره الشعب ويثق في قيادتها، في ظل وجود هذه الخلافات فيما بينها؟ وما مدى تأثير أزمة الثقة المشار إليها في عمل المعارضة كقوة تحتاج إلى «إجماع» يمكنها من عبور طريقها الذي يبدو شائكا وتحفه المخاطر؟ يقول الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر ل(الصحافة) إن الأزمة السياسية فى السودان تحتاج الى إجماع وطنى وكما أنه لم ينفِ وجود خلافات ولكن ذكر بأنه من الضروري أن تمر المعارضة بهذه التطورات حتى تصل لاجماع حول كيفية إدارة الدولة، واضاف»نحتاج الى معارضة متجانسة تصبح البديل فى الوقت الحالي» وأشار الى أن الخلافات هي نتاج طبيعي لممارسات المؤتمر الوطنى والذى وصفه بأنه يستخدم أساليب مختلفة لزعزعة كيان قوى الإجماع عبر استقطاب أحزابها، وأشار كمال الى ان الوطني نجح في استقطاب الاتحادي الديمقراطي والآن يحاول مع الأمة، وارجع عمر علاقة «الوطني» بصراع المعارضة الى فترة وجود الحركة الشعبية في الحكم ولكنه بحسب كمال ان الخلاف تعمق مع الحزب الحاكم بعد انفصال الجنوب، وأضاف (المعارضة الآن أصبحت أكثر حاجة للوحدة وأن تكون جسماً واحداً»، وقال ان الخلاف حول الآيديولوجية «يساري يميني» هو ظاهرة صحية ولابد من وجود تباين لكن الدستور هو وسيلة للحكم، واتفق عمر مع ما جاء فى حديث أبو عيسى بأن هنالك دستوراً إنتقالياً هدفه إعادة بناء الوطن ويؤسس للحريات، الفيدرالية، الديمقراطية،، الهامش وعلاقة السودان بالجنوب. وبحسب كمال ان الإنتقال الى النقاش حول دستور البلاد الدائم يجب أن يتم فى وضع أكثر أمنا وسلاما من الآن وأشار الى «ان المعارضة انتقلت الى مرحلة نقاش الجزء الثاني من الدستور الإنتقالى»، وبالحديث عن ما إذا كانت الخلافات داخل المعارضة هي أزمة ثقة أم غياب القيادة التى تجتمع حولها كل المكونات بحيث تستطيع الخروج من أزماتها حتى لا تصبح نسخة مكررة؟ يقول د.محمد يوسف محمد مصطفى ان أزمة القيادة فى السودان تاريخية ومستحكمة ،وأشار الى أن القيادات الموجودة بكل التنظيمات السياسية هى فرضتها ظروف معينة، وتوازنات لاشأن لها بالكفاءة أو القدرات وأن معظمها جاء عن طريق التوريث أو عن طريق الصراعات والنزاعات المسلحة أو فى شكل ناتج عن مساومات لم تسلم منها عدد من الأحزاب بما فيها الحزب الحاكم ، على حد تعبيره، ،وأضاف «الطريقة التى جاءت بها هذه القيادات جعلتها لا تمتلك رؤية واضحة لإدارة الأزمة فى السودان مما يولد الخلاف من وقت لآخر» ووصف مصطفى القيادات المعارضة «بالصامتة» حيث قال «فى الوقت الذى تعانى منه البلاد من أزمات مختلفة نشهد صمتا كاملا من قبل المعارضة» ذكر مصطفى بان هذه الاوضاع سيظل السودان يعانى منها، في شكل ويلات ونزاعات فى ظل الاستمرار بالقيادات الحالية، الى حين ميلاد قيادات جديدة ذات كفاءة وقادرة على تحمل المسئولية وتنجح فى إدارة السودان والخروج به الى بر الأمان و تستطيع إقناع الناس وتحول الرؤى الى واقع .