لا شك في ان حلم كل فتاة بعد تخرجها من الجامعة أن تحظى بمقعد وظيفي محترم في مؤسسة مرموقة، كي تعيش حياة كريمة وترد جزءاً مما اخذته طوال سنين تعليمها وتقر أعين والديها بها، وفي احيان كثيرة تكون هذه الوظيفة اقرب مما تتصور ولكن ما المقابل؟ هكذا تبدأ بعض الفتيات بالتساؤل عندما يعتقد ضعاف النفوس من ذوي النفوذ في المؤسسات الكبيرة، أن البنت يمكن تسلم نفسها مقابل وظيفة، وحينما تقابل هذه الرغبات المريضة بالرفض تبدأ رحلة المشاكسة، وعلى الفتاة الا تتوقع قبولها في هذه المؤسسة او تلك لأنها لم تستجب لما عرض عليها مقابل الوظيفة، لأن ذلك يتعارض مع مبادئها، ويعتقد معظم الذين يقبلون على مثل هذه الافعال اللا اخلاقية ان الرفض احتمال ضعيف، وينطبق ذلك حتى على الحاصلات على وظيفة فهن كثيرا ما يتعرض لهذه المواقف، فالمعالجة في مثل هذه الحالات حساسة جداً، بيد ان السكوت عليها يعتبر تستراً على اخطاء لا يمكن تجاوزها. فباتت عروض الوظائف الجانبية غير المعلن عنها مصدر قلق للفتيات، في الوقت الذي يصعب فيه الحصول على وظيفة وسط آلاف الخريجين المقدمين للخدمة العامة، وحكت لنا احدى الخريجات التي قدمت للعمل في مؤسسة لها وضعها، أنها تعرضت لضغط شديد من قبل مديرها، وطلب منها اشياء لم تكن تتوقعها وغير اخلاقية على حد وصفها، ورفضت بشدة وتمكنت من اثبات احقيتها بالوظيفة بعد ان اجتازت كل المعاينات، ومؤهلاتها العلمية كانت بتقديرات مميزة، وبعد أن تم توظيفها لم يكف الرجل عن ملاحقتها واصرت هي علي موقفها، ولكن ذلك كلفها كثيراً، وكان ينتظر منها الاخطاء حتي يجد سبباً مقنعا لاذلالها وتذكيرها بانه قد يرفدها، وأن بيده أن يبقيها وتأتي وتذهب كيفما شاءت ولايستطيع أحد محاسبتها، فهو لا يفوت لحظة مناسبة ليكرر عليها طلباته الرخيصة ويسمم بدنها بحديثه الذي كان ينزل على قلبها كالنيران، ولكنها بقيت على موقفها ولم تهبه في يوم، وكل ما قالته انها لا تستطيع احترامه. وهو ليس الوحيد الذي سقط عن انظار من حوله بمثل هذه الافعال غير المقبولة لكثير من الفتيات العاملات والباحثات عن وظيفة، فهنالك من ذهبت وجلست في البيت وصرفت النظر عن توظيفها بسبب هذه المواقف وعدم قدرتها على البقاء مع اشخاص يفكرون بهذه العقلية، حيث اخبرتني رهام أنها لم تعد ترغب في العمل لأنها لا تملك الشجاعة للوقوف امام هؤلاء الاشخاص المريضين، ومن بين المواقف التي تعرضت لها انها تعرفت على شخص عن طريق الصدفة، وطلب منها أن تحضر شهاداتها الجامعية وخبراتها إن كانت قد عملت من قبل، وبعد أن تفاءلت خيراً واجتهدت في توفير هذه المستندات، تفاجأت بأن الرجل يريد مقابلاً، فالوظيفة مميزة، وطلب ان تذهب معه الى احد البيوت المشبوهة، ولكن دون تفكير اعتذرت عن كل شيء حتى الوظيفة، ووجدان لديها أسرة واخوة ينتظرونها، ولا تستطيع ان تخذلهم وتخسر نفسها، فهذا لم يكن الموقف الوحيد الذي تعرضت له، لدرجة انها اعتقدت انه لا يوجد رجل سوي، فبقاؤها في البيت ليس حلاً، ولكنها تفضله على الخروج الى العمل. ويبقى السكوت عن ذلك مع أنه يشكل واقعاً معاشاً، فالحديث عنه بصوت عال يسلط الضوء عليه ويخرج الفتيات من دائرة الانتهاكات، ولكن سكوت الفتيات نفسهن عن هذه التحرشات والمعاكسات غير الأخلاقية يزيد الأمر تعقيداً، فليس هنالك من يعبر عن هذه المشكلات بصورة أوضح الا صاحبات الشأن، فلا أحد يكتوي بنيرانها غيرهن.