ساعة الوصول الى مطار دبي الدولي.. كان صوت موسيقي يناديني (Mr. Tarig) كانت فتاة آسيوية تحمل لافتة مكتوب عليها اسمي، استقبلتني بترحاب واكملت الاجراءات في لمح البصر، ثم قدمتني لشاب انيق الهندام ظننته مدير العلاقات العامة ولكنه كان السائق الذي يوصلني الي الفندق كانت هذه بداية تفتح النفس وتريح البال.. في الاستعداد لحضور حفل الافتتاح لمعرض الشارقة الدولي للكتاب.. آه نسيت ان اقول إن هذه هي المرة التي أزور فيها الشارقة التي وصلتها مع ساعات الصباح الاولى وانتظرت لأخذ قسطا من الراحة حتى أتأمل شوارعها وناسها بلياقة ذهنية لا تعرف النعاس.. في الطريق الى مقر افتتاح معرض الكتاب بقاعة (اكسبو) كانت اللافتات الذكية تشدني اليها مع العبارة الشيقة (تذكر هذه الكلمات) او في حب الكلمة المقروءة.. ادركت سريعا ان الترويج للمهرجان تم بذكاء وكنت احرص على البحلقة البصرية في معمار المدينة فهمت ان المدينة تحافظ على تراثها الاسلامي وتحتفظ بهوية معمارية اصيلة وهذا ليس بمستغرب على مدينة تضع الثقافة في قمة اولوياتها..!! حفل افتتاح معرض الشارقة الدولي للكتاب كان مزيجا من الاناقة والبساطة في التنظيم الرائع والكلمات المعبرة والضيوف الذين تم اختيارهم بعناية وكانوا يمثلون شتى الثقافات من العالم، اعجبني قرار حاكم الشارقة الدكتور سلطان القاسمي بإنشاء منطقة حرة للنشر في إمارة الشارقة لتكون المنطقة الحرة الاولى عالميا المتخصصة في صناعة النشر وذلك ضمن مبادرته لتشجيع القراءة ودعم جهود النشر بشقيه التقليدي والرقمي.. وللمساهمة في بناء منظومة ثقافية ورفدها بالتسهيلات الكفيلة بالتحول صوب المجتمع القائم على المعرفة وكرم حاكم الشارقة الجهات الراعية والمساهمة في الدورة ال 31 من معرض الشارقة الدولي للكتاب وهي مؤسسة الشارقة للاعلام، مركز الشارقة الاعلامي، غرفة تجارة وصناعة الشارقة، مركز اكسبو الشارقة ، مؤسسة اتصالات، هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير .. وكان حفل الافتتاح عنوانا مشرقا لمعرض الشارقة الدولي للكتاب.. قوس قزح: جولة في المعرض تكشف الحضور المصري الكبير في المعرض وهذا يأتي لأن مصر هي ضيف شرف الدورة ال 31 ومثّل الامر فرصة ذهبية لكل الناشرين المصريين لعرض ذخائر الكتب والمؤلفات وابراز دور مصر الثقافي... وتميزت هذه الدورة بمشاركة دول جديدة بلغت 24 دولة تشارك لأول مرة بينها اسبانيا واستراليا وايطاليا وبولندا وتايلاند ورومانيا وصربيا والصين وكندا ونيجيريا واليونان وجملة الدول المشاركة 62 دولة مثلتها 924 دار نشر.. وحفل البرنامج الفكري المصاحب للمعرض باكثر من 130 فعالية ثقافية. وفكرية تنوعت في موضوعاتها وضيوفها وتميزت بحضور جماهيري كبير .. ومنذ الوهلة الأولى يدرك الزائر لمعرض الشارقة الدولي للكتاب انه ليس في مجرد معرض للكتاب ، بل في مهرجان ثقافي متكامل اجتمع فيه نجوم الثقافة والفكر والأدب في العالم.. مثل الدكتور أحمد جبريل، غيفين أيسلر أحلام مستغانمي، مايلك مارشال، بن سالم حميش ، عبدالله العذامي، فادي عزام، عبده خال ، جمال الغيطاني، ابراهيم الكوني، يوسف زيدان . ومن السينمائيين يحيى الفخراني، خالد يوسف ، نجوم الغانم، خالد البدور، طوني طافانا، ومن الشعراء 24 شاعراً منهم على الشعالي ، طلال سالم ، فاروق شوشة، محمد ابراهيم ابوسنة ، روضة الحاج، بالاضافة الى مشاركة 35 صحفيا من الوطن العربي تم اختيارهم بعناية، ويحسب لادارة المهرجان ان ما اعلن عنه من اسماء شارك في المعرض ولم تكن هناك اعتذارات وهذا دليل على الاهمية الكبيرة لهذا المعرض العالمي.. ومن البرامج المهمة في المعرض ، حفلات التوقيع وشهد المعرض اكثر من 70 حفل توقيع لأحدث الاصدارات العربية في الشعر والقصة والرواية والتشكيل والنقد والاعلام لمجموعة من مبدعي الوطن العربي ، واعتقد ان حفلات التوقيع كانت فرصة للكتاب للترويج عن اعمالهم الابداعية.. خاصة وان حفلات التوقيع صحبتها تغطية اعلامية سلطت الضوء على الكُتاب وابداعهم.. ومن وجهة نظري ان الاطفال كانوا نجوم هذا المعرض الذي فتح ابوابه على مصراعيها للاطفال واعطى فرصة حقيقية لإثراء وعي الطفل والبحث عن مواهبه والعمل على صقلها من خلال مجموعة من الفعاليات، وكانت هناك مجموعة من ورش العمل الفنية ومنها تشكيل الطين على هيئة الخيول (ورشة الخيول وورشة (ابيض واسود) عن الحفر وورشة جماليات الخط العربي (بوح القلم)واعطى المعرض اهتماما خاصا للاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من المكفوفين من خلال ورشة (لغة الاشارة) وكان الاطفال حقيقة هم نجوم المعرض، ورأيتهم وهم يحضرون زرافات ووحدانا بزيّهم المدرسي بصحبة معلميهم ويصطفون في لوحات انيقة زينت المعرض وكانت برامج الطفل اكثر من 250 فعالية تنوعت ما بين الثقافة والانشطة المسلية فضلا عن الفعاليات الابداعية.. وهنا لا انسى الدور الكبير الذي تقوم به دار (كلمات) في الشارقة في نشر كتب الاطفال والاحتفاء بأدب الطفل وصاحبة الدار هي الشيخة بدور القاسمي وهي ايضا رئيسة اتحاد الناشرين وقد حظيتُ بمقابلة الشيخة بدور وهي شخصية تتميز بالتواضع والايمان العميق برسالة الثقافة والتنوير وتحمل هم ثقافة الاطفال في نشرها لروائع كتب الاطفال عبر دار كلمات التي اصبحت من دور النشر التي يشار لها بالبنان في الوطن العربي تحية واحتراما للشيخة بدور القاسمي لما تقدمه لساحة الثقافة والنشر في الوطن العربي.. أسود وأبيض: من الاشراقات التي قدمها المعرض حفل التوقيع المحضور للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي حيث دشنت روايتها الجديدة (الأسود يليق بك) وكعادتها لفتت أحلام الانتباه وجذبت الجمهور وتدافع المئات ليظفروا بتوقيع من روايتها الجديدة وكان في الانتظار اكثر من 700 شخص، واصرت أحلام علي الانتظار حتى توقع لآخر شخص وهذا درس في التواضع لبعض اشباه النجوم الذين لم يسمع بهم احد ولكنهم مريضون (بوهم النجومية)، أحلام مثقفة من طراز خاص تكن حباً خاصاً للسودان وقد التقيت بها اكثر من مرة خلال هذا المعرض ودعوتها لزيارة السودان واكدت موافقتها وسعادتها بزيارة السودان واهدتني أحلام ديوانها الجديد وزينته بإهداء خاص ولم تنس ان ترسل تحيتها لجمهورها في السودان. ومن اشراقات أحلام مستغانمي ، كنت مع احباطات المشاركة السودانية في معرض الكتاب الدولي بالشارقة كانت مشاركة اقل ما توصف به بأنها خجولة.. ولن اتحدث عن مشاركة روضة الحاج ولا مشاركة نور الهدى عبر دار عزة للنشر هذه مشاركات فردية ما اقصده هو التخطيط لمشاركة سودانية رسمية من وزارة الثقافة في هذا المعرض الذي كان يمكن ان يشكل فرصة لتحسين صورة السودان.. الحروب التي تدور في سوريا لم تمنع اكثر من 50 دار نشر سورية من المشاركة ولكن السودان كان غائبا .. اين الخلل في وزارة الثقافة أم في قنصلية السودان وسفارته في الإمارات إمارة مثل الشارقة فيها الثقافة هي الهم الاول لأن حاكمها في عام 1979م ، قال انه اوقف ثورة البنيان وبدأ الثورة الثقافية ولكن يبدو ان سفارتنا هناك لم تسمع هذا الكلام وما زالت غائبة عن المشهد الثقافي في الشارقة ويحضر القنصل هناك اي المعرض (متخفيا) والملحق الاعلامي غائب، واظنه لم يسمع بمعرض الكتاب ، ليس ذلك فحسب، بل ارتكبت الوزارة خطأ بروتوكوليا ودبلوماسيا وكرمت روضة الحاج دون اخذ اذن من الجهة التي دعتها واستضافتها.. وهنا ادعو السيد وزير الخارجية لمراجعة امر هذه السفارة في الإمارات لأنه اتضح لنا ان من يقوموا على امر هذه السفارة لا يحسنون تمثيل السودان لأن حكومة الشارقة تكن تقديرا خاصا للسودان واذا تلقت طلبات سودانية للمشاركة لن تتردد في قبولها، وحاكم الشارقة هو الذي بادر ببناء قاعة الشارقة في الخرطوم قبل عدة سنوات، ومطلوب من وزارة الثقافة عندنا ان ترتفع الى مستوى المسؤولية الوطنية.. لأن ما حدث في الشارقة من غياب السودان لا يليق بنا وتمنيت ان يقوم السيد عيدابي مستشار حاكم الشارقة بمبادرات من اجل الوطن ولكنه يحبس نفسه في اطر ابدولوجية ضيقة يضيع بها الكثير على الوطن ويسهم في جعل مشاركة السودن خجولة.. وبعيدا عن مشاركة السودان الخجولة فإن مهرجان الشارقة للكتاب حقق نجاحا كبيرا تنظيميا وجماهيريا وثقافيا واعلاميا ، فتحية للذين بذلوا الجهد وواصلوا الليل بالنهار حتى حقق المعرض النجاح المأمول ... [email protected]