حملت ملامح قانون الصحافة والمطبوعات للعام 2012 فى مسودة الإقتراح التى تم عرضها فى منضدة البرلمان صورة أكثر سوداوية لمستقبل الصحافة فى البلاد بحسب مراقبين ومهتمين بالشأن الإعلامى وصفوا المسودة بالكارثة لاحتوائها على كافة أشكال التضييق على الحريات الصحفية ووضعها لقيود جديدة اسوأ من سابقاتها فى قانون 2009 والذى شهد جدلاً كبيراً، ومخالفة عدد من بنوده للدستور، فقد كشفت تصريحات برلمانية ان لجنة الإعلام بالبرلمان أقرت جملة من العقوبات تقرها المحكمة و مجلس الصحافة و المطبوعات على رؤساء التحرير- الصحفيين و الناشرين تشمل هذه العقوبات الإيقاف لمدة لا تتجاوز ال (10) أيام و سحب الترخيص من الصحيفة و المطبعة بموجب المسودة الجديدة للقانون و أن توقع عقوبة الغرامة و إيقاف المطبوعة بالفترة التي تحددها و قد ذهبت العقوبات لسحب السجل الصحفي و جوزت للجنة الشكاوى بمجلس الصحافة بإلزام الصحيفة بالإعتذار و التأنيب و نشر قرار اللجنة بالمخالفة. وجدت هذه التصريحات المتعلقة بقانون الصحافة الجديد انتقادات وتباينات من عدد من الصحفيين والمتهمين بالشأن القانوني و أسموا ما أقرته من جملة عقوبات تصل حد سحب القيد الصحفي و توقيف الصحفي بوأد المؤسسات الصحفية، أبرزها ما قاله رئيس إتحاد الصحفيين السودانيين محي الدين تيتاوي بأنهم لا يقبلون بأي تعسف أو تضييق للحريات الصحفية، مؤكداً على ضرورة عرض مشروع قانون الصحافة الجديد على الصحفيين ليشاركوا في صياغته آملاً ألا يكون هنالك تضييق على حرية الصحافة و الصحفيين» ،واضاف تيتاوي في حديثه ل(الصحافة) «بحسب مسئوليتنا الصحفية لا نقبل أن يكون القانون مقيداً للحريات، و لا نأمل أن يكون هنالك تضييق في حق الصحافة و حرية الصحفيين»، فيما يصف الخبير القانوني الدكتور نبيل أديب العقوبات المفروضة على الصحف فى البلاد بانها نوع من الرقابة المقيدة للحريات، واوضح نبيل فى حديث ل «الصحافة» عبر الهاتف امس انه حالياً يترافع فى طعن مقدم للمحكمة الدستورية حول سلطة إيقاف الصحف من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطنى، وقال اديب ان ايقاف الصحف من حيث المبدأ مخالف للدستور بحسابات ان ايقافها بحظر نشر «مقال او خبر او اى مادة تحريرية فى الصحيفة» بصورة عشوائية دون ان يكون هناك معيار ثابت، واشار الى ان الايقاف يجب ان يتم لاغراض السلامة والاخلاق العامة والامن القومى، واضاف «عندما تغلق صحيفة فإنه يصادر منبر للنقاش ونشر المعلومات» لافتاً الى ان حرية الصحافة تقوم على مبدأ حرية التعبير المكفولة فى وثيقة الحقوق الأساسية فى الاعلان العالمى لحقوق الإنسان، وتساءل أديب عن تطبيقه بصورة صحيحة وقال « الى اي مدى يتم تطبيق الدستور فى البلاد» وقال اما ان تأخذ المحكمة الدستورية دورتها الكاملة او ان تتحول الى مجرد أداة فارغة، وتابع هذا القانون السارى للصحافة والمطبوعات غير دستورى واذا تم تعديله بمقترحات هذه المسودة سيصبح أسوأ من سابقه، واضاف» أنا ليس لدي مشكلة مع عقاب الصحفيين بموجب حكم قضائي إذا ثبت أنهم إرتكبوا جرائم عن طريق النشر على ان لا يمتد ذلك لعقاب إداري، منع الصحفي من الكتابة أو الصحيفة من الصدور و لا إيقاف المطبعة و لا يجوز للقانون المساس بحرية الصحافة المُقرة بوضوح في دستور السودان كما أن سحب القيد الصحفي من الصحفي يعتبر بمثابة الحكم بالإعدام عليه لذلك نؤمن على أن يكون العقاب بواسطة المحكمة وليس مجلس الصحافة بناء على حكم موجود لا تحدده المحكمة لأن هذا غير دستوري» فيما عبّر الكاتب و الصحفي نور الدين مدني عن أسفه من النص على العقوبات التي حملها مشروع القانون الجديد و قال في حديث ل (الصحافة) عبر الهاتف امس: مشروع القانون الجديد بما أقره من عقوبات يعتبر أمراً مؤسفاُ إلا أنه كان متوقعاً في ظل التعديات التي ظهرت أخيراً على الصحف و قد نبهنا مراراً أنه ليس من مصلحة الحكومة التضييق على الصحافة و الصحفيين و كنا نتوقع إنفراجاً أكثر في الحريات حتى يتضافر جهد الجهاز التنفيذي - التشريعي و السلطة الرابعة من أجل مواجهة التحديات التي تواجهها البلاد إلا أن القانون الجديد يقيد المؤسسات الصحفية و يحِد من قدرتها على توصيل رسالتها للوطن و المواطنين إذ يعتبر هذا أسوأ مشروع قانون ولا بد من مراجعته و عرضه على الصحفيين - المؤسسات الصحفية والسياسيين لمزيد من التشاور لأن هنال تحديات و مشاكل داخلية و خارجية تتطلب مزيداً من الحريات و ليس التضييق على الحريات. الا ان الإعلامى والخبير الاعلامى والكاتب الصحفى الدكتور ربيع عبدالعاطى يرى ان المخرج الحقيقى لقضايا الصحافة والمطبوعات يتمثل فى تحقيق الضوابط المهنية والعلمية فى المقام الأول قبل محددات العقوبات، وقال عبدالعاطى ل «الصحافة» عبر الهاتف أمس ان اصلاح الصحافة عبر العقوبات أمر غير موفق وينبغى التمسك بشروط المهنة بإعتبارها الأساس الحقيقي لمعالجة القصور والسلبيات وذلك بتحقيق الشروط المهنية فى مختلف المستويات بدءاً من الناشر ومقدرة المؤسسات الصحفية على الإيفاء بإلتزاماتها ومعايير ممارسة المهنة للصحفى من حيث القدرات والمهارات والإلتزام بميثاق الشرف المهنى، واضاف اعتقد انه اذا قامت صحافة بهذه المقدرات والمحددات فلن تكون هناك اى مشاكل وشروط ورقابة قبلية او بعدية تحد من طبيعة العمل الإعلامى بصورة عامة والصحفى بصورة خاصة بإعتبار ان الصحافة هى عملية ليست عشوائية وانما تمثل حركة مسؤولة لها علاقة وثيقة بالدولة والرأى العام، وأشار عبدالعاطى الى ان الصحف فى الفترة السابقة لم تلتزم بخط محدد وقال «فى إعتقادى ان الصحف فى الفترة الماضية غير محددة الاهداف وليس لها خط معين» الا انه قال قبل مسألة العقوبات ينبغى ان تكفل للصحافة الحرية اللازمة وعدم الضغط على الصحفيين للكشف عن مصادرهم بحسب القانون الا ان هذا يتطلب ايضاً مواصفات للصحف وشروط للصحفيين ومؤسساتهم. يأتى هذا التضييق متزامنا مع حراك عالمى وإقليمى كبير لبسط الحريات المختلفة وخاصة الإعلام، وتشهد بريطانيا هذه الأيام حراكاً فعالاً بشأن الاعلام فى أعلى مستويات الحكومة وذلك بإعلان رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون عن تأييده لفكرة إحداث نظام مستقل «للإعلام» وفعال يتمتع بثقة العموم- فيما يطالب نائبه بوضع نظام قانوني لتنظيم القطاع- وهو المقترح الذي يواجه معارضة شرسة في أوساط المهنيين وعدد من الفاعلين السياسيين، وليس بعيداً عن هذا الحراك مصادقة المجلس الوطني لإقليم كردستان العراق «البرلمان» على قانون تنظيم العمل الصحفي للمرة الثانية بعد إجراء تعديلات وصفت بالجوهرية ، بعد سحب عقوبات مشددة على الصحف والصحفيين منها سجن الصحفيين وإغلاق المطبوعات في حال مخالفة القانون، وحظي التعديل بموافقة جميع النواب الذين حضروا الجلسة باستثناء نائب واحد من رجال الدين، اعترض فقط على عدم احتواء القانون على فقرات تعاقب الصحفي في حال تجاوزه التقاليد والآداب العامة.