أقام منتدى السرد والنقد بالمستشارية الثقافية الايرانية في منتداه الاسبوعي أمسية احياءاً لذكرى الراحل القاص والروائي بدرالدين عبدالعزيز الذي كان رحيله في العام 2009 وبدر الدين تشير سيرته الى مولده بمدينة ملكال وحائز على الجائزة التقديرية الثانية في مسابقة الطيب صالح للابداع الروائي في دورتها الخامسة عن روايته أبقار ديتانق الجميلة « مركز عبدالكريم ميرغني « وقد وعد المنتدى بطباعتها ...بدر الدين له مخطوطات روائية وقصصية غير منشورة نذكر منها رواية ( خريف السافنا الموحش ) ، إمرأة تحترق ) ، ( دوائر مفرغة ) ، ( قافية على النيل الأبيض ) ، ( البحث عن شكل آخر للحياة ) ، ( أبقار ديتانق الجميلة ) ومجموعتيه القصصية ( الأرض الحمراء ) و(ذات الرداء الكريستالي ). قدمت خلال الجلسة افادات حول الراحل من الأستاذ عبدالرحمن جادين والأستاذ أحمد أبو حازم والأستاذ حاتم الكناني وجاءت ورقة الأستاذ عادل سعد كورقة أساسية تحت عنوان أبقار ديتانق الجميلة ? كروحك تماماً ... تنجز حضورها أيضاً ... مقاربة في ذكرى رحيلك ... أشارت الورقة في بدايتها الى : - أن الرواية السودانية الجديدة تصاعدت وتيرة عمليات التنقيب فيها في متون التاريخ وفي الذاكرة الثقافية وتصاعدت فيها أيضاً حالة الكشف التنقيبي عن مضمرات التاريخ ( ابراهيم اسحق في استبطان المحلي وأسطرته واستعارة التاريخ عند حسن البكري في أحوال المحارب القديم ) وظلت معظم الروايات الجديدة تتسم باحتفالية يقينية بالمكان وتحول هذا المكان الى آلية من آليات البقاء والنظر في تشكله وأحقابه والمتغيرات عبر محاورة مكونه التاريخي رواية أبقار ديتانق الجميلة تسعى لاستعادة المكان « ديتانق « مستعيدة الذاكرة الثقافية الأسطورية المغايرة والمختلفة للذاكرة المهيمنة في محاولة لتجاوز سياجاتها المحكمة والضاغطة ..تنطلق هذه المقاربة من النظر في ملامح الملحمية من حيث المكان كفضاء تنهض عليه الأحداث ومن حيث تشكل البنية التاريخية والفنية والرمزية الأساسية للرواية ... تقوم رواية ديتانق على تسريد الصراع التاريخي بين الآلهة والانسان أي بجعله حالة سردية تستجيب لمقومات ومنطلقات مفهوم السرد ومن خلال هذا اختبرت هذه المقاربة ثلاث مهيمنات في بناء الرواية كحضور ملحمي مكتنز هي : المكان كفضاء مستعاد ، الحدث الكبير كمرجعية تاريخية ، الحس العجائبي والأسطوري .. ينهض النص بكليته على المكان المتعين والمستعاد عبر مخيلة معبر عنها في أنساق تنتظم عناصر السرد ببراعة ولا تسقط في السرد التاريخي ، بل يتحقق النص بخصوصيته الابداعية في فضاءات المخيلة ذات الاتساع المؤسطر ... لقد أولى السارد للمكان أهمية كبيرة لكونه يؤطر أحداث ووقائع الرواية ، ويحيل على أمكنة واقعية معروفة لدى المتلقي مثل ملكال ديتانق ، خور المك ، هذه الأمكنة تغني الرواية بدلالاتها الواقعية والرمزية وتحفز الذاكرة باستدعائها ... وتفترض المقاربة أن الحدث الكبير أي الواقعة التاريخية هي اختطاف شأن جوك واسترقاقه ومن ثم هروبه ، وما لاقاه من عقبات خلال الهروب الكبير وهو يفر مختطفاً أخت سيده يبرز هذا الحدث من خلال ذكريات الحفيد الذي عبره يستعيد الراوي الحادثة ، دافعاً بها الى السطح كمركزية ، محققاً عبرها شبكة الخطاب الروائي ومهيئاً لدور الحفيد الفاعل في بنية الصراع .. واذا كان التاريخ حكاية تتألف من أحداث وشخصيات ومواقف فان المخيلة هي التي تخلق الميثوس أي الحكاية وفق ترتيب الحوادث بمعنى أن حوادث الواقع تنتج عبر صيغة سردية هذه الصيغة السردية مستخرجة من الأحداث نفسها اذاً الحادثة الكبرى في الرواية هي المسكوت عنه في التاريخ المستند للوقائع ? تاريخ الاسترقاق في السودان ? يقول الراوي {داهمه احساس بالغبن وهو يتذكر قصة جده الكبير شان جوك عندما خطفته جيوش البانجر المرتزقة واقتيد صوب مهابط النيل وكيف ابتلعه بحر الرق . هناك فقد احدى قدميه تحت وطأة ضغط سلاسل الحديد . وفقد احدى عينيه عندما ثار مهاجماً سيده . وهكذا تناثرت أعضاؤه الواحدة تلو الأخرى . الى أن أصبح يملك من كل زوجين من الأعضاء عضواً واحداً فقط . وبرغم ذلك استطاع أن ينتصر أو هكذا أحس وهو يختطف مولاته قسراً ابان قيام الثورة المهدية ويفر بها صاعداً النيل في رحلة الإياب }. وعبر تلك العودة يتحول المسترق الى مسترق للجدة ومن خلال هذا الاسترقاق يظهر الجيل الجديد ، جيل الحفيد ، الذي لا يشبه أباه ، إنه الهجين المكرس للتهميش بلونه الغريب . وبالنظر الى النص الروائي نجد الكاتب استطاع تحبيك التاريخ بطريقة سردية ويعلن اشتباكه المستمر بالتاريخ في نصه الروائي ، دافعاً بالنص نحو انجاز كتابة تتسم بالتاريخ الاجتماعي للهويات المعنية بالتحديد قبيلة الشلك السودانية وكحالة رمزية يمكن النظر من خلالها للكل السوداني . السودان في جانب من جوانبه التاريخية منجز عبر حضارتين كبيرتين الحضارة الكوشية النبتية والحضارة الأفريقية وهما تتسمان بكثير من المرجعيات الثقافية ذات الأنساق الأسطورية .. تبدأ الرواية بحلبة الرقص الطقوسي عبر حضور الاله الفرعون نصف الاله الكوشي النبتي وهو تجلي أمون رع .. تقاليد الرقص عند الشلك صيغة مشابهة للتقاليد النوبية النيلية القديمة ، وبذلك يبرر وجود أمون رع النبتي ، وبهذه الصيغة يتداخل النص الاسطوري والعجائبي عبر دمج الملمح التاريخي بالفانتازيا ... ومن خلال حضور آمن يحضر اله آخر هو نيكانق البشري المتحول في الثقافة المحلية عن قبيلة الشلك ... وبالنظر الى الاله نيكانق عند الشلك كمعتقد متكامل الاله كلي القدرة في مقابل الانسان ، نستطيع فهم الصراع وأبعاده المعرفية والمرجعيه في النص مستعيدين فكرة الصراع الأزلي بين الانسان والاله حيث أن الصراع انعكاس للوعي الجمعي لتداخل وتعدد أنماط التشكلات الاجتماعية والسياسية في المكان . وفي ختام الورقة أشار الى أن بدر الدين يؤسس مع عدد من الروائيين السودانيين كتابة سودانية نافذة الى بنى الواقع في خطاباته المتكلسة ، يحفرون بعيداً في نقد الذات وكشفها ومن ثمة رج المسلمات التي طالت اليقين الزائف للحقيقة ، يؤسسون روايات تجسد منعطفات تاريخية ذات ألق جمالي.