بات بعض المواطنين يفضلون الحصول على سلع ومنتجات رخيصة مقارنة باسعارها المتداولة في السوق، ومعظم تلك المنتجات تتسرب من بعض المنظمات الخيرية التي تتحصل على اعفاءات جمركية ورسوم مخفضة ومعاملات بسيطة استثنائية، ومع شكاوى التجار والشركات التجارية من تلك الممارسات التي دفعت بالبعض الى حافة الافلاس في ظل منافسة اقتصادية غير متكافئة، فإن تقرير المراجع العام فتح الباب واسعاً امام عمل تلك المنظمات. وكشف المراجع العام في تقريره المقدم للبرلمان عن وجود اكثر من «587» منظمة تتحصل على اعفاءات جمركية بناءً على اتفاقيات مبرمة بين هذه المنظمات والحكومة، مشيراً الى أن تلك المنظمات تستفيد من تلك الاعفاءات، ولفت المراجع العام الى أن تلك المنظمات ازداد عددها مع عدم وجود آلية لمتابعة حجم الخدمات التي تقدمها هذه المنظمات نظير تلك الاعفاءات، وفي ختام ملاحظته اوصى المراجع العام باعادة النظر في تلك القوانين والاتفاقيات الخاصة بالاعفاءات والوقوف على جداوها والافصاح عن آثارها الاقتصادية. وحسب قول احد المختصين في مجال عمل المنظمات فإن معظم المنظمات الخيرية تنشط في مجال تقديم الاعانة الصحية والطبية، مؤكداً ان العمل الصحي الخيري يعتبر احد الميادين الرئيسة لعمل تلك المنظمات، بيد أن شركات الادوية واصحاب الصيدليات يشكون مر الشكوى من دخول تلك المنظمات في عمليات تسويق واستيراد بعض الادوية، ونقلنا شكاوى اصحاب الصيدليات وشركات الادوية الى الامين العام لجمعية حماية المستهلك ياسر ميرغني، حيث قال ان كل الفوضى الحاصلة في سوق الدواء تتحملها المنظمات، مشيراً الى ضرورة توحيد قنوات إدخال الادوية الى البلاد، مطالباً بالرقابة على تلك المنظمات. واشار الى أن الاخبار المتواترة عن دخول ادوية اسرائيلية للبلاد تأكيد على ان منافذ دخول تلك الادوية لم تتم بالطرق المعروفة وانما عن طريق منظمات. ولفت ياسر ميرغني الى ان البلاد باتت مكباً للنفايات، مشيرا الى ان دواءً فترة صلاحيته تبلغ ثلاث سنوات يدخل البلاد وتكون فترة صلاحيته تبقى لها شهران، مضيفاً انهم يتبرعون بها لكي ندفنها لهم في بلادنا، وتساءل ياسر ميرغني لماذا لم يفتح النائب العام بناءً على تقرير المراجع العام بلاغات ضد تلك المنظمات، وشدد الامين العام لحماية المستهلك على ضرورة ايقاع عقوبات رادعة على كل منظمة تمارس اعمالا تجارية وتدخل ادوية منتهية الصلاحية، منوهاً بانتهاء المجاملات ممن شاكلة «عفا الله عما سلف» و «باركوها»، مشيرا الى ان تلك الممارسات تؤدى الى افلاس شركات وافراد يعملون في تسويق الادوية نتيجة ما يدفعونه من ضرائب، بينما تلك المنظمات تستفيد من الاعفاءات. ودعا ياسر ميرغني الى تقليل عدد تلك المنظمات في العام المقبل الى «50» منظمة فقط، وفي العام الذي يليه الى صفر. وكان بعض العاملين في السوق يشكون من دخول تلك المنظمات الحاصلة على اعفاءات الى مجال العمل التجاري الذي يحكم بضوابط ودفع ضرائب ورسوم نظير ممارسة العمل التجاري، ويؤكدون اختلال مبدأ الحرية الاقتصادية الذي تقوم عليه سياسات الدولة الاقتصادية، مشيرين الى تضررهم من تلك الممارسات التي ستؤدي الى خروج عدد كبير من التجار والشركات من ساحة العمل التجاري وربما افلاسهم، واحلنا تلك المخاوف الى الخبير الاقتصادي واستاذ الاقتصاد بجامعة السودان عبد العظيم المهل الذي قال إن تلك المنظمات في بداياتها كان عددها كبيراً مما ادى الى وقوع اشكالية بين تلك المنظمات ووزير المالية الاسبق عبد الوهاب عثمان، الذي استطاع بقوة شخصيته ومنهجه أن يحد من صلاحيات واعفاءات تلك المنظمات، مؤكداً مقدرة بعض تلك المنظمات تعمل، واصفا إياها ب «المنظمات النافذة». وأكد المهل ان هناك آثاراً سلبية لعمل تلك المنظمات في السوق وصفها بالنتائج الكارثية على الاقتصاد السوداني، لكونها تعمل في السوق مع منافسين في نفس مجالها وتتمتع بامتيازات، منوها بأن ذلك ادى وسيؤدي الى خروج هؤلاء المنافسين من دائرة المنافسة، وأبان أن خروج هؤلاء التجار من العمل يعني انخفاض الايرادات الضريبية وستتحمل الدول عبء ذلك، مشيراً الى عدم مقدرة تلك المنظمات على تغطية حاجة السوق الفعلية، مؤكداً أن السماح لتلك المنظمات بالعمل يكون فيه اتساع فرص الفساد، وفي ذلك محاباة للدولة لبعض الناس دون الآخرين. ويلفت المهل الى ان السماح لتلك المنظمات بالعمل فيه آثار سياسية سالبة، اذ تعطي انطباعاً عاماً بعطف ومحاباة الدول لمنظمات موالية لها دون الاخريات. ويرى المهل ان المخرج من ذلك الوضع يكون عبر معاملة كل تلك المنظمات بقانون واحد هو قانون السوق عبر اخضاع الجميع لنفس الضرائب والرسوم لتتحقق العدالة، مشيراً الى ان عدم اتباع الدولة مفاهيم العدالة يعني احتكار الدولة لنفسها، مما يرسل اشارات بعدم وجود عدالة او شفافية مما يقود الى الفساد، مشيراً الى أن القضية ليست وجود قانون او عدمه، فالقانون موجود، ولكن لا توجد الارادة القوية لتنفيذ القانون ضد منظمات نافذة، وطالما اوصى المراجع العام باعادة النظر في القوانين والاتفاقيات الخاصة بالاعفاءات والوقوف على جدواها، فإننا سألنا الخبير القانوني عماد جلجال عن امكانية ذلك، فقال: في البدء لا بد من طرح سؤال مهم هو: على اي اساس منحت الحكومة تلك الاعفاءات؟ هل كان لمصلحة البلد؟ وهل ادت دورها كاملاً خصوصاً دورها الفعال تجاه البلاد؟ وما هو الهدف من تلك الاعفاءات؟ وهل لتحل تلك المنظمات محل الاجنبية؟ وما هى تلك الاعتبارات؟ وهل تلك المنظمات اجنبية ام وطنية؟ وتفتح تساؤلات الخبير القانوني جلجال الباب واسعاً أمام السؤال عن ماهية تلك المنظمات وما هى تلك الاعفاءات التي حصلت عليها وما مدى نفوذها على كافة الاصعدة؟ واذا كان المراجع العام في تقريره امام البرلمان لم يستطع الاشارة الى اي من اسمائها او معرفة تفاصيل ما تفعل.. فيا ترى من يملك الاجابة عن تلك التساؤلات السابقة؟