عاد إلى أرض الوطن قبل خمس سنوات كثير من المغتربين عودة نهائية، وهم على قناعة بأن الأوضاع أضحت جيدة ومهيأة للاستقرار بعد اتفاقية السلام، وتدفق النفط، وتحقيق الاستقرار بالنيل الأزرق وجنوب كردفان، ومسارعة الخطى لحسم قضايا دارفور، بعد ان استقر الشرق، كما أن صفوف المهاجرين والمغتربين في الموانئ البحرية والجوية تراجعت بشكل ملحوظ، غير أن تحولات كبيرة حدثت عقب انفصال جنوب السودان، الذي ترك الفرقتين التاسعة والعاشرة بجنوب كردفان والنيل الازرق، لتشتعل المعارك، ويفر نائب والي جنوب كردفان عبد العزيز الحلو، وقبل ان تتدارك الخرطوم خطورة الخطوة لحق به رفيقه ماك عقار تاركاً ولاية النيل الازرق بلا رجعة، لتشتعل النيران في كادوقلي والدمازين، قبل أن تصبح جوبا عاصمة دولة عضو في الاسرة الدولية. المهم أن كثيراً من المغتربين عادوا في تلك الفترة التي شهدت استقراراً سياسياً «معقولاً»، كما شهدت استقراراً في سعر صرف العملات الأجنبية، فضلاً عن عمليات التنمية المعلن عنها، وكان قادة الدولة يقولون لو قدر للجنوب ان ينفصل فإنه لا مشكلة، بل سينطلق السودان بكل قوة ولن يتأثر بتبعات الانفصال، وحينما وقع الانفصال كأنه قد اتى كالمفاجأة غير المتوقعة لقادة الدولة، وهذا أمر عجيب وغريب. وبعد الانفصال جرت مياه كثيرة تحت الجسر، حيث توترت الأوضاع السياسية والعسكرية في جنوب كردفان والنيل الازرق، واصبح الجنيه السوداني «ملطشة» في وجه العملات الأجنبية، وطارت الاسعار وحلقت عالياً، ومازالت تعيش في برجها العاجي. والآن تعود الصورة بشكل عكسي لتتطاول من جديد صفوف طالبي الهجرة والاغتراب الى أي مكان، فيما الغى كثير من المغتربين خطط العودة النهائية، بل علق الامر كله بمستجدات الاحداث في السودان، واضحى المغترب المغلوب على أمره يتابع الاخبار وتفاصيلها الدقيقة، لعل بارقة امل تلوح في الافق لتشكل نواة عليها يبني من جديد اساس العودة النهائية.. نعم أصبح المغترب يحلل زيارة وزير دفاع دولة الجنوب، للحد الذي يجعله يقول لك: «الرجل عاد الى جوبا وشكلو زعلان».. ويطيل الحديث عن زيارة باقان أموم الى الخرطوم، الخ التفاصيل.. ليعود ويحدثك بمرارة بأن كادوقلي اليوم ضربت بصواريخ الكاتيوشا، وأن مسلحين اقتحموا محكمة الفاشر وهربوا متهمين بكل جرأة.. وان الريال في بورتسودان وصل مبلغ «2 جنيه»، وان منظمة الصحة العالمية اعلنت عن ان السودان منكوب بمرض الحمى الصفراء، وان اضرابات دارات في جامعة الجزيرة، وان هناك اربعة طلاب قتلى.. ويتحدث البعض عن ازمة مواصلات بل وأزمة ضمير. وحتى لا يظن البعض أن معشر المغتربين يعيشون في سعادة غامرة، سأحدثكم ان شاء الله في الاسبوع القادم عما يجري من «عذابات بل ومضايقات» يعيشها المغتربون في ديار الاغتراب.. والسلام على من اتبع الهدى.