ان الإعلام بمفهومه البسيط هو نشر الوقائع والآراء والأحداث في صيغ مناسبة، مسموعة أو مرئية وبواسطة الرموز والوسائل التي يفهمها ويتقبلها الجمهور وهو بذلك يكون أداة الاتصال الحضارية التي تخدم المجتمع البشري خدمة جليلة وتقرب المفاهيم وتشيع بينهم الأخبار والوقائع للتكيف إزاءها واتخاذ ما يناسب من مواقف ولا يتأتى هذا إلا بوجود حرية إعلامية!!! أما حرية الإعلام والصحافة فقد أصبحت بديهية لا ينازع فيها أحد وضمانها نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونصوص الدساتير المتتابعة والتي تأكدت بصفة خاصة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر سنة 1948 وتفسير معنى حرية التعبير يختلف اختلافا كبيرا عند التطبيق من دولة إلى أخرى إذ تعتبر بعض النظم السياسية أن حرية الإعلام والصحافة هي حجر الزاوية في الديمقراطية وتحميها بالقانون، في حين قد تقيد هذه الحرية في بعض النظم الأخرى وفق ما تراه السلطة الحاكمة ، كما أنها قد تعتبر أنه لا حرية لأعداء الحكومة في قول مايريدونه!!!! وحرية الإعلام والصحافة تعني حق الحصول على المعلومات من أي مصدر ونقلها وتبادلها والحق في نشر الأفكار والآراء وتبادلها دون قيود والحق في إصدار الصحف وعدم فرض رقابة مسبقة على ما تقدمه وسائل الإعلام إلا في أضيق الحدود وفيما يتصل بالأمن القومي ، مع تحديد نطاق ذلك ،والأمور العسكرية وما يتصل بحرمة الآداب العامة. ان حرية الحصول على المعلومات وحرية تداولها والاستفادة منها واعتبار ذلك حقاً لكل فرد في المجتمع وحق الفرد في حرية التعبير، وفي أن يعلم ويُعلم، وفي حماية خصوصيته وحركته، وحقه في الانتفاع بموارد المعلومات وحق المؤسسات الإعلامية في الانتفاع بموارد المعلومات وحرية التعبير، و في النشر وحرية الحركة، وعلى النطاق الدولي، حق كل الدول في أن تعلم، وفي ضمان التدفق الحر والمتوازن للمعلومات، وفي حماية ذاتيتها الثقافية ونحن في السودان في حاجة الى صناعة إعلام بطريقة مختلفة مما يحدث الآن في هيئات الإعلام الرسمية وصحافة الحكومة و الصحافة الخاصة فالكل فشل في اداء رسالة اعلامية تصل الى المجتمع وتشاركه همومه والانتفاع بها وقد يبدو هذا الفشل متزامنا مع فشلنا على جميع الاصعدة فقد فشلنا في ان نتقبل وجوه وسحنات بعضنا وفشلنا في حب بعضنا البعض وفي تقبل بعضنا البعض و فشلنا في ادارة اقتصادنا وسياستنا في احترام انفسنا وقعد بنا ذلك في اسفل سافلين وقد يبدو الفشل في الاعلام الرسمي متوافق مع طبيعة النظام السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة وتتعلق ببنية النظام وسياساته وبالتشريعات والقوانين والأنظمة، وبالواقع الطبقي والاقتصادي الذي يسيطر، وبفقدان القيم والأخلاق في المجتمع وبالمرحلة التي وقفت عندها التنمية، وبفقدان الحرية والديموقراطية والتعددية والاعتراف بالآخر. ان السياسة الإعلامية التي تدير بها حكومة الانقاذ الاجهزة الاعلامية في انها محكومة بشروطها، بفئاتها وافرادها واتجاهاتها وتوجهاتها ، وأدواتها التي تعبر عن آرائها فقط متجاهلة امتداد هذا الوطن وتنوعه وخبراته المتوارثة لم يتحقق من ذلك الا أن الأجهزة الإعلامية قد اصبحت ناقصة ومشوهة وغير قادرة على القيام بوظيفتها، مما يؤدي إلى وجود حاجز بين الدولة والمجتمع وبين فئات المجتمع نفسها، وبالإجمال فإن وضع السياسة الإعلامية وتنفيذها كان يقتضي توفر جملة من الشروط ذات ارتباط بحق الاتصال وبالحرية والديموقراطية والتعددية، مما أثر بصورة مباشرة على العملية الإعلامية برمتها. لم تهتم الحكومة بالسياسات الأتصالية والإعلامية التي تتماشى مع تنمية المجتمع وبناء الأمم ، وغالباً لم يكن هناك تصور مسبق لأهمية هذه السياسات ولا لتطبيقاتها، وتركت المسألة للممارسة والعفوية والتراكم وغيرها، وفي ضوء ذلك يمكن تصور عمق الفشل والخسران!!!!! إن عدم فهم السياسة الإعلامية التي كان يمكن ان تواكب التنمية وترتقي بالمجتمع، وعدم الاعتراف بحق جميع فئات المجتمع، ، في المشاركة بوضع هذه السياسة، وعدم الاعتراف بأن ملكية الدولة لوسائل الإعلام تعني ملكية الشعب كله، أدى في الغالب الأعم إلى وجود سياسة إعلامية لا تستوعب حاجات المجتمع ، وترك الأمر للمبادرات والاجتهادات وردود الفعل، مما نتج عنه اهتمام الإعلام بالطارئ على حساب السياسة بعيدة المدى، والراهن على حساب الاستراتيجي، وإلى حرمان فئات عديدة من متابعة حاجاتهم وحقوقهم في هذه السياسات إضافة إلى فتح الأبواب أمام أفراد موجهين ليوجهوا السياسة الاتصالية كما يرون في إطار فهم فردي وأحياناً مزاج فردي خاصة في هيئات الإعلام الرسمية ، وكانت المحصلة الحقيقية تولي الأجهزة السياسية والأمنية أمر وضع السياسات الأتصالية والإعلامية وأمر تنفيذها، وتم ابعاد اهل الخبرات والتخصص وفشلت تلك السياسات في أن تستوعب بشكل كامل مصالح المجتمع وهمومه واتجاهاته، وبالخلاصة سرقت اجهزة الإعلام والاتصال من أيدي اهلها لتذهب الي اهل السياسية وأيدي المتسلقين. ليس من حق أحد لوحده أو فئة لوحدها احتكار اجهزة الاعلام ، ان الدول الحديثة تبقي سياستها الإعلامية والاتصالية دون وصي عليها، وان لا تتاح الفرصة للأجهزة الأمنية او السياسية ان تتصرف بهذه السياسات تأسيساً وتنفيذاً، مع الاعتراف بأهمية المعرفة والاستنارة . إن تطور المجتمعات قد انعكس على أداء وسائل إعلامها إذا كانت وسيلة الإعلام تابعة للدولة وممولة من المال العام فإنها بلا شك سوف تكون ملك للجميع فلا يجوز ان تقدم او تنشر ما يخص فئة دون أخرى ويجب ان تكون هذه الوسائل الإعلامية وسائل الشعب بجميع فئاته المتنوعة . إن حرية الإعلام واستقلاليته هي الأساس لكل مجتمع ديمقراطي متطور فهل نطمع ان تتحول كناتين الاعلام الى هايبر ماركت يتلألأ بالأضواء ويخطف الأبصار.