تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضوابط حرية التعبير والإعلام
نشر في الصحافة يوم 22 - 12 - 2012

حرية الرأى والتعبير حق أساسى للإنسان ليعتنق الأفكار والآراء التى يقتنع ويؤمن بها ويعبر عنها وينشرها على الناس، كما يتلقى الافكار والمعلومات ويتم كل ذلك بأية وسيلة ودون مضايقة. وحرية الرأى والتعبير ليست حقاً اساسياً جوهرياً فحسب بل هى احدى الوسائل التى تعين المواطن على ممارسة حقوق اخرى والتمتع بها كحقه فى التعليم وحريته فى التجمع والتنظيم ... وهلم جرا وحرية الرأى والتعبير ليست مطلقة، فالحرية المطلقة قد تؤدى الى الفوضى ان لم تكن الفوضى بعينها، ومن ثم فلابد ان تخضع حرية التعبير لضوابط فى حالات الضرورة وفقا لشروط معقولة يتطلبها المجتمع الديمقراطى وذلك لحماية خصوصيات الانسان فى مسكنه ومحياه ومتاعه واسرته وسمعته من الانتهاك ، تلك حرمات لايجوز انتهاكها كما لايجوز نشر معلومات تهدد الامن القومى.
حققت الامم المتحدة نجاحاً ملحوظاً فى تقرير حقوق الانسان السياسية والاقتصادية وغيرها نصت عليها فى الاعلان العالمى لحقوق الانسان والاتفاقيات التى " اعقبته لضمان تنفيذ وحماية تلك الحقوق التى تشمل فيما تشمل حرية الرأى والتعبير. ومع ذلك وبالرغم مما اصابته الامم المتحدة من نجاح فإن التشريع الدستورى بشكل اهم ضمان للحريات. فالدساتير توضح علاقة أجهزة السلطة مع بعضها البعض من ناحية وعلاقة السلطة بالفرد من ناحية اخرى وبذلك تحدد طبيعة ومدى الحرية التى يتمع بها الفرد وكيفية تقريرها وضمان تنفيذها بقوانين تصدر لتنظيم ممارسة الحق على ارض الواقع وتفرض قيوداً وضوابط على ممارسة الحق وفقا للشروط التى سلف ذكرها.
2- حرية التعبير في المواثيق الدولية والإقليمية
كفلت المادة (19) العهد الدولى الخاص لحقوق الانسان لسنة 1948 حرية الرأى والتعبير وحرمة خصوصيات الافراد فنصت :
" لكل شخص الحق فى حرية الرأى والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون اى تدخل، واستقاء الانباء والافكار وتلقيها واذاعتها بأية وسيلة كانت دون التقيد بالحدود الجغرافية".
تنص المادة 19 (2) من الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية (1966) على حق كل فرد في التعبير ويشمل هذا الحق حرية البحث عن المعلومات والأفكار من أي نوع واستلامها ونقلها بغض النظر عن الحدود وذلك إما شفاهة أو كتابة أو طباعة وسواء كان ذلك في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها . على أن هذا النص لم يرد على وجه الإطلاق فقد اخضع الحق لقيود يحددها القانون المحلي واشترط النص أن تكون القيود ضرورية من أجل :
أ- احترام حقوق أو سمعة الآخرين
ب- حماية الأمن الوطني والنظام العام أو الصحة أو الأخلاق .
عزز الميثاق الافريقى لحقوق الانسان والشعوب المبادئ التى عبر عنها الاعلان العالمى لحقوق الانسان والعهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتى تقرر حق الانسان فى اعتناق آراء وان يعبر عنها وينشرها كما له الحق فى التماس المعلومات ونقلها للآخرين. فقد نصت المادة (9) من الميثاق الافريقى على الآتى:
(1) من حق كل فرد ان يحصل على المعلومات.
(2) يحق لكل انسان ان يعبر عن افكاره وينشرها فى اطار القوانين واللوائح.
انضم السودان لهذه الاتفاقيات ومن ثم فهو ملزم بها وفقا لقواعد القانون الدولي .
ان النصوص التى سلفت الاشارة اليها اكدت اهتماماً خاصاً للحق فى حرية التعبير وتلقى المعلومات ونشرها وهذا فى اعتقادنا يحفز تضمين هذه النصوص فى القوانين الداخلية.
النصوص الدستورية والقوانين الداخلية
كفل دستور السودان المؤقت لسنة 1956 الحق لجميع الأشخاص في حرية التعبير عن آرائهم ويمارس هذا الحق في حدود القانون. وعلى هذا المنوال ذهب الدستور الدائم لسنة 1973 إذ كفل هذا الحق على ان يمارس في حدود القانون ، بيد أن دستور عام 1973 اختلف عن الدستورين المؤقتين في انه كفل حرية التعبير للسودانيين فقط (الماده 48). كما قرر أن الصحافة حرة في حدود القانون كأداة لتثقيف الشعب وتنويره وهي موجهة لخدمة أهداف الشعب(الماده 49) . لم تكفل حرية الصحافة على وجه الخصوص إلا في ظل الدستور المؤقت لسنة 1985 إذ ورد فيه أن لجميع الأشخاص الحق في حرية التعبير والنشر والصحافة في حدود القانون. وتوسع دستور 1998 توسعاً محموداً فكفل حرية التعبير فى شئ من التفصيل لتشمل حرية الاعلام فنصت المادة (25) على الآتي:
"يكفل للمواطنين حرية التماس أي علم واعتناق أي مذهب في الرأي والفكر دون إكراه بالسلطة ، وتكفل لهم حرية التعبير ، وتلقي المعلومات والنشر والصحافة دون ما قد يترتب عليه من أضرار بالأمن أو النظام العام أو السلامة أو الآداب العامة وفق ما يفصله القانون".
يسترعى الانتباه فى نص المادة (25) من دستور جمهورية السودان (1998) انها كفلت حرية الفكر وحرية التعبير فى نص واحد. وهذا نهج تشريعى حسن وايجابى ذلك ان حرية الفكر لاتمارس على وجه سليم الا اذ كفلت حرية التعبير - فلا انفصال بين الحريتين بل هما مكملان لبعضهما البعض. ونلاحظ ان المادة (25) اخذت بالقيود والضوابط التى وضعها العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية ولم يزد النص او ينقص منها شيئاً. واجمالاً نرى ان مانصت عليه المادة (25) يشكل تطوراً دستورياً محموداً فى كفالة حرية الفكر والتعبير.
اتبع الدستور الانتقالى لسنة (2005) نهج دستور (1998) اذ كفل لاول مرة حرية الاعلام مع حرية التعبير، بل تجاوزه فنص على حرية الاعلام بتوسع وتفاصيل لايخطئها النظر. كما نص على أمر هام ان لا تقيد حرية الاعلام الا وفقا لما ينظمه القانون فى مجتمع ديمقراطى، وهذا قيد ايجابى لم يرد فى الدساتير السابقة وفى اعتقادنا ان شرط " ما يتطلبه المجتمع الديمقراطى" لايمكن ان يفسر بحيث يخول المشرع بان يصدر قانوناً يقيد الحرية للمدى الذى يفرغها من مضمونها فيأخذ القانون بالشمال ما كفله الدستور باليمين. ولم يقتصر توسع النص فى ذلك بل الزم وسائل الاعلام بان تمارس ما كفل لها من حرية وفقا لاخلاق المهنة. نصت المادة (39) من الدستور الانتقالى على الآتى:
(1) لكل مواطن حق لايُقيد فى حرية التعبير وتلقى ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول الى الصحافة دون مساس بالنظم والسلامة والاخلاق العامة، وذلك وفقاً لما يحدده القانون.
(2) تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفقاً لما ينظمه القانون فى مجتمع ديمقراطى.
(3) تلتزم كافة وسائل الاعلام بأخلاق المهنة وبعدم إثارة الكراهية الدينية أو العرقية او العنصرية أو الثقافية او الدعوة للعنف أو الحرب.
ما ورد فى الفقرة (3) من المادة (39) الدستور الانتقالى (2005) نص غير مسبوق فى الدساتير السودانية ذلك انه الزم جميع وسائل الاعلام بالامتناع عن اثارة الكراهية الدينية او العرقية او العنصرية او الثقافية. وفى اعتقادى ان المشرع ادرك فى هذه الفقرة ان وحدة السودان لن تكون ميسورة ان لم تعالج اشكالية الوحدة فى التنوع. ان الاعتراف بالتنوع هو المدخل الصحيح لمعالجته . لذا منع النص اثارة الكراهية الدينية او العرقية ...الخ حتى يتماسك النسيج الاجتماعى وتعززه الوحدة. إن فى النص ابتكار يستحق الاشادة. لقد نصت المادة الثالثة من Declartion of Principles on Freedom of Expression بوضوح ان حرية التعبير تلزم السلطات باتخاذ تدابير لتعزيز ايجابيات التعددية العرقية والدينية. وقد كان اعلان الخرطوم فى المنتدى الاقليمى حول حرية الصحافة (مايو 2004 ) الذى عقد برعاية المنظمة العالمية للتربية والعلم والثقافة اكثر صراحة ووضوحاً عندما نص فى الفقرة (4) على الآتى:
يؤكد على أهمية توظيف القدرات الصحفية والمهنية نحو تحقيق الاستقرار للاقليم مع إعطاء اهمية قصوى لتحقيق السلام والتعايش السلمى ومحاربة الصراعات وعدم الترويج للحرب وعدم اثارة الفتن العرقية والدينية والثقافية. وتقوية النسيج الاجتماعى لشعوب الاقليم.
إن ماورد من ضوابط نصت عليها الفقرة 39 (3) من دستور (2005) هى تبنى محمود لما ورد فى الاعلانين المذكورين. وقد كان أجدر بقانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة (2009) بأن يضمن ما ورد فيهما وهى مبادئ هادية مهمة فى صدر المادة الخامسة من القانون. (المبادئ الموجهة لحرية الصحافة) و لاتبقى تلك المبادئ حبراً على ورق فى الفقرة (3) من المادة (39).
لقد ثار جدل حول إن كان من المستحسن أن ينص فى الدستور على حرية الاعلام كحرية مرادفة لحرية التعبير ، وكان الجدل اكثر وضوحا أبان مناقشة الجمعية التأسيسية النيجيرية لمسودة دستور الجمهورية الثانية فى عام 1967، قال البعض إن حرية الصحافة لا تتميز عن حرية التعبير ، وقال رأياً آخر إن طبيعة العمل الصحفي ومهامه تميزه عن مجالات التعبير الأخرى كما أن الصحافة بصفة خاصة والاعلام بصفة عامة يؤثر على الرأي العام ويشكله وفي سبيل ذلك تسعى وتعاني الصحف فى تلقى المعلومات ، فهي إذا اجدر بأن تميز وتكفل لها الحرية صراحة لا ضمنا . مهما يكن من أمر فإن كفالة حرية الاعلام جنباً الى جنب مع حرية التعبير تدعم وتعزز حرية العمل الصحفي والاعلام المسموع (راديو تلفزيون).
وإن قيدت حرية الصحافة والنشر والمعلومات بقيد دستوري ووضعت لها ضوابط ، تترك التفاصيل للقانون (قانون الصحافة مثلا) الذى يفصل ويحدد تلك القيود والضوابط وذلك فى حدود ما نص عليه الدستور . فقد ورد في (المادة 25) من دستور (1999) والمادة (39) من دستور (2005) شرط: "ما ينظمه القانون فى مجتمع ديمقراطى" وهو تعبير جديد على نهج صياغة ووضع الدساتير في السودان ، ومهما يكن من أمر فان فى الشرط تقييدا اوضح لواصفى القوانين.
القوانين التى تنظم الصحافة:
بقى علينا أن نقول إن دستور 1999 كفل حرية التعبير والاعلام وتلقي المعلومات والنشر بتوسع واضاف إليها الدستورالانتقالى لسنة (2005) شرطاً آخر هو الا يترتب على حرية الاعلام إضرار بالأمن أو النظام العام والسلامة أو الآداب العامة . وان أراد المشرع أن يصدر قانونا فعليه أن يلتزم بهذه الضوابط والقيود ولا يجوز له أن يضع قيودا غير ما حدد الدستور وان تكون القيود وفقا لما ينظمه القانون فى مجتمع ديمقراطى كلف بالحرية يحميها من الانتهاك والعسف. وبالرغم مما تقدم من رأي يجدر أن نشير إلى حقيقة هامة هي أن الحرية لا تمارس على الوجه الأكمل إلا اذا كفلت اغلب او كل الحريات الاساسية والحرمات والضمانات الأخرى فالحرية كل لا يتجزأ. ولذا يتوجب إعادة النظر في قانون الأمن القومي وغيره من القوانين التى تنتهك الحريات وإلا أصبحت حرية التعبير والصحافة أكذوبة كبرى .
ثم ننتقل بد ذلك ونتناول مشروع قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 1999 بالتعليق ويتم ذلك في ضوء ما سبق توضيحه من معايير وقيود دستورية وذلك لمقارنته مع قانون الصحافة لسنة (2005). يمكن عرض السمات العامة لمشروع هذا القانون في الآتي:
أولا: الفصل الأول عنى بالأحكام التمهيدية وتفسير الكلمات كما شمل المبادئ العامة الموجهة للصحافة .
ثانيا: تضمن الفصل الثاني النصوص التي بموجبها تم إنشاء "المجلس القومي للصحافة" وتشكيله وأجهزته واختصاصاته وسلطاته فضلا عن نصوص أخرى تتعلق بتنظيم اجتماعات المجلس . يصعب عرض النصوص التي وردت في هذا الفصل لكثرة عددها وتشعبها .
ثالثا: الفصل الثالث يعني بالموارد المالية للمجلس .
رابعا: خصص الفصل الرابع لملكية الصحف وشروط منح ترخيصها . وهذا الفصل سوف ينال القدح المعلى من التمحيص والنظر .
خامسا: يتعلق الفصل الخامس بشروط العمل الصحفي وحقوق وواجبات الصحافي وواجبات الناشر.
سادسا: الفصل السادس يحدد الأسس التي بموجبها يمنح الترخيص للمطابع الصحافية .
أخيرا: أما الفصل السابع فإنه يعقد للمجلس اختصاص النظر في مخالفة أحكام القانون ويحدد العقوبات التي يجوز للمجلس إيقاعها في حالة ثبوت مخالفة القانون . وهذا فصل قمين بأن يحث رجال القانون للنظر في مسائل فقهية وجدل فكري سوف نخوض فيه بإيجاز إنشاء الله . ولكن يجدر بنا ، قبل الخوض في تفاصيل مشروع القانون لإبداء الرأي فيه ، أن نتذكر أمرين أساسيين هما :
اولاً: قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة (2009)
تكفل الدساتير الحريات وتترك للقانون تنظيم ممارسة الحرية على ارض الواقع وقد صدرت فى العقدين الاخيرين خمسة قوانين نظمت ممارسة حرية الصحافة والإعلام (2009.2004.1999.1996.1993) وهذه الحقيقة تنهض دليلاً على اضطراب السياسة التشريعية فى شأن تنظيم حرية الصحافة والاعلام ووضع ضوابط لها يتطلبها مجتمع ديمقراطى وسيتضح وجاهة هذا القول فيما سنذكر لاحقاً. لقد سلف أن ذكرنا ان حرية التعبير والصحافة اتسعت فى ظل دستور جمهورية السودان (1998) ثم الدستور الإنتقالى لسنة (2005) الذى اشتمل على وثيقة للحريات غير مسبوقة فى تاريخ التشريع الدستورى فى السودان لشمولها ودقتها كما انها تعتبر نتاجاً لتأثير العمل الدولى فى مجال حقوق الانسان والعهود الدولية التى صدرت فى هذا المضمار. يكون من المفيد فى رأينا ان نستعرض نصوص القانون السارى (قانون الصحافة 2009) ومقارنته بما نص عليه قانون الصحافة لسنه 1999 لنرى ايهما وسع دائرة حرية الصحافة.
تكاد تكون ابواب وفصول القانونين متطابقة كما تطابقا المبادئ الموجهة لممارسة حرية الصحافة والاعلام والى حد كبير فيما يختص به مجلس الصحافة من امور غير انهما اختلفا فى جوانب شتى يمكن عرضها اجمالا فيما يلى:
1- إنشاء المجلس القومى للصحافة
نص قانون الصحافة لسنه 2009 فى المادة (6) ان تشرف رئاسة الجمهورية على المجلس القومى للصحافة ولها فى ذلك اخطار المجلس بالسياسات العامة للدولة فيما يتعلق بمهنة الصحافة كما لها ان تطلب المعلومات والتقارير من المجلس وتتلقى منه التوصيات والمقترحات فيما يتعلق بأعماله:
ويتولى الوزير الذى يحدده رئيس الجمهورية مهمة الصلة بين المجلس ورئاسة الجمهورية.
لم ينص قانون الصحافة لسنة 1999 على تخويل وزير او رئاسة الجمهورية سلطة الاشراف على المجلس القومى للصحافة غير ان هذه السلطة منحت للوزير فى قانون الصحافه (2004) كما منحت لرئاسة الجمهورية نفس السلطة فى ظل القانون سارى المفعول.
وكلمة اشرف ، تعنى لغويا، اطلع على الشئ من فوق (لسان العرب المجلد 9 صفحة 172) وهل تكون العلاقة بين المجلس ورئاسة الجمهورية عندما تمارس رئاسة الجمهورية سلطاتها فى تلقى التقارير والتوصيات والمجلس علاقة سوية فى ظل مراقبة وهيمنة من فوق. وكيف نضمن حصول الجمهور على معلومات موثوق بها ووسائل اعلام تشرف عليها رئاسة الجمهورية من فوق وقد تكون لها مصلحة ان لا تنشر المعلومات الا بما يخدم سياسة وتوجه معين. ان مبدأ الاشراف على المجلس ينقص من استقلاله ويقيد حريته فى التصرف بطريقة ناعمة الأمر الذى يتجافى مع ما تعارف عليه المجتع الديمقراطى.
2- تشكيل المجلس القومى للصحافة
يشكل المجلس القومى فى القانونين من واحد وعشرين عضوا على ان يكون من بينهم، وفقا لقانون 1999، سبعة اعضاء يعينهم رئيس الجمهورية، أحد عشر عضوا يمثلون الصحفيين وثلاثة اعضاء يمثلون المجلس الوطنى. غير ان تشكيل المجلس اختلف فى ظل قانون الصحافة لسنة 2005 اذ يعين رئيس الجمهورية سبعة اعضاء وخمسة اعضاء ينتخبهم المجلس الوطنى وثمانية اعضاء يمثلون الصحفيين ويمثل الناشرين والطابعين عضوان. كانت الاغلبية فى تكوين المجلس مجلس عام 1999 للصحافيين ولكنهم اصبحو اقلية فى ظل قانون الصحافة لسنة (2009).
3- حصانة أعضاء المجلس وأعضاء لجانه
كفلت المادة (16) من قانون الصحافة لسنة 1999 لاعضاء المجلس واعضاء لجانه المتخصصة حرية التعبير عن افكارهم داخل اجتماعاتهم ولايجوز مساءلة اى منهم مدنيا او جنائيا عن اى حديث او رأى يدلى به فى الاجتماع. حذف المشرع فى قانون الصحافة لسنة 2009 هذا النص فاصبح لا حصانة لاى عضو فيما يقول فى الاجتماعات ومن ثم عليه ان يعيد التفكير مرتين قبل ان يقول رأيه بصراحة وهذا تقييد نفسى لاعضاء المجلس.
4- الجزاءات
عقد للمجلسين اختصاص النظر فى مخالفة احكام القانون كما حدد القانون العقوبات التى للمجلس سلطة ايقاعها فى حالة ثبوت مخالفة القانون. المقارنة بين قانون الصحافة لسنة 1999 وقانون الصحافة لسنة 2009 تكشف لنا ان العقوبة التى يمكن ان يوقعها المجلس بموجب قانون 2009 اكبر من العقوبة التى يمكن ان يوقعها بموجب قانون 1999 وكانت مدتها شهراً فأصبحت ثلاثة أشهر بموجب قانون 2009، وعلى اية حال فان ايقاع العقوبة اختصاص قضائى وتخويله لسلطة ادارية لايراعى حكم القانون ومايتمشى مع ما يتطلبه القانون فى مجتمع ديمقراطى.
المجلس القومى للصحافة جهاز ادارى يختص بالنظر فى امور شتى تشمل سلطات يمارسها القضاء مثل نظر المخالفات والشكاوى التى نقدم اليه وايقاع العقوبات على الاشخاص الاعتبارية او الطبيعية المرخص لها فى حالة مخالفتها لاى من احكام القانون لسنة 2009، وتشمل هذه العقوبات تعليق صدور الصحيفة لمدة لاتتجاوز ثلاثة ايام.
فى اعتقادى ان ايقاف الصحيفة عقوبة قاسية مهنياً ومالياً ويكون من المستحسن ان تترك للقضاء.
5- التفويض الاتحادى
لقد خولت المادة (13) من قانون الصحافة لسنة 1999 المجلس القومى للصحافة سلطة تفويض اى من اختصاصته لاى جهة مختصة فى الولايات او مجلس الصحافة الولائى. لم تضمن هذه المادة فى الدستور السارى لسنة (2009). لاجدال ان تفويض المجلس سلطاته للولايات سياسة تتواءم مع تمكين النظام الاتحادى الذى يقوم عليه الحكم فى البلاد والتراجع عن هذا المبدأ يثير شبهة ان الحكومة ترغب فى اضعاف الحكم الاتحادى وتستمر فى سياسة اليد القابضة للمركز فضلا عن ان هذه السياسة لا تشجع نشؤ وتطور الصحافة الاقليمية.
وختاماً نبادر فنقول إن الناس لايجمعون على رأى أو قول واحد فى شأن الحريات ولايطمع احد فى اجماع الناس ولكن بمقارنة قانون الصحافة لسنة (1999) مع قانون عام (2009) فانهم لابد ان يجمعوا فى ان قانون الصحافة لسنة (2005) شكل نكسة فى حرية الإعلام التى كانت مكفولة قبل صدوره.
الضوابط التى تحكم ممارسة حرية التعبير فى القوانين الأخرى:
خصصت كل الدساتير فصولاً مستقلة كفلت فيها الحريات الاساسية وحقوق الانسان مستهدية فى ذلك بالمواثيق الدولية. غير ان بعض القوانين تجرم بعض الآراء والاقوال التى تنشر فى اطار ممارسة حرية التعبير والاعلام. من ثم ينبغى النظر فى تلك التشريعات والقوانين لنرى تأثيرها على ممارسة حرية التعبير والاعلام.
ثانياً: القانون الجنائى لسنة 1991
ان اكبر ما يواجه حرية الاعلام والصحافة هو الاتهام بنشر والترويج للعنف او الدعوة له ضد الدولة ونشر اخبار كاذبة او اشانة السمعة او انتهاك الخصوصية. وقد نص القانون الجنائى لسنة 1991 على هذه الجرائم.
(1) الفتنة : الدعوة لمعارضة السلطة العامة بالعنف أو القوة الجنائية تنص الماده (63) على الآتى:
" من يدعو أو ينشر أو يروج أى دعوة لمعارضة السلطة العامة عن طريق العنف أو القوة الجنائية، يعاقب بالسجن مدة لاتجاوز ثلاث سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معا."
(2) الأخبار الكاذبة :
تنص المادة (66) على الآتى:
من ينشر أو يذيع أى خبر أو اشاعة أو تقرير، مع علمه بعدم صحته، قاصداً أن يسبب خوفاً أو ذعراً للجمهور او تهديداً للسلام العام، او انتقاصاً من هيبة الدولة، يعاقب بالسجن مدة لاتجاوز ستة اشهر او بالغرامة او بالعقوبتين معا.
(3) اشانة السمعة:
(1) تنص الماده 159 على الآتى: يعد مرتكبا جريمة اشانة السمعة من ينشر او يروى او ينقل لآخر باى وسيلة وقائع مسنده الى شخص معين او تقويما لسلوكه قاصداً بذلك الإضرار بسمعته.
(2) لايعد الشخص قاصدا الإضرار بالسمعة فى أى من الحالات الآتية:
(أ-) اذا كان فعله فى سياق اى اجرءاءات قضائية، بقدر ما تقتضيه، او كان نشرا لتلك الإجراءات ،
(ب-) اذا كانت له او لغيره شكوى مشروعة يعبر عنها او مصلحة مشروعة يحميها وكان ذلك لايتم الا باسناد الوقائع او تقويم السلوك المعين.
(ج) اذا كان فعله فى شأن من يرشح لمنصب عام او يتولاه تقويما لأهليته او أدائه بقدر ما يقتضيه الأمر،
(د) اذا كان اسناد الوقائع بحسن نية لشخص قد اشتهر بذلك وغلب عليه، او كان مجاهرا بما نسب اليه.
(ه) اذا كان اسناد الوقائع بحسن نية لشخص قد اشتهر بذلك وغلب عليه، او كان مجاهراً بما نسب اليه.
(و) اذا كان التقويم لشخص عرض نفسه او عمله على الرأى العام للحكم عليه وكان التقويم بقدر ما يقتضى الحكم.
(3) من يرتكب جريمة اشانه السمعه يعاقب بالسجن مدة لاتجاوز ستة اشهر او بالغرامة او بالعقوبتين معا.
(4) انتهاك الخصوصية
تنص الماده 166 على الآتى:
" من ينتهك خصوصية شخص بأن يطلع عليه فى بيته دون اذنه او يقوم دون وجه مشروع بالتصنت عليه أو بالاطلاع على رسائله او أسراره، يعاقب بالسجن مدة لاتتجاوز ستة اشهر أو بالغرامة أو بالعقوبتين معا.
نماذج السوابق القضائية :
تزخر مجلة الاحكام القضائية بسوابق فى قضايا حرية التعبير والنشر عرضت امام محاكم القضاء القومى. ورأينا ان نعرض نماذج منها توضح نهج القضاء فى حماية حرية التعبير والاعلام وفق الضوابط التى يضعها القانون فى مجتمع ديمقراطي.
1- قضية حكومة السودان ضد داريوس بشير وآخرين (1965-480/ِCP/AC) وتعتبر هذه السابقة من اوائل السوابق القضائية السودانية فى جريمة الدعوة لمعارضة الحكومة عن طريق العنف - وتتلخص وقائعها فى ان المتهم بونا ملوال مدير تحرير صحيفة VIGLANT نشر مقالاً يعتقد الاتهام انه يثير الفتنة والكراهية لحكومة السودان. وقد كان دفع محامى بونا ان الدستور السوداني (1956) يكفل حرية التعبير بموجب الماده (5). ادانت المحكمة مدير التحرير بونا ملوال ذلك ان مقاله يحرض على الفتنة. وفى اطار تسبيبها القضائى رأت المحكمة ان القضية تثير مسألة هامة هى الموازنة بين واجب الحكومة فى الحفاظ على النظام من جهة وواجب المواطن فى الالتزام بالضوابط عند ممارسة حرية التعبير بمراعاة الصالح العام.
2- قضية حكومة السودان ضد مهدى ابراهيم وآخرين (م ع/ ق ج /5/1988) وتتلخص وقائع هذه القضية فى ان صحيفة الراية نشرت مقالا صحفيا ذكرت فيه اسماء ضباط فصلوا من الخدمة ووصفتهم بانهم اعضاء فى خلايا شيوعية وبعثية داخل القوات المسلحة. فتح الضباط المذكورون بلاغات باشانة السمعة والكذب الضار.ادانت المحكمة المتهم.
الضوابط القضائية (المحكمة الدستورية)
تختص المحكمة الدستورية بموجب الماده 122(1) (د) من الدستور الانتقالى " حماية حقوق الانسان والحريات الاساسية" وقد ورد نفس النص فى قانون المحكمة الدستورية. وبموجب الماده 19 (4) من قانون المحكمة يجوز اللجوء الى المحكمة الدستورية مباشرة ولاحاجة للمواطن من استنفاذ طرق التظلم الاخرى فى حالة انتهاك حق من حقوقه. ومن حيث ان المحكمة الدستورية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ومنفصلة عن السلطة القضائية القومية( المادة 119 (2) من الدستور) نهى مؤهله بالقيام بمهامها من غير خشية بان تحمى الحريات التى تشمل حرية التعبير والاعلام فى الحدود التى يضعها القانون فى مجتمع ديمقراطي.
ويمكن ان تقرر بوجه عام ان المجتمع الديمقراطي او الديمقراطية لا تكتمل باجراء انتخابات دورية نزيهة فحسب ولكنها تتطلب وجود قضاء دستورى نزيه مستقل ويتميز بشجاعة فكرية تحمى وتعزز فيه حرية التعبير والاعلام كما يتطلب ايضا وجود مجتمع تسود فيه فضيلة التسامح واحترام حقوق الآخرين ومؤسسات علمية جادة وفوق هذا وذاك يجب ان يسود حكم القانون. هذا هو المناخ الاجتماعي والسياسي الذى يخلق المجتمع الديمقراطى والذى تنمو فى احشائه الحريات وعلى رأسها حرية التعبير والإعلام.
ويتبادر السؤال: هل اوفت المحكمة بالتزامها وقامت بواجبها الدستورى فى حماية الحقوق والحريات الاساسية وعلى وجه الخصوص حرية التعبير والاعلام ؟ دعنا ننظر فى بعض السوابق التى ارستها.
اتيح للمحكمة الدستورية ان تصدر احكاماً مهمة فى قضايا منازعات دارت حول حرية التعبير والاعلام (قضية شركة مسارات للانتاج الاعلامى ضد جهاز المخابرات م د/ق د/73/2008م وقضية شركة اكورد للخدمات المحدودة ضد جهاز الامن والمخابرات م د/ق د95/2008م). وتتلخص الوقائع فى هاتين القضيتين ان جهاز الامن والمخابرات الوطنى فرض رقابة مسبقة على النشر لمواد مختلفة فى صحف ذكرت فى عريضة الطعن وتلك الرقابة ترتب عليها منع نشر تلك المواد وبذلك خرق الجهاز بما فرض من رقابة مسبقة حريتى التعبير والنشر وان الرقابة المسبقة بخرق الحق الدستورى للطاعنين اذى كفلته المادة 39(1) من الدستور لسنة (2205) وفضلا عن ذلك فان حظر النشر ينتهك حق نشر المعلومات. وتأسيساً على ما تقدم التمسوا اعلان ان اشكال الرقابة المسبقة على النشر الصحفى هى اعمال تتعارض مع الدستور. وقد كان قرار المحكمة الدستورية فى نهاية الامر انها لم تجد " فى الدستور السودانى والقوانين ذات الصلة نصاً صريحاً يمنع الرقابة المسبقة ويقصر ممارستها على السلطات القضائية ..." ص 42 من الحكم.
وفى سابقة صحيفة السودانى ضد وزارة العدل ونيابة الصحافة (م د/ق د/46/2007) قررت المحكمة الدستورية ان قرار ايقاف صدور صحيفة السودانى بقرار من وكيل النيابة وفقا للمادة (130) من قانون الاجراءات الجنائية (1991) يخالف التطبيق السليم للقانون وذلك بإقرار وزير العدل المطعون ضده فى مذكرته التكميلية للرد على الدعوى.
مهما يكن من امر فإن جمهرة القانونيين يعتقدون ان كسب المحكمة الدستورية فى حماية وتعزيز الحريات كان متواضعا ويذهب دكتور عبدالله ادريس للقول ان الكسب كان اقل من ضعيف.
ثالثاً: قانون الطوارئ وأثره على حرية التعبير
تتعرض الامم لحالات وظروف استثنائية تهدد حياتها كحالة الحرب او الكوارث الطبيعية او الاخلال بالامن فيتطلب هذا الوضع ان تتخذ الدولة تدابير تفضى الى النكوص عن التزماتها بمقتضى القانون الدولى وما يشرعه قانونها المحلى (الدستور) من ضمانات لحماية الحريات الاساسية من الانتهاك. وفى هذه الحالة يحق للدول الطرف بموجب المادة (4) من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية ان تتخذ فى حالات الطوارئ الاستثنائية التى تهدد حياة الامة، فى اضيق الحدود التى يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالحقوق والحريات التى التزمت بكفالتها وصيانتها بمقتضى العهد، وبالرغم من ذلك فإن نص المادة (4) لايجيز - بموجب هذه التدابير- انتهاك او انتقاص الحق فى الحياة او الحرمة من التعذيب او العقوبة القاسية او الحاطة بالكرامة او الحرم من الرق والاسترقاق والسخرة او سجن اى انسان عجز عن الوفاء بالتزام تعاقدى او عدم الاعتراف بالشخصية القانونية للانسان. وترتيباً على ما تقدم فانه يجوز للدولة، بموجب نص الماده (4)، ان تتحلل من التزاماتها بنص الاتفاقية وتتخذ تدابير، فى حالة الطوارئ الاستثنائية، تعلق او تنتهك بموجبها حرية التعبير والاعلام.
تنص المادة (210) من الدستور الانتقالى (2005) فى حالة وقوع كوارث طبيعية او حدوث اى خطر طارئ يهدد البلاد ....الخ، يجوزلرئيس الجمهورية ان يعلن حالة الطوارئ فى البلاد أو اى جزء منها وفقا للدستور والقانون. وتعلن حالة الطوارئ بموجب قانون يصدر فى هذا الشأن ويجوز ان يعلق القانون جزءاً من وثيقة الحقوق على ان لايشمل التعليق الحق فى الجباه او الحرمة من الاسترقاق او الحق فى التقاضى او الحق فى المحاكمة العادلة، ومن ثم فإنه يجوز لرئيس الجمهورية ان يعلق، بموجب قانون او امر الطوارئ، حرية التعبير والاعلام (المادة 39) وفى ذلك لم يختلف الدستور الانتقالى عن مانصت عليه الاتفاقية الدولية المشار اليها.
وقد جرى العمل فى ظل الظروف الاستثنائية ان يصدر قانون يخول رئيس الجمهورية او الوالى اصدار اوامر لمراقبة الصحف والمطبوعات والمؤلفات قبل توزيعها والاخبار فى الاذاعة والتلفزيون قبل بثها وجميع وسائل التعبير الأخرى. وقد يخول القانون او الامر الاستثنائى ايضاً للوالى او اى سلطة أخرى مصادرة او تعطيل الصحف او وسائل الاعلام او اغلاق اماكن طباعتها. ولقد شهد السودان ومازال يشهد " الرقابة القبلية" وفى ظروف غير استثنائية لم تعلن فيها حالة الطوارئ ولم تعلق الحريات والحقوق.
لاجدال ان الاجراءات والتدابير التى تتم بموجب قانون الطوارئ تنتهك حرية التعبير كما تنتهك حرية الاعلام على وجه الخصوص، غير ان مايزيد تلك التدابير تعقيداً وصعوبة انها تتخذ فى بعض الحالات بطريقة اعتباطية او بسوء نية لتكرس القمع والطغيان.
وسائل الإعلام الأخرى
الراديو والتلفزيون
فى قطر مثل السودان مترامى الأطراف ويميل أهله الى الثقافة السماعية فإن الراديو يشكل وسيلة الاتصال الجماهيرية المفضلة ومن ثم انتشر سماع الراديو فى المدن والاقاليم. وقد انتشرت الخدمات الاذاعية القومية والولائية فى السودان وكانت الحكومة تحتكر الاثير منذ مطلع الاربعينيات فى القرن الماضى وحتى منتصف التسعينيات منه. وسياسة احتكار بث الخدمات الاذاعية كانت تمليها رغبة الحكومة فى حجب الرأى المخالف ونشر آرائها وسياساتها. ولاتختلف سياسة الحكومة فيما يتعلق بالارسال التلفزيوني عن سياستها تجاه البث الاذاعى.
وفقا لقواعد القانون الدولى فإن الدولة السودانية تملك الفضاء فوق حدودها الدولية كما انها عضو فى الاتحاد الدولى للاتصالات السلكية واللاسلكية وهى ومن ثم فهى التى تمنح رخصة استعمال الخدمات اللاسلكية وفقا لقانون ذلك الاتحاد. وترتيبا على ذلك فان البث الاذاعى والارسال التلفزيوني للقطاع الخاص يحتاج الى ترخيص من الحكومة. وقد أصدرت الحكومة اول رخصة لبث اذاعى لراديو مانقو وقد اصدر الرخصة مجلس الوزراء. ثم رسخت وعززت هذه السياسة فمنحت الحكومة فى العقد الاول من هذا القرن رخصاً للقطاع الخاص للعمل فى مجال الاذاعة والتلفزيون. ومازالت حكومة السودان هى المالكة للترددات وهى المانحة للترخيص بالبث ولايحكمها فى ذلك قانون - حسب ما اعلم. وتمارس سلطة الترخيص وفق السياسات الامنية ووفقا للضوابط التى تضعها من وقت لآخر. إن الحرية فى تلقى المعلومات من الاعلام العالمى International Satelite مكفولة للجميع ومئات القنوات العالمية تبث برامجها International Channels ولا سبيل لمنع المواطن من تلقى المعلومات من تلك الجهات.
ان التطور السريع فى تكنولوجيا الاتصال الذى افضى الى خلق عالم صغير يتطلب صياغة سياسة تشريعية واضحة تفرغ فى قانون ينظم عمل الارسال الاذاعى والبث التلفزيوني ويضع لها الضوابط التى يتطلبها مجتمع ديمقراطى وعالم يخترق الحدود ولايعيقه مبدأ السيادة الوطنية عن ذلك الاختراق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.