مدخل: «إن الأوطان كثيرة القبائل والعصائب قبل ان تستحكم فيها (دولة) والسبب في ذلك (اختلاف الآراء والأهواء).. وان وراء كل رأي منها هوى وعصبية تمانع دونها فيكثر الانتفاض على الدولة .. والخروج عليها في كل وقت .. وان كانت ذات عصبية لأن كل عصبية ممن تحت يدها تظن في نفسها منعة وقوة».. (ابن خلدون - المقدمة - طبعة دار العلم للملايين 1984 - ص:164 (1) الذي يجري في (ساحة الوطن) - من (مواجهات داخلية) - واعتداءات خارجية، ليس بعيدا من منطق الاستخلاص، الذي تطرق مكونات الازمة المحلية والاقليمية والدولية، ودون خوض، في تفاصيل، ما جرى ويجري ، مما تعرضت له المقالات والدراسات المتخصصة وغير المتخصصة، فان ثمة ما يشير الى ان البلاد تعاني بالفعل من صراع حاد وشرس يستند الى ما يلي: ٭ اشارة تقرير او دراسة قدمت (للسكرتير العام للامم المتحدة) بالنمرة un- secretary - g:r57/77/e/2002 - يؤكد على ان الدول التي تخرج من النزاعات تواجه مخاطر المواجهة فيها بصورة اكثر عنفا بنسبة 44% خلال السنوات الخمس الاولى من عمر الفترة الانتقالية. ٭ غياب ادارة التنوع، يؤدي الى ما اثبته (ابن خلدون) في مقدمته عن صراع و(مواجهات الاهواء والآراء والعصبية) راع المدخل اعلاه .. ٭ ان البلاد - بكامل مقوماتها المادية والمعنوية - ليست بعيدة عن مدارات الاستقواء الاقليمي والدولي، ان لم تكن في مرمى قدراتها العسكرية . ٭ ان القوى السياسية في البلاد تعاني من التمزق التنظيمي والخور الفكري ولا تكاد تنتظر الى استراتيجية الوحدة الوطنية، - كمدخل او ترياق لما يحاك من مؤامرات التفكيك، العنصري تداعيات الصراع السياسي الحاد. (2) أدى (انفصال الجنوب) عقبتي اتفاقية نيفاشا 2005 ودستور 2005 الانتقالي الى زلزلة سياسية واقتصادية واستراتيجية من نتائجها الواضحة . ٭ الهوان الاقتصادي ان صح التعبير وجاز ، فصارت قيمة الجنيه محسوبة الى الدولار، في يد متغيرات ومفاوضات ضخ النفط وهي لعبة اجد الجنوب ، فيما يبدو وسائلها وطرقها وما زال يتوخى استمرارها . ٭ لعبة الالتفاف العسكري من خلال تحالفات القوى السياسية في دارفور وقطاع الشمال والتي اثمرت تحالف كاودا غير الرصد من الاستقواء الاقليمي ، على الاخص من حكومة جنوب السودان ، وفي النظام الدولي . ٭ تداعيات الصراع السياسي الداخلي، ومؤشراته الواضحة على خارطة الاحداث: - خلخلة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والزراعي (الهجمات الدولية) - تحريك الملف اقليميا ودوليا. - توسيع مظلة التحالف مع جهات اخرى (الشرق) - رفع سقف المطالب. - الارهاق السياسي والعسكري. - اعادة انتاج ازمة الصراع الجنوبي /شمالي للوصول لنفس الاهداف (تقرير المصير والاتصال به الى مشروعية الانفصال). ويلاحظ في هذا الصدد ان كيمون الامين العام للامم المتحدة (أيرف لا دسوس) رئيس عمليات حفظ السلام، قد ادانا هذه التحالف ، بل ان الاخير اعتبره : نمطا من التعقيد الذي سيأتي بنتائج عكسية، كما ا ن عددا من القوى السياسية قد ادانت التحالف: على السيد علي الريح السنهوري وكمال عمر (الرأي العام 17/11/ 2011م) (3) ان دحرجة البلاد الى اعادة سيناريو الصراع الشمالي/ الجنوبي يؤدي الى تكلفة باهظة مقصودة ومدروسة- واذا كانت المفاوضات بين حكومتي السودان وجنوب السودان .. تقوم من جانب المفاوض الجنوبي على فكرة حافة الحرب او الهاوية الاقتصادية ينطبق عليّ وعلى اعواني فإن تكلفة الصراع المسلح باعادة سيناريو هجليج.. من اي منطقة اخرى مثل الرحيبات او سماحة في حدود ولاية شرق دارفور، انما تعني: ٭ خسائر بشرية في الارواح، بلا سقف معلوم ، وما يترتب عليها من انهيارات اجتماعية. ٭ تدمير البنى التحتية (مصادر المياه - الزراعة - الحيوان او ما يسمى باقتصاديات النزاع. ٭ ضرب مشروعات التنمية. ٭ اتاحة الفرصة لاعادة سيناريو التدخل الاجنبي حيث ان السيادة بمفهومها التقليدي - لم تعد واردة (تصريح كوفي عنان في افتتاح الجمعية العمومية للامم المتحدة رقم 54 في 2 سبتمبر 1999. (4) ليس (الجنوب)، اذا قرأنا الملف، بالتروي اللازم، هو الذي يحرك، الصراع السياسي والعسكري - في (السودان) فالقوى الاقليمية الاتحاد الافريقي والقوى الدولية الاممالمتحدة/ الولاياتالمتحدةالامريكية، الاتحاد الاوربي، ودولة اسرائيل هي الجهات التي تحرك (حكومة الجنوب)، باتجاه الضرب الناعم او الضرب الخشن، على جرعات سياسية وعسكرية واقتصادية متناغمة، ولقد تبدو الذراع الاسرائيلية، في هذا المقام ، مثالا واضحا، للانذارات الجادة .. كما يبدو (فشل) المفاوضات بين حكومتي السودان وجنوب السودان، نموذجا للدس السياسي المدروس، وما حل النزاع المتفجر مع حكومة الجنوب، قائما بين الحل السلمي peac fully وبين الحل القسري forc fully .. قائما وما زال جوهر التفاوض بين الخرطوم وجوبا ، قائما، على ترددات حادة بين مالنا ours ومالهم theirs ... ويلاحظ في هذا الصدد (كذبا) كل وعود المجتمع الدولي لمكافآت ما بعد توسيع الحلول (حالة نيفاشا).. (5) ما زالت ازمة دارفور، تفرض تداعياتها المستمرة على الساحة، بما فيها من نذر خطير ، بين ما توصلت اليه وثيقة الدوحة من حلول ، مع الدكتور التجاني السيسي وجماعته، واي فشل في تطبيق الاتفاقية يقود الى ذات تداعيات (حركة مناوي): المزيد من (الصراع المحلي) والمزيد من (التدخل الخارجي) وليس بعيدا عن ذلك الاشارات التي ساقها مستشار الولاياتالمتحدةالامريكية لدارفور دان سميث Dan Smith ان بلادي لا تريد انفصالا جديدا بالسودان، واضاف ان حل ازمة دارفور يجب ان يكون في اطار اتفاقية الدوحة، وكشف عن لقاءات مع قادة الحركات المسلحة بدارفور في عواصم متفرقة وان نقل اليهم رسالة الولاياتالمتحدة بأن يكونوا جزءا من العملية السلمية في دارفور، وحذر من فشل (مؤتمر المانحين) مطلع العام المقبل حال لم تخفض الحكومة مما اسماه بالقيود المفروضة على افراد المساعدات الدولية واتهم الخرطوم بالبطء في تنفيذ اتفاق الدوحة وعدم الالتزام بتنفيذ الترتيبات الامنية (الرأي العام 13/12/ 2012م. وعلى ذلك فإن الساحة الدولية تبدو كمن ينتظر المزيد من حالات الانفصال ولكن والاتهامات التي ساقها للخرطوم.. واضحة جدا ليس بعيدا من نذر خطر تداعيات فشل وثيقة الدوحة، ما دعا الاتحاد الاوربي باعلان وقف اطلاق النار بين الخرطوم وقطاع الشمال، والجلوس لمحادثات مباشرة لملتقى قرار مجلس الامن بالرقم 2046 حيث ان القتال قد افرز وضعا خطيرا في (جنوب كردفان ) و(النيل الأزرق) راجع جريدة الصحافة - تصريحات روزا ليندا مارسدن - مبعوثة الاتحاد الاوربي للسودان . (6) دراما الصراع وتراجيديا النتائج، يستدعي ضرورة النظر الثاقب، في مآلات الحالة السودانية، ويبدو مهما الالتفات إلى ان الخطوة الاولى في ذلك الاتجاه هي التأكيد على ان مصير السودان يهم كل اهل السودان، وان ذلك يمثل مدخلا لضرورة وضع خطة (طريق استراتيجية)، ولخروج السودان من مأزق الاستهداف، ونرى ان اجتماعا عاجلا.. بين القوى السياسية تسبقه اتفاقات على الحد الادنى من الوفاق يبدو ضرورة ملحة فالسودان، قطعا ليس محل خلاف في اجندة القوى السياسية التي تطرحها.. ملاحظات غير عابرة: من دروس التاريخ المستفادة ان غياب الوحدة الوطنية يؤدي الى نتائج خطيرة ، اقلها دمار ملامح الوطن وهويته ، وانكسار قدراته المادية وامكاناته المعنوية وتفرق قياداته.. وترصد تصفية الحسابات .. استهوتني في كتاب (العلاقات الدولية) لكارل دوتيش - نموذج مباراة الصراع بين الدول اسماه لعبة الكتكوت، ص 160 - وهي تجسد نتائج التهديدات المتبادلة وتتمثل هذه اللعبة فيما يلي: - يقود لاعبان سيارتهما في طريق منفرد بسرعة عالية يتجه كل منهما نحو الآخر مباشرة واول لاعب ينحرف من وسط الطريق كي يتفادى صداما يطلق عليه اسم (كتكوت) ويعتبر من قبل (المتفرجين) كأنه قد ارتكب فضيحة التراجع .. اما اللاعب الاكثر تهورا والذي يرفض ان ينحرف بعربته، فهو الذي يثير اعجاب (المتفرجين) لأنه (بطل)..! - النمط الذي تكشفه اللعبة يمثل (استراتيجتين): ٭ ان يتعاون اللاعب (أ) مع اللاعب (ب) بالانحراف ليتفادى كل منهما الصدام ويحمل اللاعب (أ) نفسه وزر الفضيحة، كما يراها مسرح الجمهور .. - انسحاب اللاعب (أ) من مصلحته مع اللاعب (ب) في البقاء على قيد الحياة فيقود سيارته مباشرة .. اما الى : - موته اذا فعل (ب) نفس الشيء او الى : نصر يحرزه اذا استسلم (ب).. - الواضح ان كل من (أ) و(ب) يقرران لنفسيهما سواء الانسحاب او التعاون.. ولكن الواقع ان قرار كل منهما يرتبط بالآخر..! - هناك اربعة نتائج يمكن ان تتحقق في هذه اللعبة وهي: - تعاون كل من اللاعب أ ، واللاعب ب بالانحراف عن مسار التصادم فلا يعاب تصرف اي منهما. - انسحاب كل من أ ، ب عن مصلحتهما المشتركة ويقودان سيارتهما نحو صدام يؤدي سواء الى: - قتلهما - اصابتهما بالشلل - تعاون أ بالانحراف بسيارته بينما يتولى ب الاستمرار بعربته الى الامام مباشرة، فيكون (أ) موضع التندر والسخرية بينما يكون (ب) موضع الاعجاب..! - انسحاب أ يقود سيارته للامام.. بينما يتعاون (ب) بأن ينحرف وتنعكس في هذا الافتراض الآية فيكون (أ) محل الاعجاب و (ب) محلا للازدراء والسخرية. ويقول النموذج (ان الاستراتيجية الافضل في كل الاحوال هي اختيار التعاون( بغض النظر عما يختاره الطرف الآخر لأنه لا يمكن التنبؤ بهذا الاختيار .. ) ما هي حالة التفاوض بين الشمال والجنوب بين وزيري دفاع البلدين.. .. .. ولماذا العودة لاديس ابابا!! - لفت نظري وانا اطالع الجزء المفقود من (محاضر مؤتمر الخريجين) 1939 - 1947 والذي اعده البروفسور الصديق المعتصم احمد الحاج ما قد يكون جينات عدم الادارة الرشيدة للتنوع، في بدايات حياتها السياسية ... الى معايير (نشيد مؤتمر الخريجين) كما جاء في الجلسة السياسية .. مساء الجمعة 31 مارس 1939 - هو ان يتضمن النقاط الآتية: ٭ الاعتزاز بالقومية السودانية. ٭ الحض على الوحدة. ٭ تمجيد العرب والاسلام. ٭ الاشارة الى نهضة البلاد العربية ..الخ راجع ص 35 ، 36 .. ٭ قد جاء بتقرير التعليم ، الذي ما يلي: بيننا وبين اقطار العروبة والشرق الاسلامي، تشابه كثير في نواحي عدة وذلك بتحدرنا من اصل واحد.. لهذا نرى ان يتجه التعليم هنا في روحه اتجاها شرقيا اسلاميا، لا افريقيا وثنيا.. ولقد تساءل كما قد يتساءل غيري... هل لم تكن للاثنيات الافريقية في ذلك الوقت وجود بالسودان.. هل كانت تلك الرؤى والآراء .. هي جينات الصراع الماثل.. والذي نأمل الا يطول.. الا في اتجاهه الصحيح ارجو ان تعودوا لمحاضر (مؤتمر الخريجين .. يبدو ان الاحساس الافريقي بكل تداخلاته العرقية.. والثقافية.. لم يكن موجودا في ذهن (الخريجين)!! وبالضرورة الحوار الافريقي...!!