كل المعطيات تؤشر أن لا مناص من وجود (قطاع الشمال) في طاولة التفاوض، وهذا تدعمه خطوة استدعاء قيادات الحركة إلى أديس أبابا حاليا، من قبل الوساطة الإفريقية، ويدعمه الواقع الذي يقول إن لقاءات وفدي دولتي السودان فشلت لمرتين بعد توقيع اتفاق التعاون في إحداث اختراق في الملف الأمني، وإنزال ما اتفقتا عليه إلى ارض الواقع، وهو يعني ببساطة وفقا لمراقبين بان كل ذلك تم في ظل غياب «القطاع» صاحب الشأن، وهذا يفسره البعض في أن الدولتين بعد أن وقعتا اتفاق التعاون ظنا بان المركب شارف على نهاية الرحلة سيما أن الاتفاق حمل في مضمونه حوافز غلب عليها الجانب الاقتصادي، فجوبا كانت تنظر للأمر من زاوية النفط وعودة ضخه عبر الأراضي السودانية وهي تضع حاجة السودان للمال نصب عينها، بينما كانت ترى الخرطوم بأن إتمام ذاك المقصد يمكنه أن يدفع الجنوب بقطع خيوط الوصل بينه والمتمردين، وبين هذا وذاك يغفل الجانبان عن عمد تعقيدات الملف في جوانبه العميقة، وهو أمر بحسب متابعين يأتي في خانة مغالطة الحقائق، ويدلي أستاذ العلوم السياسية د.صفوت فانوس بدلوه في هذا الجانب بقوله «أن استدعاء قطاع الشمال في هذا التوقيت يأتي في إطار انه لا يمكن أن يكون هناك حديث عن ترتيبات أمنية وتخلي جوبا عن القطاع في غياب الأخير» والمتابع لمجريات التفاوض واللقاءات السابقة بين وفدي الدولتين يجد أن التركيز كان على نقاط محددة لم يستطيع المفاوض مبارحتها وهي «فك الارتباط وإيقاف دعم المتمردين وإنشاء المنطقة العازلة» وهذه النقاط تمثل جوهر الاتفاق الأخير وعوده الذي سيجعله يقوى على الصمود، ولكن في ذات الوقت تعتبر تلك البنود هي الأكثر صعوبة في مسألة التنفيذ لأنها، ترتبط مع بعضها البعض وان إغفال أي من هذه النقاط من شأنها أن يعود بالاتفاق إلى مربع الصفر، غير أن المفارقة تكمن في أن»قطاع الشمال» هذا يمثل حجر الزاوية التي يقوم عليها تنفيذ البنود الأمنية بصورتها الكلية، لان «القطاع» عمليا الآن يعتبر الأكثر تأثيرا على استقرار العلاقة بين جوباوالخرطوم أو العكس، ويبدو أن هذه التعقيدات استصحبها المشرع الاممي عندما اصدر القرار (2046) الذي نص صراحة على ضرورة حل مشكلتي المنطقتين عبر التفاوض السياسي، لكون ان رسم الحدود وتحديد المنطقة العازلة لا يتم دون موافقة الحركة الشعبية الشمالية باعتبارها عمليا تتواجد في مساحة على الحدود بين البلدين. وفي وقت سابق أكد الأمين العام للحركة ياسر عرمان في بيان له استعدادهم للمساهمة في إنشاء المنطقة العازلة إذا طلب منهم المجتمع الدولي ذلك» وهو ما أكدته الوساطة في تقريرها الذي قدمته أول امس عندما أشارت إلى ضرورة حسم النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق باعتباره العقبة الرئيسية في الملف الأمني. مقربون من دوائر النفوذ يقولون بان كلا المسئولين في الدولتين يدركون هذه الحقائق جيدا ولكنهم يحاولون القفز فوقها بمظلات الأجندة السياسية، لكون أن كل منهما يفسر آليات التنفيذ بالطريقة التي تخدم مصالحه البعيدة والقريبة، حيث كانت عقدة « التفاهم بين الطرفين تقف في مساحة بعيدة عن منشار الحل، ففي آخر لقاء بالخرطوم فشل الطرفان بسبب «القطاع» ونقلا المفاوضات إلى أديس، وهو ما أكده وزير دفاع دولة الجنوب كونق فوج في تصريحاته عندما عاد إلى جوبا، حيث قال «أن وفد بلاده رفض الأجندة المقدمة من الجانب السوداني بشأن قضية منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان واعتبرها قضية سياسية وليست أمنية وحلها يتطلب رجوع طرفي القضية وهما الحكومة السودانية والحركة الشعبية قطاع الشمال، إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2046)، وكما هو معروف أن خطوة نقل المباحثات إلى أديس كان بطلب من الوساطة، الإفريقية ولكن الحيثيات الخفية في القرار بحسب متابعين هو إيجاد مساحة لوجود قطاع الشمال بغية الاستماع إلى رؤيته. بالأمس دخل وفد الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار في لقاء مغلق مع الوساطة الإفريقية برئاسة ثامبو امبيكي، ورغم أن القضية الإنسانية بحسب مصادر أن الوساطة استمعت إلى رؤية وفد الحركة فيما يتعلق بمعالجة المسألة الإنسانية في ولايات النزاع وفقا للاتفاق السابق مع الحكومة السودانية، ولكن النقاش في هذا الجانب كان ضمن الرؤية الكلية لإيجاد الحلول، حيث تجدر الإشارة إلى أن الحركة طالبت بفصل المسار الإنساني عن المسار السياسي، ورغم أن عدم إرسال الحكومة لوفدها الخاص بالمنطقتين بقيادة كمال عبيد يعطي إشارة بأنها غير معنية بوجود وفد قطاع الشمال في أديس وان اللقاءات محصورة في إطار اللجنة السياسية، وهو ما اكده الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية العبيد مروح عندما أشار الى عدم وجود حوار مباشر بين الوفد الحكومي وقطاع الشمال، وقال إن الوساطة لم تطلب من اللجنة المعنية بالتفاوض مع القطاع حول المنطقتين والتي يرأسها كمال عبيد القدوم إلى أديس، فيما جاءت تصريحات الأمين السياسي للمؤتمر الوطني حسبو محمد عبدالرحمن أمس بالمركز العام في هذا الاتجاه عندما نفى ربط تزامن وجود وفد الحركة بفك الارتباط وقال «أن وفد الحكومة قدم تصور الوساطة حول كيفية إنزال اتفاق التعاون الأمني الذي اشترطنا فيه الترتيبات الأمنية»، غير ان مصادر مقربة تقول ان التزامن كان مقصوداً والغرض منه الاستماع إلى رؤية وفدي الدولتين بالإضافة إلى رؤية القطاع، بغية الوصول لموقف وسط يضمن العبور بالملف إلى نهايته، ووفقا للمصادر أن الدور المتوقع من دولة الجنوب هو الضغط على حلفائها للجلوس مع السودان لمناقشة قضية المنطقتين بصورة منفصلة في إطارها المحلي، وهذا ما كانت ترفضه الحركة قطاع الشمال في السابق عندما طالبت بمفاوضات سياسية شاملة تشارك فيها الحركات المسلحة في دارفور للوصول إلى حلول نهائية للازمة السودانية، وهو ما أشار إليه العبيد مروح الذي لم يستبعد أن تكون زيارة قادة الحركة قطاع الشمال لها علاقة بما يمكن أن تلعبه الوساطة فيما يخص الحوار مع قطاع الشمال. ولكن يبقى السؤال المطروح هل تزامن وجود قطاع الشمال بأديس أبابا يمكنه ان يزيل جبل جليد الجمود الذى ظل عالقا بين الدولتين وفشلا في إحداث اختراق مطلوب في الملف الأمني، مراقبون للأوضاع يذهبون إلى القول بان هذا الجانب مرهون برغبة الأطراف وجديتها في النظر إلى القضية من هذه الزاوية، لكنهم يحذرون من أن بعض الدول الراعية تستخدم قضية القطاع كمخلب قط للوصول إلى مآرب أخرى، ويقول د.صفوت فانوس ل(الصحافة) امس «ان المشكلة تكمن في الاختلاف داخل الحكومة السودانية حول التفاوض مع القطاع من عدمه بالإضافة إلى العمليات العسكرية التي يقوم بها القطاع في جنوب كردفان بالأخص قصفه لكادقلي مؤخرا»وأضاف فانوس «هل الحكومة السودانية لديها الرغبة في مفاوضة القطاع لانه من الواضح ان الجنوب لا يستطيع ان يناقش مسألة القطاع هذه في ظل عدم وجود اتفاق سياسي بين الأخير والخرطوم» فيما يرى أستاذ العلوم السياسية بروفيسور صلاح الدين الدومة «ان التزامن من الممكن ان يحدث اختراقاً لكن ليس كما يتصور عامة الناس» واضاف» الآن توجد مناورات من قبل القوة الغربية المساندة للحركة الشعبية على رأسها أمريكا، التي تريد ان تفعل ما فعلته في نيفاشا وما بعد نيفاشا، لجهة انها تريد ان يوقع نظام الانقاذ على اتفاقية جديدة مع الحركة في جنوب كردفان والنيل الازرق، دون ان يستفيد نظام الانقاذ في الخرطوم ويتكرر ذات السيناريو السابق»، ويقطع الدومة بان الحكومة ليست لها إستراتيجية وسياسة واضحة للتعامل مع هذه القضايا فقط تتعامل بسياسة رزق اليوم باليوم ودائما ما ترتمي في أحضان الغرب الناعمة لمجرد أشياء بسيطة لا تسوي شيئا وبعدها تكتشف بأن هذه الأحضان ما هي الا أحضان ثعبان، على حد تعبيره.