٭ دوت كيشوت بطل رائع، ظلمته الروايات وألسنة الناس. وكم من بطل رائع ظلمته الروايات وألسنة الناس. وسارت سيرته بالسوء بين الأنام وكان إلى الخير أقرب. ٭ ألسنة الناس والروايات تفعل الأفاعيل، تحذف وتضيف بلا معيار ولا مرجعية، إن أحبك الناس أضافوا إليك من الحسنات ما ليس فيك. وإن أبغضوك أو كرهوك انهالوا عليك بالحجارة والطوب والكلمات. ٭ ودون كيشوت رائع وخيِّر، حارب طواحين الهواء من أجل إعلاء القيم وتمكينها وطرحها بين الناس للتداول اليومي. ٭ عشق دون كيشوت سيدة الجمال (دولينا). وكان عشقاً مبرأً من كل شائبة ومنفعة، لم يفكر في محادثتها أو مغازلتها. ولم يدر في خاطره أن يتزوجها أو يمتلكها، كان حباً من أجل الحب وبلا مقابل أو رجاء أو أمل وبلا غاية. ٭ وفي سبيل هذا الحب الروحي، خاض دون كيشوت المعارك ونازل طواحين الهواء، كان يحارب فقط من أجل أن يقرَّ الآخرون بأن (دولينا) سيدة الجمال منقطعة النظير. وكان حين يلقي بمصارعه أرضاً، لا يطلب غنيمة ولا كسباً، فقط كان يطلب منه أن يذهب إلى حبيبته (المزعومة) ويخبرها بانتصاره. ٭ وكل من انهزم أمام دون كيشوت وحمل منه رسالة، ضاعت منه الرسالة ولم تصل إلى سيدة الجمال منقطعة النظير (دولينا) لأنه لم يعرف المكان، وإن عرف المكان لم يعرف دولينا، فما دولينا إلا اسم بلا صاحب، اخترعه دون كيشوت وحارب في سبيله طواحين الهواء، من أجل إعلاء القيم وتمكينها بين الناس وطرحها للتداول اليومي. ٭ (سانشو) صديق دون كيشوت الذي ادعى أنه يعرف (دولينا) قال إنها تحسن رمي عود التدريب كأقوى شباب الحي، إشارة إلى أنها (مسترجلة) أكثر مما هي امرأة رقيقة الحواشي لينة. ووصف صوتها بالخشونة وأنها تحسن الجعير ولا تحتشم، وتضحك بسبب وبلا سبب. ٭ مع كل هذا الوصف السيئ لدولينا، رفع دون كيشوت رأسه وقال لصديقه في برود: أنت لا تعرفها.. ولأن روحك غليظة فأنت لا ترى إلا الصفات الغليظة. ٭ أراد سانشو تصوير صفات دولينا القبيحة والمبتذلة حتى يبعد عنها صديقه دون كيشوت.. لكن دون كيشوت لم يرعو وسار في درب حبه المبرأ من الشائبة والمنفعة، بلا غاية ولا أمل، امتشق سيفه وخاض المعارك ونازل طواحين الهواء، تحت شعار إعلاء القيم وتمكينها وطرحها بين الناس للتداول اليومي. ٭ في هذا الزمان.. قلَّ أمثال دون كيشوت، وكَثُرت طواحين الهواء، واختفى في التداول اليومي عند الناس، شعار إعلاء القيم.