لن تجد شخصاً واحداً من شرق السودان يحدثك عن صندوق إعادة اعمار شرق السودان بشيء من الرضاء، والسبب يعود الى ان سياسة وبرامج ومشروعات الصندوق لا تعبر عن مطالب اهل الشرق ولا تلبي طموحات الموقعين على اتفاقية سلام الشرق من قيادات جبهة الشرق، ولذلك جاءت حلقة برنامج «المحطة الوسطى» الذي تقدمه قناة «الشروق» مليئة بالتناقضات، فتارة تأتي إفادات مدير الصندوق بأنهم استلموا نصف الميزانية المخصصة للصندوق البالغ قدرها ستمائة مليون دولار بحسب الاتفاقية، وتارة يعود ليقول إن السبب في عدم تلمس إنسان الشرق حقيقة مشروعات الصندوق هو نقص الامكانات المادية، وان مبلغ ستمائة مليون دولار لا تخدم غرضاً، لأن الشرق يحتاج إلى المزيد من الاموال. وبغض النظر عن حجم الاموال المستلمة بواسطة الصندوق من وزارة المالية وحجم الاموال المخصصة من المانحين العرب والاجانب لصالح انسان شرق السودان، فإن محصلة عمل صندوق اعادة اعمار شرق السودان طيلة السنوات الخمس من عمر الاتفاقية وما تلاها من وقت اضافي، تساوي صفراً كبيراً بشهادة سكان وقيادات شرق السودان، ولا يحدثك مثل خبير. إن مثل صندوق الشرق ومثل اهل الشرق هو كمثل اناس في عرض البحر رموا شباكهم فاصطادوا صندوقاً ثقيلاً محكم الاغلاق، ولما حملوه الى البر وفتحوه وجدوه فارغاً، وكان ثقله بسبب كمية الحديد المصنعة منه، اي بمعنى ان الصندوق حمده في بطنه، فلا يبين للبسطاء من اهل الشرق له اثر، ولذلك جاءت مكالمة المواطن من محلية عقيق تكشف للمتابعين أن الصندوق حفر عشر آبار في مختلف مناطق المحلية التي تعاني من انعدام مياه الشرب، ولكن دون ان يخرج من هذه الآبار ماء يسقي العطشى، ثم جاء رد مدير الصندوق فكان عذره غير مقنع، حيث أفاد بأن الآبار حفرت، وكان الغرض منها توفير مياه الشرب. والسؤال هو كيف تسنى للصندوق ان يطبق في شرق السودان مشروعات غير مدروسة ويصرف عليها ملايين الدولارات من مال المانحين السايب؟ إن الصرف على المشروعات غير المدروسة يفهم منه تبديد الأموال في الصخر الصلد، ومن الواضح ان الماء لن يخرج من تلك الاراضي الجبلية الا اذا ضربت بعصا سيدنا موسى، فلماذا بدد الصندوق اموال المساكين؟ لقد كتبنا عن صندوق اعادة اعمار الشرق ما لم يكتبه مالك في الخمر، ولكن دون جدوى او إصلاح كعادة هذا النظام وأربابه في الضرب بعرض الحائط بأقوال المصلحين، ولذلك استمر الصندوق في تنفيذ السياسة المرسومة له، فهو أداة يتم عبرها صرف ملايين الدولارات سواء تلك الوهمية المستخرجة من الخزانة العامة او اموال المانحين الذين صدقوا ان اموالهم تذهب الى مستقرها ومستودعها، ومن المهم ان يفهم ابناء شرق السودان ان الصندوق الذي تعمدت السلطة الموقعة على اتفاقية سلام الشرق أن يأتي اختيار مديره بواسطة الحزب الحاكم وليس قيادات الشرق، من المهم ان يفهموا ان ذلك الاختيار كان لغرض ان يحصل الشرق على صندوق فارغ تماماً مهما ثقل وزنه وتم ترفيع مديره الى درجة الوزير بالدولة. فعادة ما تختلق الدولة مناصب وهمية للتفخيم واضفاء الجاذبية علي شخوصها، ولن يحدث الصندوق فرقاً في وجه الحياة في ولايات الشرق، لأن التنمية تعني التوعية، والتوعية تقود ابناء الاقليم المهمش الى المطالبة بالحقوق والمشاركة في اتخاذ القرار والتوزيع العادل للثروة، وهو ما يعتبر خطاً أحمر بحسب السياسة المركزية المتبعة التي بسببها تشتعل الآن غالبية الأقاليم الغنية الملتهبة. إن برنامج «المحطة الوسطى» مهما اعطى للصندوق من مساحة للتعبير فلن يفلح في اقناع ابناء شرق السودان بجدوى ما يقوم به من تصرف في الاموال المخصصة لشرق السودان، وبنظرة سريعة يدرك المتابعون لمشروعات الصندوق خطل تلك المشروعات، فالآبار التي تحفر لا تخرج ماءً، والمدارس التي تبنى لا يرتادها التلاميذ، والمستشفيات التي يلوحون بتشييدها بالعشرات تفضحها حالة المستشفيات القائمة منذ العهد الانجليزي المصري، والتي تقف شاهدة على بؤس الخدمات وبؤس السياسات وبؤس الانسان الذي حكمت الأقدار عليه أن يستوطن تلك البقاع المنسية، ويتحمل قسوة الطبيعة وقساوة قلوب الحاكمين وأشياعهم.