ثمانية أعوام مرت على رحيل المفكر السوداني الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد، ومن عجب أن المفكر الراحل مشهور خارج السودان أكثر من شهرته بين أهله وعشيرته، فقد بلغت مكانته الآفاق في العالمين العربي والإفريقي، ولا غرو فقد كان المرحوم نصيرا للثورة الإرترية منذ بواكيرها في ستينيات القرن الماضي، ثم عاش فترة في الشام، ثم انتقل إلى الخليج، وحيثما حلّ نفع وأفاد. ومن هنا جاءت احتفائية مركز التنوير المعرفي بالمفكر الراحل. في بداية حديثه أشار الطاهر حسن التوم إلى أن الراحل كان خارج المؤسسات الحزبية والأكاديمية، لذلك لم يأبه به كثير من الناس، وأضاف ان الراحل من مواليد 1942م، وكتب كتابه الأول الوجود القومي في السودان عام 1962م ولم يتجاوز حينها العشرين، ثم كتب كتابه الثاني عن الثورة والثورة المضادة عام 1969م ولم يبلغ الثلاثين بعد، أما كتابه عن العالمية الإسلامية الثانية فقد كتبه ولم يتجاوز الأربعين من عمره، وقد ولد الفقيد في مقرات وكان والده غردوني، وهو مهندس معماري من كبار الاتحاديين ومن خلفاء السيد علي الميرغني. ساهم المفكر الراحل في ثورة اكتوبر،والثوة الإرترية، وهو خبير في القرن الأفريقي وقد تحدث عن كونفدرالية القرن الإفريقي، وهو الذي أسس معرض الشارقة الدولي للكتاب وصحيفة الخليج، وقد كتب عن الشام وفلسطين والخليج والسودان، وانتبه مبكرا لأزمة الحكم الاتحادي ودوره في تفتيت السودان، ونادى بكونفدرالية مع الجنوب حتى لا ينفصل، وأرسل دراسة بهذا للبروفيسور إبراهيم أحمد عمر، ونبه الأستاذ الطاهر إلى ضرورة تحديد تاريخ كتبه حتى نتابع التطور الفكري للمفكر الراحل، ودعا إلى ضرورة عدم انتزاع الكلام عن سياقه التاريخي لمحاكمته الان. كثير من مشاريعنا الفكرية محاصرة تحت سهام الأوصاف الجاهزة والتصنيفات السياسية. بهذه العبارة بدأ الأستاذ غسان علي عثمان حديثه عن الراحل حاج حمد، وأشار إلى أن حاج حمد أول من تنبه إلى متلازمة الأزمة السودانية وهي الهوية، وهو يؤمن بأن هناك أكثر من منطق يمكن أن ندرس به الحالة السودانية، وقد حمل الراحل في كتاب السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل على الطائفية واعتبرها من أسباب تخلف السودان، ونعى على المثقفين التحالف معها، ولاحظ أن الراحل قد دخل للفكر من بوابة السياسة، وقد تم فصله من المدرسة بسبب مظاهرة لسبب خارجي وهي اتهام حكومة عبود بالتآمر على قتل الزعيم الإفريقي لوممبا، وهذا يؤكد البعد الاستراتيجي المبكر في شخصية الراحل، ونبه الأستاذ غسان إلى أن الراحل لا يكتب بلغة علمية معقدة،وإنما لغة حكاية وعد ذلك من التأثر بالمدرسة الفرنسية، وهي لغة محفزة ومشجعة على القراءة، وأشار إلى أن الراحل كان من أنصار مدرسة التحليل التاريخي ومنهج التحدي والاستجابة الذي كان المؤرخ توينبي رائده، وأن كتاب الإسلام والعالمية الثانية كتاب تاريخ للأديان وليس الإسلام فقط، وأن جوهر فكر حاج حمد الجمع بين القراءتين، وكان الراحل ينادي باعتبار القرآن وحدة عضوية ولا نستطيع أن ننزع عنه عضو بمعزل عن بقية الجسد، وهو من أنصار فكرة المجال الدلالي. ونادي الأستاذ غسان في نهاية حديثه إلى الاحتفاء بتراث حاج حمد وتكملة ما بدأه من مشروع معرفي. الأستاذ محمد خليفة صديق، لاحظ في بداية حديثه أن حاج حمد ينظر إلى تكوين السودان بدون خصومة بين عروبته وافريقيته، ويرى أن العروبة ليست قومية عنصرية وإنما هي جماع حضاري، وهي أمة الأمم وقومية القوميات وقد أصبحت كلاً جامعا لا ينحل إلى عناصر تكوينه الأولى، ولاحظ الأستاذ محمد خليفة أن حاج حمد تنبأ مبكرا بأن ما يحدث في السودان سيقود إلى انفصال الجنوب، وأن الإنقاذ تحولت من مشروع وطني إلى مشروع عقائدي جر عليها عداء دول الجوار، وتنبأ بأن اللامركزية المطبقة في السودان ستنبعث منها القبلية، وأن الحلول من خارج السودان لا تجدي، وقد كان الراحل يسمي اتفاقية نيفاشا حصان طروادة الذي سيؤدي إلى تفكيك السودان، وعارض اتفاقية سويسرا الخاصة بجبال النوبة ونادى بالكونفدرالية مع الجنوب، ولاحظ الأستاذ محمد خليفة أن الراحل حاج حمد، له تنبؤات سياسية كثيرة معظمها قد تحقق، فهو قد تنبأ بأن تفاوض الحكومة مع حاملي السلاح في الجنوب سيغري الشماليين المعارضين على حمل السلاح، كما تنبأ بأن منظومة الإنقاذ ستنفجر من الداخل، وتنبأ أيضا بالصراع بين الرئيس ونائبه الأول. واختتم الأستاذ محمد خليفة صديق حديثه عن الراحل بأن حاج حمد كان يرى أن الديمقراطية لن تنجح في وضع متخلف اقتصاديا واجتماعيا.