الخرطوم تفقد ذاكرتها من فرط الإرهاق، ويتساقط التاريخ تحت وطأة المؤامرة والجريمة، ويغيب الموت الرموز، وتتلعثم الحقائق اختناقاً من تشتت الجبهات وتعددها.. محمد أبو القاسم حاج حمد، احد ابرز رموز الفكر السياسي السوداني، واحد المحترمين القلائل من الفرق والشيع والاحزاب، يحتفى به الإسلاميون ويجله اليساريون، وتتخذه رمزاً الحركات الثورية، وهو من كل ذلك زهد في الحياة ولم يمنحها سوى الغياب.. الخرطوم ربما استيقظت فجأة على لوعة الفقد الجلل، وقررت على عجل إعادة إنتاج رموزها تكريماً واحتفالاً وربما بحثاً وتدقيقاً، فكان الاجتماع على سيرته بمركز التنوير المعرفي أمس. مفكر جامع الطاهر حسن التوم الإعلامي المعروف ابتدر حديثه بتوصيف حاج حمد بالمفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مستعرضاً مؤلفاته ومحاولاته لتاريخ السودان، وقال (له العديد من الكتب التاريخية الوطنية وله إسهامات كثيرة رغم عمره القصير، لكن إسهاماته حقيقية تثرى الساحة السياسية والفكرية والاقتصادية). الطاهر شرح اهتمامات حاج حمد ولخصها في القضايا النظرية والتطبيقية بمجالاتها المختلفة وعدد مؤلفاته في المأزق التاريخي، العالمية الفكرية الثانية، الثورة والثورة المضادة، بالإضافة للعديد من الصحف مثل صحيفتي الخليج والشارقة . الطاهر حسن التوم اعتبر أن إسهامات الرجل ذو المواقف الصلبة محاصرة بالإهمال رغم ثرائها، وأن دور الأجيال الحاضرة فك هذا الحصار الذي تعانيه مسيرته الكبيرة الثرة الطويلة العالمية والمحلية التي تستحق الاعتراف والاحتفال.. محطات في مسيرته: الطاهر ذهب الى أن نص أبو القاسم يدافع عن نفسه، واعتبر أن ابرز محطات الرجل مجيئه بالصلح بين أسمرا والخرطوم واهتمامه بمسألة القرن الأفريقي ومنطقة الخليج والدول العربية لذلك يجب الاستفادة من مسيرته وإنجازاته الضخمة والمفيدة.. الوقوف عند حدود الاحتفال، كان محل نقد من التوم وأكد بأن الاحتفال بمثله لا يكفي لأنه يستحق الكثير منا لما تركه رغم كونه ليس أكاديمياً بارزاً ولا ينتمي لحزب سياسي. أبو القاسم حاج حمد تقول سيرته انه من مواليد 1942م ، والّف أول كتاب له في العام 1962م، وتوفي في العام 2004م، تعرض للفصل من المدرسة بمشكلة لا ذنب له فيها، وكرس جهده في المكتبة ليصبح فيما بعد مهندساً معمارياً، وبرغم أن والده من كبار الإتحاديين الا أنه لم يتوان عن نقد الحزب الإتحادي الديمقراطي. ملكاته: تميز حاج حمد بالدراسة المتأملة للقضايا ويناقشها بجد وحيوية ويجد لها الحلول الحالية والمستقبلية، ينضح بالوعي الباكر، ويعد أحد المساهمين في ثورة أكتوبر، قدم الكثير من المواقف المشهودة والمشهورة والإسهامات الأكثر عمقاً وهو بعد لم يتعدى الأربعينيات. حياته الدينية والسياسية: من جانبه، قال غسان علي عثمان إن المعركة التي خاضها من القضايا الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها والكثير من المشاركات والإسهامات الداخلية والخارجية والذاتية محاصرة كما ذكر الطاهر وقد قدم حقلا بشريا كبيرا وهذا يفيدنا كثيراً في مشاريعنا الفكرية والسياسية وغيرها، وقال ان المشروع الفكري والظواهر الدينية التي قدمه ذا فائدة عظمى ووصفه بالرجل الأزماتي ويعشق المغامرات ويجد الحلول لها مثل أزمة (الوجود القومي في السودان) كل هذه الإنجازات والاسهامات كانت في زمن مبكر من عمره وهو مفكر ثلاثي. وأضاف غسان انه أتى بإقليم بحت في السودان ويعيش الوحدة وحاول أن يدرس داخل بيئة تمر بالشروط الداخلية الذاتية بالبلاد وبما أن انقطاعات تاريخه والتحليل التاريخي ليس رواياتي وهو يكتفى بالتوصيف ضد الشئ هو مزيج من الدراسات الذي قدمها الدينية والسياسية وغيرها ولديه مظهر شديد الهضم ويدرس أية ظاهرة من الظواهر ومعرفته ليس واحدة فقط بل معرفة لمشاريع كثيرة جداً منها دراسته للأحزاب وقضية حلايب. إضافة للكتب المرجعية التي قدمها وخيبة أمله كانت في المثقف السوداني الذي تمنى أن ينجزه وقد دخل الفكر من بوابة العمل السياسي والتحليل التاريخي وهو من أوائل الذين لديهم الفكرة والخبرة لتثبيت الهوية ونقد المثقفين ويستخدم لغة ليس صارمة بل لغة ودراسة وحكاية. وكان من أول الذين تحدثوا عن (كيف نستطيع أن نحكم السودان) واهتمامه بالديمقراطية، وقال ان موضوعه ينتخب منهجيته الذي ينتهجها وصاحب مدرسة التحدي الذي يهدد الظواهر. وأضاف: حديثه عن الظواهر بصور عامة ليس الدينية فقط والتاريخ الديني ليس للمسلمين فقط ويريد أن يدافع كما يشاء وجوهرته الجمع بين القراءتين (لا نستطيع أن ندرس القرآن لتوظيفه هنا وهناك) ولديه حدود معرفية وقد وصلها وحصاره حصار كسلي. ولادة من رحم الفشل: قال محمد خليفة صديق حاج حمد غادرنا وخلّف وراءه أعظم سيرة وله العديد من الكتب والروايات والمجلدات والإسهامات والإنجازات، واعتبر تركيبة السودان الحضارية لا تقوم على خصام أفريقي عربي وهو يتحدث عن العروبة بين الدول العربية في أفريقيا والعروبة هي أمة الأمم. وتحدث عن مشكلة جنوب السودان وتنبأ إلى ما يحدث في السودان سيقود لانفصال وعن الإنقاذ أيضاً. وانتقد طرح الحل الإسلامي أنه كان يرى اللا مركزية السائدة في السودان ستؤدي لإشكالات قبلية وتفكيكية كما حدث الآن التراجع للقبلية والديمقراطية المفرطة. وأضاف تحدث أيضاً عن الجيل الجديد وأنه لا يستطيع أن ينهض بالبلد. وقال وهو ولد أثناء إدمان جيله للفشل والآن الجيل الحالي هو جيل العولمة وعدم القناعة بكل شئ، وأشار إلى أنه مملكة ضخمة من العلم والمعرفة وهو أحد رموزنا الفكرية والأدبية بإسهاماته الكثيرة التي خدم بها كلاً من الدول العربية والأفريقية والأوروبية وما ترك من أثر نافع وقيم جداً، هو شخصية علمية تحليلية فكرية وصاحب العديد من الكتب ومؤرخ ويكتفي بوحدة النص. وقال انه يتفق ولا يتفق مع الشيخ الترابي بفكره الكبير ويهتم بالبيئة اللغوية في القرآن الكريم وينافي في كثير من الأحاديث .