بذات تعقيدات القضية التي لم تتبلور حلول واضحة بشأنها منذ ما يربو على العشر سنوات، جاء مستوى النقاش في تلك القاعة «الفخمة» بفندق كورنيثيا حارا وحادا رغم برودة ليالي هذا الشتاء الغارس، فمساء الخميس الماضي قصدت لجنة الاتصال بحركات دارفور المسلحة أن تجعل منه مساء لا تشفع معه المقولة المازحة «الخميس أو بيع القميص» لأنها وضعت أنباء دارفور في البرلمان أمام منبر يحمل قدرا من التحدي ولمهمة لا تنقص عن المهام التي دفع بهم الشعب من اجلها إلى شرفة المجلس الوطني، قصدت اللجنة من وراء لقائها الذي أسمته بالتفاكري مع هؤلاء النواب بالإفصاح عن خطة عملها لانجاز دورها الذي قالت بان النائب الأول للرئيس على عثمان طه طلب منها الإسراع في خطواته، وهو أمر له دلالات حسبما أشارت، وقالت بأنها في حاجة إلى توجيهات وموجهات ومقترحات ومساهمات النواب التي تعينها على أحكام أقفال أفكارها الرامية إلى تحقيق السلام، وطلبت منهم حث القبائل والجهات التي يمثلونها بدعمها والمساهمة في الاتصال بالحركات. وفي ورقة من صفحتين لا يزيد عدد كلماتها عن الخمسمائة اختصرت اللجنة خطتها التي تريد ان تحل بها أزمة كتب عنها البعض ملايين الكلمات هذا بخلاف المداد الذي سكب حول اتفاقيات وتفاهمات لم تقوَ على الصمود، الديباجة اعترفت بان حل مشكلة دارفور استعصت على العديد من المحاولات ولذلك حملت أهمية وضرورة إشراك اهل دارفور وقالت ان اللجنة شكلها رئيس السلطة الإقليمية انطلاقا من مؤتمر الفاشر في يوليو الماضي، وضعت اللجنة هدفين للخطة تمثلت في تشجيع جميع الأطراف للوصول الى سلام شامل ومستدام في الإقليم وإشراك جميع المكونات في العملية السلمية، ولتحقيق ذلك حددت اللجنة أربعة وسائل وآليات تركزت حول الاستفادة من المبادرات والجهود التي بذلت في هذا الشأن من قبل، الاتصال والجلوس مع الجهات ذات الصلة بالقضية، عقد اجتماعات وحوارات ومناقشات محلية وخارجية وتقريب وجهات النظر بين الأطراف. سبع جهات قالت اللجنة بأنها معنية بالاتصال بهم لتحقيق الهدف، أبرزها الحكومة ممثلة في رئيس الجمهورية ونوابه بغية دعم اللجنة وتهيئة المناخ، الحركات المسلحة غير المنضوية تحت وثيقة الدوحة، مقابلة مواطني دارفور للتفاكر معهم حول المهمة والاستفادة من مقترحاتهم ومن ثم اللقاء بمواطني دارفور في الخرطوم ممثلين في النواب والنظام الأهلي ومنظمات المجتمع المدني، وكذلك استصحاب رؤي اللاجئين والنازحين من خلال الاتصال بهم، المجتمع الدولي الذي قسمته إلى اثنين الشركاء للتعريف بمهمة اللجنة ودولة قطر باعتبارها الشريك والراعي للوثيقة، والهيئات والمنظمات الوطنية ممثلين في القوى السياسية الوطنية ومنظمات المجتمع المدني الاخرى...ختمت اللجنة خطتها بتعهدات لإخلاص النوايا والعمل بالصبر والحكمة. ويبدو أن الاختبار الأول لهذا الصبر ترجمته مداولات اللقاء بصورة عملية عندما صوب النواب سهام انتقادات وحزمة مقترحات لا تخلو من نقد لاذع أحيانا إلى اللجنة، فبعضهم اعتبر ان اللجنة ليست جادة ولا حتى الحكومة نفسها جادة وما يتم ضرب من ضروب الخيال الذي ربما غير جامح، وآخرون اتهموا صراحة جهات قالوا بأنها نافذة لا تريد لأي عمل يرمي لحل أزمة دارفور بالنجاح، وحذروا أعضاء اللجنة من الوقوع في براثن أخطا الماضي، غير أن الناطق الرسمي باسم اللجنة نصرالدين احمد عمر قال بان اللجنة أجرت اتصالاً استكشافياً استطلاعياً بالحركات المسلحة عبر الهاتف قام به رئيس اللجنة صديق ودعة والتي ابدى بعضها استجابة وصفها بالمشجعة، وأشار إلى أن الرئيس البشير ابدى دعمه للجنة بغية تحقيق هدفها، ونوه نصر الدين إلى ان بعض ممثلي المجتمع الدولي سارعوا بالاتصال باللجنة للتعرف على أهدافها وما يميزها وابدوا مواصلة جهودهم لدعمها، وقال إن ابرز الذين قابلتهم اللجنة «اليوناميد، وسفراء»أمريكا، هولندا بريطانيا بالإضافة إلى ممثل الأممالمتحدة» ونوه إلى ان هؤلاء ابدوا قلقهم من الأوضاع الإنسانية في الإقليم وعرقلة بعض الجهات الرسمية لعمل المنظمات الإنسانية بدارفور وبالتالي بحسب نصرالدين رهنت تلك الجهات تقديم أي مساعدات باستجابة الحكومة. في شكل استفهامات مترعة بشغف الإجابات ومصحوبة بشئ من التوضيح دفع النواب بآرائهم وهم يتداولون أمر هذه اللجنة، وانطلاقا من خطة العمل التي وضعت أمامهم تساءل بعضهم عن الكيفية التي سيتم عبرها الاتصال بتلك الحركات وبأية آلية وفهم يتم إقناعهم؟ بينما دلف آخرون إلى تصويب اللجنة بأن عملها هذا لا يجب ان يشمل النازحين واللاجئين بدارفور لان ذلك شأن لا دخل لها به، فيما نبه البعض الى ضرورة حسم خلافات السلطة الإقليمية وولاة دارفور على رأسهم والي شمال دارفور كبر لان ذلك من شأنه ان يعطي إشارات سالبة بان الأمور ليست على ما يرام، وعلى الرغم من إلحاح رئيس الجلسة الفريق ركن حسين عبدالله جبريل بان النقاش يجب أن ينصب حول المقترحات المفيدة، إلا أن النواب كأنهم وجدوها فرصة لتفريغ الشحنات من دواخلهم، فشطح بعضهم ساردا ومذكرا ومحذرا بالتاريخ ومآلاته وحكى آخرون مواقف مؤلمة ومضحكة، فالفريق إبراهيم سليمان الذي قال بأنه يحمل تجارب عديدة حول اللجان والبحث عن سلام في دارفور تأسف في بداية حديثه لكونه يقول كلاماً صريحاً في وجود الإعلام، وقال «كان يجب ان يتم هذا اللقاء في السر لأننا نريد ان ندلي بآراء صريحة» وزاد»اقضوا حوائجكم بالكتمان»، و أشار سليمان إلى انه في وقت من الأوقات السابقة كونوا لجنة مماثلة ولكن كان هنا من بينهم يحرض الحركات التي تحمل السلاح بعدم الاستجابة، حيث كان ذلك مدخلا للرجل بأن يحذر اللجنة من مغبة مشاكل كبيرة ستواجهها، واستحسن سليمان خطوة تكوين اللجنة وأشار إلى انه في السابق كانت هناك مشكلة في ان يدخل شخص من دارفور في حل قضية الإقليم، ونوه إلى ان اللجنة يجب ان يكون عملها محدودا جدا وهو ان تذهب لتأتي بحاملي السلاح للتوقيع على اتفاق، تهيئة المسرح الداخلي ودعم اتفاقية الدوحة الحالية والحيلولة بينها والسقوط، أتى ضمن سياق مناقشات النواب، الذين نبهوا إلى ضرورة أن يدعم نواب دارفور السلطة الاقليمية من خلال مواقعهم ومن بين ذلك قضية مشروعات التنمية وطريق الإنقاذ، لكون ان ذلك مدعاة لحث الآخرين بالدخول، ويقول الأمين العام لهيئة نواب دارفور حامد عبدالله حماد، «ان المحطة الأولى تتمثل في وحدة اهل دارفور في الداخل وفي هذا يشير حامد إلى الخلاف بين «السلطة وكبر» واعتبره مؤشراً سالباً ولا يدل على ان هؤلاء الناس في حالة وحدة، مما يجعل الأطراف الاخرى بان لا تستجيب للنداء، وأضاف «حاملوا السلاح لن يثقوا بنا طالما كانت مثل هذه الخلافات موجودة»، ونوه حامد إلى أن من ضمن عناصر تقوية عمل اللجنة يجب ان يدعم النواب تنفيذ المشاريع التنموية المهمة في دارفور، وأشار إلى ان أسس الاتصال بين اللجنة والحركات المسلحة يجب ان تكون واضحة مع إيجاد ضمانات من قبل الحكومة بان ما يتوصل إليه سيجد التنفيذ..بينما قال عضو البرلمان المهندس عبدالله على مسار «ان اللجنة اذا كانت معنية بالاتصال بالحركات المسلحة فإن تضمين النازحين واللاجئين في عملها يصبح امراً لا معنى له، لانه سيدخلها في نفق لا طائل منه»، واقترح مسار ان تسلك اللجنة اتجاهاً أكاديمياً تحصر الاتصال بين الحكومة والحركات، في وقت قال وزير العدل مولانا محمد بشارة دوسة ان هناك اتفاقية موجودة يجب ان تسعى اللجنة إلى تطبيقها، ونوه الى ان الاتصال بالمجتمع مهم اذا كان يحقق الغرض، فيما تساءل النائب عماد الدين بشرى عن دور دولة الجنوب وهل ستضعها اللجنة في الاعتبار وهي تبحث عن إقناع الحركات؟