باتت شريحة بائعات المأكولات والشاي من الشرائح المؤثرة في المجتمع وصاحبة اسهام اقتصادي واجتماعي قد لا يكون منظوراً للبعض، ولعل سعي السلطات لتقنين وتنظيم هذه المهنة يعني اعترافاً ضمنياً بالمعاملات في هذا المجال، وهن نساء دفعت بهن ظروف الحياة للعمل طوال ساعات اليوم لتوفير ما يكفي من مال لمواجهة المتطلبات الحياتية الضرورية من مأكل ومشرب وعلاج وتعليم، ولمعرفة الوجه الآخر للنساء العاملات في هذا المجال، فضلت «الصحافة» الجلوس اليهن وسؤالهن عن الكثير من القضايا والموضوعات التي لا يتطرقن اليها كثيراً، وابرزها علاقتهن الاجتماعية في اماكن سكنهن ومواقع عملهن. وتشير احدى بائعات الشاي التي تتخذ لها موقعاً بالقرب من المركز الفرنسي بوسط العاصمة إلى انها تحضر الي مكان عملها في الساعة الرابعة صباحاً وتعود الى المنزل في السابعة مساءً، وتقول ان الظروف الاقتصادية هي التي املت عليها العمل في هذه المهنة رغم مشقتها، مشيرة الى انها اذا حظيت بفرصة عمل في مجال آخر لتركتها، وذلك للمعاناة الكبيرة التي تواجهها، وتعترف بأن مهنتها اثرت على علاقاتها الاجتماعية في الحي، وذلك بسبب وجودها طوال ساعات اليوم خارج الحي، الا انها تشيد بتعامل زبائنها في مكان عملها، وتشير الى انها خلقت علاقات اجتماعية مميزة معهم، مشيدة بتعامل الرجل السوداني واحترامه للمرأة العاملة. اما قسمة ابراهيم التي تمارس مهنة بيع الشاي بشرق مركز الخرطوم، فهي تؤكد ان المهنة التي تمارسها محترمة وشريفة وتمثل لها مصدر دخل يغنيها عن الحاجة إلى الآخرين، مؤكدة اعتزازها بهذه المهنة رغم النظرة الخاطئة اليها من قبل البعض، مشيرة الى انها تحضر الى مكان عملها في السابعة صباحاً وتعود الى منزلها مساءً، معترفة بتقصيرها مع اهل الحي الذي تقطن فيه، وذلك لعدم مشاركتها مناسباتهم الاجتماعية، وتؤكد متانة علاقتها مع زبائنها الذين وصفتهم بالمحترمين، كاشفة عن ان العلاقة باتت اسرية ويسودها الاحترام والتقدير، وقالت إنها اذا غابت عن العمل يسألون عنها تلفونياً، وتشيد بالشباب من زبائنها الذين قالت انهم يهتمون بقضايا الوطن، ويتناولون من خلال نقاشاتهم بالقرب منها الكثير من القضايا التي تهم الوطن، معتبرة هذا امراً ايجابياً يوضح تفاعل كافة شرائح المجتمع مع مختلف قضايا البلاد والمواطن، إلا أنها ترى أن معاناة المجتمع جراء الازمة الاقتصادية ألقت بظلالها السالبة على الجميع وجعلتهم يحملون هموماً كبيرة. وفي شارع الحرية التقت «الصحافة» ببائعة الشاي الشابة سلوى ناصر التي كشفت أنها خريجة جامعية «تخصص تسويق»، وانها لم تجد عملاً رغم بحثها المتواصل عن وظيفة في الشركات الخاصة والقطاع العام، وقالت إن مهنة بيع الشاي لا تناسبها بوصفها فتاة، ولكن ظروف الحياة وتحملها مسؤولية الصرف على اسرتها حتمت عليها بيع الشاي، مؤكدة ان علاقتها مع الزبائن حازمة ولا تتعدى حدود العمل، وانها لا تترك فرصة لتجمع الزبائن حولها وتقوم بايصال الطلبات الى المؤسسات التي تقع بالقرب منها، لافتة الى ان علاقتها طيبة مع زبائنها، وانها تتمسك بهذه المهنة رغم صعوبتها، وذلك انطلاقاً من مبدأ ضرورة التعامل مع الأمر الواقع. وبالقرب من موقف جاكسون تحدثت ل «الصحافة» البائعة بهجة عوض التي ارجعت ممارستها مهنة الشاي الى عدم وجود وظائف، وللضرورات الاقتصادية والعائلية، وقالت انها لم تكمل تعليمها ووقفت عند محطة المرحلة الثانوية، وذلك لأنها فضلت ان تتيح الفرصة لاخوانها لمواصلة التعليم، كاشفة عن علاقة طيبة تجمعها بزبائنها. اما الحاجة نفيسة التي تعمل بائعة اطعمة بسوق بحري، فقد أشارت الى ان علاقتها مع زبائنها تخطت محيط العمل وتحولت الى علاقة أسرية، مؤكدة أن الشعب السوداني مسالم وودود، وانها تجد احتراماً وتقديراً من كل الذين يتعاملون معها، الا أنها شكت من تقصيرها في حق جيرانها بالحي الذي تقطنه، وتمنت أن تتحسن اوضاعها حتى تتمكن من اخذ قسط من الراحة يتيح لها التواصل مع جيرانها وأهلها.