هكذا نردد في السودان في مواسم الأعياد ومن بينها عيد الاستقلال المجيد.. «تعود الأيام» فيأتيك الرد هاشاً باشاً «بالصحة والسلامة».. فقط الصحة والسلامة، وما أجملهما وما أوجزهما من مفردتين. الصحة تلك النعمة التي إن تناسينا فضلها في غمرة الجري واللهاث وسط مطارق الحياة، فعلينا أن نعرج إلى أقرب مستشفى حكومي، حيث نجد الموجوعين المعدمين وآهات وجعهم تصرخ في وجهنا، والسلامة وهي تحمل كل معاني الأمن والأمان، وإن غفلنا عنها فعلينا أن نتذكر فزع المواطن في كل بقاع السودان وهو يرى تربص النوائب به في أمنه وقوت عياله ومستقبله. تعود الأيام بالصحة والسلامة لكل أبناء السودان.. لكل أبناء دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، وهم مطحونون بالنزوح والتشرد ومحشورون بين الرصاص المتناثر من كل البنادق.. الفصائلية والحكومية والأممية.. بنادق فصائلية كلما أسكتنا دوي واحدة منها بالمناصب، اشرأبت إلى السماء عشرات أُخر. تعود الأيام بالصحة والسلامة للمواطن البائس الذي قصمت ظهره تكاليف الحياة، وراحت الدولة تبيعه جرعة الدواء وشربة الماء ومقعد لطفله في المدرسة وضوءاً حسيراً في منزله، وفوق ذلك باعته كل فواتيرها من هدر المال العام. تعود الأيام بالصحة والسلامة للوطن، وهو أبعد ما يكون عن الصحة والسلامة.. فقد أزهرت فيه بذور الشر وتطاولت أغصانها من جهوية وقبلية وفساد وإقصاء وظلامات وتهميش.. فأينعت منابر الحركات المسلحة في غياب الرشد السياسي والغبن والظلم وسياسة إطفاء الحرائق بسكب المزيد من الجمر عليها. تعود الأيام بالصحة والسلامة على أحزابنا وساستنا وهم منقسمون ومشرذمون يلتمسون النصح ضحى غدٍ قد يأتي أو لا يأتي، والوطن يكاد يحترق معهم بنيران الفرقة والانقسام، بينما تُشحذ النصال وتُسن هنا وهناك لذبحه. تعود الأيام بالصحة والسلامة على آمال التحول الديمقراطي الذى وئد بفعل غياب النضج السياسي، وبفعل القوانين المقيدة للحريات، ويصر البعض على أن يطأه بفاجر القول وفاحش السُّباب، كأنما الأبصار والبصائر قد عميت عن كل تلك المخاطر، وما عادوا يرون في هذا الوطن الجريح سوى صولجان العز والجاه. تعود الأيام بالصحة والسلامة عليك أيها السودان الحبيب، وها هي ذكرى الاستقلال وأيامه المباركة تهل علينا.. أيام توجب علينا أن نتجرد من آثامنا السياسية وعقوق أوطاننا وفجور اختصامنا وضراوة احترابنا، كما يتجرد الحجيج من كساء حريرهم ومن شهواتهم وذنوبهم على ذاك الجبل المبارك. ما أحوجك أيها الوطن العزيز إلى دعاء الصحة والسلامة في مثل هذه الأيام وأنت أكثر اعتلالاً وأوهى أمناً من أي وقت مضى.