أستأذنك وأستأذن القراء الكرام فى الإنتقال بعمودك من السياسة وأوجاعها الى إستراحة فى أجواء الفنون والإبداع ... ومن ضروب تلك الفنون الفن التشكيلى الذى يظنه البعض ترفاً لا تقدره إلا الصفوة ، وأراه أنا ومعى كثيرون إحتياج إنسانى يريح العين ويبهج الفؤاد لدى كل الناس ، فاللوحة المبدعة تماثل قصيدة جميلة من الشعر تملأ النفس شبعاً وارتواءاً . وعندما نتحدث عن الفن التشكيلى فلابد من أن يأتي إسمها مقترناً به... تأتي الى مخيلتي إبتسامتها الملائكية ووجهها الصبوح الطفولي ، فالفنانة الرائعة ستنا بابكر بدرى والتي أُحب أن أُناديها (ماما ستنا) تعتبر من أوائل النساء في مجال الفنون والرسم، بما في ذلك فن طباعة المنسوجات، الثوب السوداني ، التراث و النحت على النحاس. لقد إمتاز المعرض الذى أقامته الفنانة المبدعة (ماما ستنا) فى جامعة الأحفاد للبنات في الواحد والعشرين من ديسمبر 2012 بالتنوع والإبداع. كان المعرض كقوس قُزح يرقُص فرحاً .. يُشعرك بالدفء رغم برودة الطقس، حيثُ الألوان الدافئة كانت تعُم أرجاء القاعة. لوحة تذهبُ بِك الى عالمِ الطفولة و مرحها.. وأخرى تأخُذك الى مرحلة أحلام الصبا والإثارة.. والأخرى تجعلك تغوص في الأجواء الروحانية حيثُ الدراويش في لوحةٍ يبدون وكأنهم يدورون ذكراً مهمهمين (الله ... الله ... الله) ... لوحة تجعل أنفاسك تتسارع . وما أن تستنشق بعض الهواء حتى تأخّذ أنفاسك لوحة ً أخرى وتجعلُك فاغراً فاهك لروعتها و تفاصيلها الحميمة... لوحة تُشعرك بالحنين لا أدري لمن بالتحديد، ولكنك تحُس بالحنين يَغمُرك وينفجرُ جلياً في تلألآت عينيك! أكادُ أُجزِم أن كل من و قف عند تلك اللوحة (لوحة أنا امدرمان) إجتاحه شئٌ من الحنين ممزوجاً بشجن ، فقد تفوقت الفنانة الرائعة (ماما ستنا) على مخرج سينمائي بارع بسحر أناملها وهى تأخذك الى كل ركن من أركان مدينة أمدرمان الدافئة بكل تفاصيلها التي تنبض بالحياة. عند وقوفي على تلك اللوحة ، لوهلة خلتني سمعتُ أصوات الباعة في سوق أمدرمان ورأيتُ إمرأة (مشلخة) تفاصل في سعر (فركة الرقيص)... وعندما لمحت عينايّ جامع الخليفة ومحلات يوسف الفكي، وجدتني بين زحام الموّلد النبوي وسط أصوات المدائح النبوية للطرق الصوفية المختلفة وأنا أشدُّ على « توب أمي « راجية منها أن تشتري لي أكبر «عروسة موّلد»! وأنا مغادرة لميدان الموّلد، مررت ببوابة عبدالقيوم ، ومنها الى مدينة ودنوباوي وبقيت بها لدقائق خلتها ساعات لدقة التفاصيل الحميمة التي غمرت روحى . رأيتُ الأحفاد منارةً تُنير سماء أمدرمان، رأيت أُسراً عريقة، قرأتُ تاريخاً، وشاهدت حضارة ... مختصرات جميعها في لوحة! أخرجني من ذلك المشهد، صوتُ صديقتي التى أخذت أنفاسها لوحة (الجرتق) بتفاصيلها المفرحة التي ما أن تراها حتى تسمع « الزغاريد و نقر الدلوكة « وراحة « بخور الصندل « تعُطر سماء الحوش الواسع. قال أرسطو « من شأن الفن أن يصنع ماعجزت الطبيعة عن صنعه « . تماشيا مع مقولة أرسطو، إذا حقّ لي القول فإن المعرض كان بمثابة « أفلام سينمائية حيّة «، فأية لوحة منحوتة كانت أو مرسومة أم منسوجة بمعرض (ماما ستنا) كانت تعج و تنبض بالحياة. التحية لكى الرائدة الجميلة (ماما ستنا) ... بقدر ما أسعدتنا وأبهجتنا أناملك المبدعة . نهى كمال طمبل جامعة الأحفاد للبنات