٭ قال الأبنودي لمفيد فوزي تسألني لماذا اخترت العامية طريقاً للتعبير وأقول لك إنني لم اخترها هي التي اختارتني فانا لي موقف انساني لا آيديولوجي من الطبقات الشعبية وهناك قضايا اساسية فالادب والفن عندي له وظيفة محددة في تنوير المجتمع واضاءة الظلمات. ٭ والعامية ايضاً هي لغة الناس.. فلا مجال للكذب والخداع وانه اذا كان لديك كلمة صادقة واضحة مباشرة صريحة فلا بد من استخدام العامية.. والعامية أصبحت تخاطب بسطاء الناس وتخاطب المثقفين.. فانت كمثقف تعود من عملك لتنكب وحيدا على اوراقك وتحزن حزنك الخاص.. ان العامية تشق طريقها بين جموع العامة بيسر وسهولة وتخاطب المثقفين حتى اصحاب التجارب المركبة المعقدة. ٭ من شعراء العامية الكلام ما زال للابنودي.. الذين ينطبق عليهم ما اقول صلاح جاهين الذي جاء بعد فؤاد حداد.. بيد ان جاهين كان اذكى لانه ابن الحارة المصرية واختلط بأبناء الشعب بصورة جيدة وطبيعية وعندما جاء يعبر عنهم.. عبر ببساطة وبلغة يدركها كل الناس وهنا يكمن سر شعبية جاهين.. ولذلك كان في الصفحة الاولى من كتاب الثورة ونظام الحكم في مصر وبالتالي كانت اغنياته وقصائده في الضوء الشديد.. تذكر انه شاعر عامية وشوهد وسمع واعترف له بدوره.. هذه الشرعية جعلت شاعرا مثلي يغني لوهيبة ولعدوية وللمراكب وللفلاح.. ولراكب الفورج واصبحت ادافع عن الفلاحين الذين كنت اغني لهم في السر.. انا اعترف لك رغم نجاح اغنياتي ورغم انبهارك مثلا باغنية «عدى النهار» لعبد الحليم حافظ التي كتبتها في اعقاب نكسة 76 وظفت العامية باقصى درجاتها في اعمالي الشعرية الطويلة. ٭ وحبي للغناء من اين جاء.. ردا على سؤالك لعلك لا تعرف مثلا وانا طفل قبل ان آت الى القاهرة كنت ارعى الغنم واجني القطن وامارس حياة الريف البسيطة.. اذ ان الغناء كان في دمي منذ وقت مبكر جداً. ٭ الأبنودي يكتب الاغنية بالعامية ويكتب القصيدة الطويلة بالعامية ويقول لغتي الشعبية هي فصحى الحياة.. وما زالت هذه القضية محل نقاش.. قضية الفصحى والعامية.. وقديماً دافع دانتي صاحب الكوميدية الالهية عن لغة الشعب العامية لا سيما في مجال الشعر.. اذ يعتقد ان اغراض الشعر العامي هي ثلاثة.. التعبير عن النافع والممتع والاخلاقي فالباحثون عن النافع لن يجدوه الا في معاني الامان.. وعن الممتع ليس يشك احد في ان موضوعه الاول الفضيلة.. ومن هنا يتضح ان دانتي جعل من الامان والحب والفضيلة هي الاشياء الثلاثة التي ينبغي ان يعالجها الشعر العامي. ٭ ويقول دانتي أيضاً ان اللغة العامية هي تلك اللغة التي نتعلمها بلا قواعد بمحاكاة مرضعاتنا ومن هذه اللغة تخرج لغة ثانوية هي ما كان الرومان يسمونها اللغة النحوية.. وهي لغة لا يتعلم استخدامها الا الاقلون لاننا لا نكتسب معرفتها الا بعد انفاق وقت طويل ونتيجة لدراسة مثابرة. ٭ هذه قضية ما زالت على موائد البحث.. وهي تشغلني على الدوام وأتابع ما يكتبه بالعامية شعراء الشباب وقصدت بهذه المداخلة أن احرضهم على النقاش.. واستفز الآخرين الذين يرون ان العامية تهدد الفصحى. هذا مع تحياتي وشكري