اللغة.. أية لغة في حد ذاتها لم تكن في يوم من الايام سدا منيعا او عائقا للفن العظيم والابداع المبهج.. لا سيما في مجال الشعر.. فالانسان المبدع في اي مجتمع يحتاج لأن يعبر عن نفسه في علاقته مع الحياة من حوله او مع عواطفه وتجاربه الذاتية .. يحس ويرغب في ان يسمعها الى الآخرين.. ٭ ولم تكن اللغة في يوم عائقا يعوق الفن العظيم من الانطلاق والتأثير في وجدان الناس.. فهناك الكثير من اللغات العامية البسيطة عبر بها شعراء تربعوا على عرش الابداع على مر التاريخ. ٭ دانتي صاحب الكوميديا الإلهية .. كتبها بالعامية بل دافع عنها ووضع بحثا عن البلاغة العامية.. وقال عن العامية: «اللغة العامية هي تلك التي نتعلمها بلا قواعد بمحاكاة مرضعاتنا» بل يذهب دانتي الى ابعد من ذلك ويعتبر ان استعمال العامية ينبغي ان يقتصر على افضل الشعراء الموهوبين من اصحاب الفكر النبيل.. فاللغة العامية في رأيه لغة بديلة ولا يصلح لها الا الفكر النبيل.. واغراض الشعر بالعامية عند دانتي هي التعبير عن النافع والممتع والاخلاقي .. الذي يجسد في الامان والحب والفضيلة. ٭ ودانتي بدفاعه عن لغة الكلام العادية في ايطاليا ودعوته الى اتخاذها اداة تعبير ادبي بدلا من اللغة اللاتينية.. وضع اساس اللغة القومية التي امكن ان تبنى عليه فكرة القومية الايطالية. ٭ وطاغور شاعر الهند العظيم الذي كتب شعره بلغة الكلام المحلية وهي لغة البنغال في احدى جمهوريات الهند ومن خلال هذه اللغة استطاع ان يملأ العالم برائحة الهند وافكارها.. التي كان لها الاثر الكبير في الانتاج الادبي في العالم كله. ٭ قال اندريه جيد الفنان الفرنسي المشهور «انني شعرت بفرح غامر عندما تعرفت على ادب طاغور.. ووجدت فيه انسانية جديدة مصقولة ببعده عن التوحش ممتلئة بعاطفة من الحنان الذي لا مثيل له نحو الحياة والانسان. ٭ هناك اديب اوربي آخر هو رومان رولان عشق الهند واحبها من خلال شاعرها الاكبر طاغور الذي قال عنه انه رسول آسيا الى الغرب.. آسيا كلها وليس الهند.. ٭ كل هذا فعله طاغور من خلال لغته المحلية البسيطة .. صحيح انه كتب بعض اعماله بالانجليزية .. لكن انتاجه الاساسي الذي ترجم للغات الاوربية هو ما كتبه بالبنغالية. ٭ ولماذا نذهب بعيدا فلننظرالى شعرائنا القدامى الذين قالوا الشعر بلغتهم العامية.. وهم لم يحظوا بقدر من النقد والدراسة.. ولكن مع ذلك كان حضورهم فاعلا في كل مناحي الحياة.. فقد عبروا عن النافع والممتع والاخلاقي تحدثوا عن الوطن والامان والحب والفضيلة.. وهم كثر الحاردلو .. ود الفراش .. الصادق ود آمنة عكير الدامر.. محلق .. كشاجم.. ود سند .. العبادي .. سيد عبدالعزيز، صالح عبد السيد، خليل فرح.. محمد بشير عتيق..اسماعيل حسن، ود الرضي.. ابو قطاطي .. المساح..بطران.. ٭ ومن المعاصرين كثر.. امامهم سيد أحمد الحادلو .. وحميد .. والقدال.. وود بادي.. ومختار دفع الله.. وغيرهم وغيرهن من الذين جعلوا من اللغة العامية كائناً حياً .. عبرت عن النافع والممتع.. هذا مع تحياتي وشكري..