هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    تعادل باهت بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا    ((نصر هلال قمة القمم العربية))    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في سودان بدايات النصف الثاني من القرن العشرين (1)
ما بعد توفيق صالح جبريل أو الشعر العربي
نشر في الصحافة يوم 12 - 02 - 2013


باحث في الفكر والثقافة السودانية / لاهاي
حينما كان توفيق صالح جبريل يعيش السنوات التي سبقت انتقاله إلى رحمة مولاه (إذ توفي في عام 1966) وكذلك حينما كان الأجل المحتوم يدنو من الشاعر السوداني الهام أحمد محمد صالح (المتوفي 1973) كانت هنالك الشهرة الأدبية الواسعة التي أسسها شعراء كانوا شباباً ونالوا تعليماً غربياً عالياً ونالوا مراتب علمية راقية ، ومن أهم هؤلاء صلاح أحمد إبراهيم (1933 ? 1993) ومحمد عبد الحي (1944 ? 1989) ، وتكمن أهميتها في ضخامة المعرفة الشعرية المعاصرة لكل واحد منهما وارتقاء فكر شعر كل واحد منهما.
وقبل اتساع حظوظ والأهمية الأدبية لكل من صلاح أحمد إبراهيم ود. محمد عبد الحي كانت هنالك جهود د. أحمد الطيب أحمد عبد السلام والتي أثمرت شعراً راقياً ومعاصراً وترجمات للأدب الإنكليزي وللشعر الدرامي الإنكليزي والتعريف بمشكلات الأدب والنقد في بريطانيا المعاصرة. وكان هنالك وجود النظم الشعري في شأن النضال الوطني والكفاح العمالي لمحمد عبد الرحمن شيبون. وادخل عناصر واقعية الوجود الإنساني والرومانسية في الشعر الإنكليزي في الأدب السوداني. أما شيبون فإنه نقل الشعر السياسي السوداني (شعر الوطنية السودانية والنضال ضد الاستعمار) نقله إلى شعراً يعني بالكفاح العمالي والواقعية الاشتراكية (ما يماثل شعر السوقيات وشعر ناظم حكمت أوبابلو نيرودا). وأضحى الكثير من الشعر السوداني طوال ما يلي من عهود إلى ما قبل نهايات القرن العشرين خاضعاً للأيدولوجية وغير معني بالتطورات التي طرأت فيما سبق أو فيما بعد على الشعر الإنساني (وشملت هذه التطورات «العصرانية» ما سمي بالحداثة) وما بعد العصرانية والشكلانية poet formalism ...الخ.
لقد جمعت الصداقة وتماثل الفكر (القناعة بالواقعية الاشتراكية) جمعت بين صلاح أحمد إبراهيم ومحمد عبد الرحمن شيبون وظل صلاح أحمد إبراهيم وفياً لذكرى وكفاح وأدب شيبون على النحو الذي تضمنته مقدمة الديوان الشعري المسمى (غضبة الهباباي).
وعلى الرغم من أن محمد عبد الحي برز في الساحة الشعرية على نحو متأخر بعض الشيء (بضع سنوات فقط) لقي قبولاً واسعاً الزعم بأنهما شاعران مجيدان وبعيدا الأثر ثقافياً وجمالياً ؛ وقد علا قدر شعر كل واحد منهما منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي. كذلك عد اسلوب أو نهج كل واحد منهما في نظم الشعر ، عد التعبير الصادق والبعيد في الشعر السوداني آنذاك.
* لقد كان صلاح أحمد إبراهيم ناظماً يفضل أن تكون الألفاظ قوية وفعالة وحوت أشعاره أفكاراً قطعية وقوية forcible thoughts ، وقد تواردت هذه المفردات والافكار القوية في ايقاع عذب وأخاذ. ويمكن فهم هذا من الوقوف لا على ماذا يفكر صلاح فيه بل كيف يفكر الشاعر. وكذلك كانت المفردات والافكار القوية تفضح المشاعر الدفينة للشاعر بما فيها قناعاته الأيدلوجية.
* أما محمد عبد الحي فقد تميز شعره بغرابة طوعية a sort of oddities فيما يتعلق بسبل النظم. وكانت لدى الشاعر مقدرة واضحة على تحريك الروابط فيما بين الأشعار على نحو يجعل هذه الروابط فيما بين الأشعار على نحو يجعل هذه الروابط تتحول إلى تناسق ورشاقة وكياسة تميز كل قصيدة أو أنشودة أو حتى المقاطع من اشعاره. وكذلك أشعاره ب Subtle thought الأفكار الرفيعة والمصقولة بالصور الشعرية المشرقة vivid imagery وكانت أكثر الصور الشعرية التي أوردها مفعمة بالحيوية. وكذلك تميزت أشعاره بسمو أغراضها وقوة مشاعرها.
حقاً كانت لكل من صلاح أحمد إبراهيم ومحمد عبد الحي أهميته الفائقة كشاعر وكمثقف حينما يناقش التجربة الشعرية في الربع الثالث من القرن العشرين.
وتعود أهمية جهد وشعر كل واحد منهما إلى إدراكهما حقيقة وجود ثقافات سودانية أخرى (غير العرا إسلامية السائدة) وإدراك كل واحد منهما على طريقته لحقيقة تركيب (أو تعقيد) الإنتماءات الثقافية في السودان. وبالطبع لم يصل هذا الإدراك إلى الوعي بحقيقة وجود فسحات ثقافية culture area هي منطلق التجاذب في الثقافة السودانية. كان لصلاح أحمد إبراهيم الوعي بثقافات البجة أو الدينكا. وكان لمحمد عبد الحي الإدراك بأهمية سنار. وهي أهم الدول التقليدية ? السابقة لعهد الاستعمار.
وأدت التجربتان الشعريتان لصلاح أحمد إبراهيم ومحمد عبد الحي إلى ما يلي:-
* أضحت إعادة تشكيل أو تحديد مفهوم الهويات والقيم الثقافية ومن ثم تبادلها بين الشعراء ومحبي الشعر ، أضحت هذه اتجاهات أو هموماً أدبية مقبولة.
* ومنذ الستينات من القرن الماضي الهم الشعر المهموم بالهويات أجيالاً من الشعراء السودانيين. وقبل ذلك كان تاريخ وجماليات وفكر الشعر السوداني في النصف الأول من القرن العشرين تؤكد أن الشعر السوداني في البداية مال إلى قيم إنسانية شاملة وخاطب مختلف أطياف السودانيين. إلا انه مثله مثل سائر أوجه الفكر والثقافة في السودان وقع أسيراً للتجاذب سياسياً وفكرياً وثقافياً للعرف والهويات وصراعاتها.
* دلت التجربة الشعرية السودانية الحالية أن الشعراء يميلون إلى بناء علاقة بينهم وبين عشاق الشعر وكذلك مع السودانيين عامة من خلال التطرق إلى الوطنية أو إلى الهويات الثقافية. كذلك تبين كيف أن الشعراء قد يحتفون ب (في بعض الأحيان يستغلون مشكلات الاختلاف الثقافي في البلاد).
وكان شعر محمد عبد الحي هو أول من كشف وجود ديناميكية مبنية على الإنتماء (أو على الأصالة أو على عدم توفرها) في قلب الثقافة السودانية إبان عهود ما بعد الاستعمار.
وليس التوتر النابع من صراع الانتماءات وحده هو التوتر في أشعار صلاح أحمد إبراهيم إذ:
* كان هنالك شقفه بزيادة معرفة السودانيين بالآداب العالمية وبارتباطاتهم بافريقيا وفكرها وثقافتها ومشكلات تحديث مجتمعاتها وثقافاتها بما في ذلك آدابها.
* كان هنالك ميله الدائم إلى الارتقاء بأساليب الشعر وبيانه إلى جانب التخيلات واللغة المجازية.
* كان هنالك صراعه الدائم مع المحتوى المثالي لشعره احتواء ذاك الشعر على مصطلحات أو صيغ مثالية. وكذلك حار صلاح أحمد إبراهيم مع ضرورات تناول أو التخفيف من تناول المشكلات السياسية والاجتماعية في أشعاره وفي عموم أدبه.
ولم يقتصر الأمر على صلاح أحمد إبراهيم أو عمر كذلك شعر محمد عبد الحي بالتوترات نابعة من الخلط بين ما هو عام (شأن الثقافة والشعر السوداني بمجمله) وما هو إنتمائي من الآداب والثقافة السودانية ، الخلط بين الأجزاء والثقافات السودانية (والتي لم يكن لتعرف على نحو دقيق في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين ، ويتجلى ذلك في الإشارة إلى غابة وصحراء) وخلق الخلط هواجس ضمت إلى الأفكار وجعلت جميعاً تحتل مواقع في حلبات الصراع الذي تمثل في جعل النصوص الشعرية تحول إلى مساحات جدال أوعراك ، وكذلك انعكس التوتر في صراع لساني معقد مع النص الشعري.
إلا أن للتوتر داخل الشعر في حالتي الشاعرين وجه إيجابي إذ أنه كشف جهد كل واحد منهما وأسفر عن تعاقب فز للجناس وتناغم الأصوات وتوافق الانغام وهذا ما أضفى الإشراق على شعر كل واحد من الشاعرين وكذلك امتازت أشعارهما بالحوارات واستخدام لغة الحياة اليومية وإشراك متلقي الشعر في تلك الحوارات.
في حالتي صلاح أحمد إبراهيم ومحمد عبد الحي هدف الحوار في اشعارهما إلى الكشف عن:
- عدم ركون كل واحد منهما لخياله الشاعري ولفضح شقاء العقل المتوقد لكل واحد منهما.
- وهدف الوصف والتصوير في أشعارهما إلى توضيح أفكار ودوافع كل واحد منهما. وكانت أفكارهما عميقة.
- كان ما يعرف ب setting description (زمان ومكان ومحتوى المشاهد الموصوفة أو تلك المشار إليها في الاشعار إلى جانب موسيقى الشعر) كان عبارة عن جهد لكل شاعر على حده لترك أثر عاطفي أو دمج العاطفة في الإطار الشعري.
هذه هي أهم ملامح التجربتين الشعريتين لصلاح أحمد إبراهيم ومحمد عبد الحي التي قد تطرقنا إليها في عجالة لكل حياة وجهد وشعر كل واحد منهما وقد تثمر أكثر في التعرف على طبيعة شعرهما وإسهامهما في التاريخ الأدبي للشعر السوداني المعاصر: وقبل أن نشرع في تناول شاعرية كل واحد منهما لابد من تناول الحقبة التاريخية للشعر السوداني المعاصر التي نشط خلالها الشاعران:-


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.