الحرب انها تلك الآلة التي تهلك الحرث والنسل وتتجدد في كل الازمنة والسبب فيها الإنسان ذلك المخلوق الذي كرمه الله واستخلفه في الارض ليعمرها ولكنه كثيراً ماينسي رسالته في الوجود فيعيث في الارض فسادا ويملؤها جوراً وبطشاً وظلماً ولا يسلم من فساده اخضر او جاف ولا رطب او يابس. ان الحرب مؤسسة تورطت دائمًا في التدهور والدمار البيئيين، بالإضافة إلى تورطها في خسائر بشرية كبيرة وبسبب الضرر الكبير الذي ألحق بالبيئة خلال القرن العشرين المنصرم وبعد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة وبموجب القرار (4-65)بتاريخ 5 نوفمبر 2001م، أعلنت الجمعية العامة يوم السادس من نوفمبر من كل عام يومًا دوليًا لمنع استغلال البيئة في الحروب والصراعات العسكرية، ان اثر تدهور البيئة على استقرار الأمن الدولي وبيان علاقة الترابط التي تجمع هذين المتغيرين تشكل جزءاً من الإطار الكلي للأمن الدولي. إن البيئة تعد من أهم الضحايا المجهولين الذين لا يصدر عنهم صوت ولا اعتراض في حال تعرضهم لهجوم أو لاعتداء، فعلى الرغم من براءتها وكونها تمثل فقط ما يمكن أن نسميه أرض المعركة إلا أنها تعد من أبرز ضحايا الحروب وتزداد الخسائر الفادحة التي تتعرض لها البيئة في حالات الحروب بمدى الخطورة والشراسة التي تتصف بها الأسلحة المستخدمة. إن الضرر الذي يصيب البيئة في أوقات الصراعات العسكرية يتلف النظم الأيكولوجية والموارد الطبيعية لفترة طويلة بعد الصراع، وغالبًا ما يتجاوز الضرر حدود الأراضي الوطنية والجيل الحالي ليطال أجيالاً كثيرة في المستقبل فالقواعد العسكرية تتطلب مناطق كبيرة من الأرض، والاستعمال العسكري لتلك الأرض يحطم البيئة الطبيعية تماماً، كما يتسبب في هجرة الحياة البرية فالأنظمة البيئية الحساسة تتحول إلى محميات عسكرية كما أن النمو السكاني يتراجع .ان زيادة الحروب والنزاعات تتسبب في ندرة الموارد الحيوية والتي نقصها وتراجعها يزيد من وتيرة التوتر والصراعات لتشتعل الحروب لنقص الموارد والصراع حولها وتدورآلة الحرب مرة اخري . ويأتي الاسوأ حينما تشتعل تلك الحروب في بلدان لا تملك رصيدا من التنمية اساساً مما يجعل الحرب تلقي بأعباء كثيرة علي المواطنين وتتراجع اسباب الحياة الكريمة والأمن الأجتماعي ويدفع المواطن من جوعه وصحته وأمنه فاتورة جنرالات الحرب كاملة ويتغير نمط الحياة الي حياة طاردة مملة مليئة بمناظر الدماء وصراخات النساء والاطفال، وترتوي الارض الخصبة بجثث الموتي وتتراجع الدول الي الوراء في التنمية لتتقدم عناوين الاخبار العالمية في تجاوزات حقوق الانسان . الحرب جحيم، والناس يعانون ويموتون وبالرغم من عدم صوابيتها فالحرب تستمر وتتجدد مسبباتها وكلما اطفئت في مكان اشتعلت في اماكن اخري، وياويل الشعوب التي ترث اجيالها الحرب تلو الحرب ، ونحن عادة ننظر إليها من منظور انها اختلافات في وجهات النظر بين الفرقاء اذا كانت داخلية وحتما سيأتي يوم ويجتمع الفرقاء وتقام الاحتفالات وينتهي العرض المميت !!!!! و نادرًا ما نسمع عن الاراضي التي هلكت واصبحت ميتة وعن مواكب الآليات الثقيلة والقوات العسكرية التي تشق طريقها عبر الحقول والوديان تقطع الاشجار في طريقها تهرب الطيورمن مسارها تتلوث مجاري المياه من آلياتها، تقطع الالغام جذوع ناسها وشجرها تحطم قشرة الارض الرقيقة الهشة التي تحميها من التآكل والانجراف، ويعري سطح التربة التي ستشكل بدورها تلال الرمال المتحركة التي ستدوم لمئات السنين تنتظر الاجيال القادمة كهدية عيد من ابائهم ذكري لحروبهم المقدسة التي ادهشت الطيور في سمائها والنمل في جحوره ، والمساحات الهائلة التي يجتاحها التلوث والحيوانات التي تنفق اوتتيه من هول المشهد. ان الطبيعة تبكي حزينة بدموع لا يراها اصحاب الحرب والدمار، والمطر يحزن حينما يهطل علي مزراع خاوية تركها اصحابها وبيوت فرغت من ساكنيها فلا يوجد في الطرقات اطفال يلعبون تحت رذاذه أويفرحون بمجيئه، انهم ذهبوا الي هناك غرباء في معسكرات الردي والخراب تطحنهم آلة الدمار ومصيرهم معلق علي ساسة لا يتفقون ولا يفهمون، وغداً سنُرغم خاضعين للنظر الي ما حدث والي ان نأخذ بعين الاعتبار الضرر الذي نلحقه بالانسانية والطبيعة ، عندها فقط قد نفكر جادين في وضع حد للحرب وإلى الأبد ، ونأمل ان نعي خطورة وضعنا والتهديد الخطير الذي يواجهنا على صعيد بقائنا كجنس بشري على هذه الأرض. نحن في السودان شهدنا حربا ونزاعاً في جنوب السودان استمرا لمدة خمسين عاماً!!! دفعنا فاتورتها كاملة وبعد كل هذا رحل الجنوب عنا واشتعلت الصراعات في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الازرق ولا زالت البيئة تدفع الثمن الغالي في صراع السلطة والمال. ان الطبيعة تعاني وتشكو لخالقها هوانها في السودان وهي لا تأتي حتي في مؤخرة ذهن الساسة و جنرالات الحرب ويعتبر الحديث عنها ترفاً من شوية اكاديميين يعشيون خارج مجال الزمن يبكون علي الاشجار المقطوعة ويتنهدون علي حيواناتنا التي تعرض في محميات كينيا ويشكون الي رب السماء هوانهم وقلة حيلتهم وعدم سماع احد لنداءاتهم ويفزعون في الليل حينما يتذكرون ان اخر رئة للسودان في غابات جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان تسحقها آلة الدمار الشامل في صمت ولا احد يقول بغم . وينسي الساسة و جنرالات الحرب ان الهيكل العظمي للانسان السوداني ينكمش ويتضاءل من حجم المعاناة والألم والجوع، وان غازات آلات الحرب نفدت الي عظامنا والامراض الفتاكة الغريبة تتسلل داخلنا وعنف الحرب يتسلل الي بيوتنا فهنا طفل يذهب الي مدرسته وهو يحمل سكيناً وأخر يقتل زوجته لمجرد سؤالها عن مصروف اليوم وقصص الاحتيال وغيرها انها افرازات الحروب التي تقود للجوع والنزوح وفقدان الامان والحقد علي الاخر، ان هناك شرخاً اجتماعياً اقتصادياً وسياسياً بين افراد الشعب الواحد ظاهر علي السطح ورجع الجميع الي تعزيز نمط المجتمعات العشائرية وتعزيز الاختلاف والاقتتال، مما ادي الى تفكيك الروابط الاجتماعية المدنية واصبح الجميع ينظر للاخر بعين الشك والريبة فتخلخل النسيج الاجتماعي للمجتمع ولا زالت آلة الدمار تدوي في ظلام لا يظهر فجره .لقد خلق الله عز وجل الكون وبيئاته وأحكم صنعها بدقة متناهية من حيث النوع والكم والكيف والخصائص فكل شيء عنده سبحانه بقدر معلوم، وقد أعطى جلت قدرته لكل عنصر ومكون من مكونات الطبيعة حقه ودوره ومنهجه في الوجود، وأعطى للبيئة ككل، توازنها وقدرتها على استمرارية الحياة، قال الله تعالى في محكم تنزيله: (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون*وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين*وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) (الحجر) (ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) (آل عمران) ( وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدرفيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) (فصلت) الا تكفي هذه الآيات الكريمة وآيات أخرى غيرها ان نحافظ علي التوازن في الطبيعة ونتأمل في التضامن والتكامل والتكافل بين النبات والحيوان والإنسان؟ والي دقة نظم النسيج الألهي فنأتي نحن البشر لكي نحل هذا النسيج ونتركه مفككاً إرضاء لنزوات دنيا في دنيا زائلة وجاه اسود فليحكم السودان من يحكمه لكن اوقفوا تلك الحرب