لم تتحمل قحط البقاء كثيرا بعيدا من حضن العساكر    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    الأحمر يعود للتدريبات    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    الخارجية السودانية تستوضح السفير السعودي بشأن فيديو تهديد أفراد من المليشيا المتمردة    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    شاهد بالفيديو.. في مشهد مؤثر البرهان يقف على مراسم "دفن" نجله ويتلقى التعازي من أمام قبره بتركيا    المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة مع دول عربية في غزة بعد الحرب    الحرس الثوري الإيراني "يخترق" خط الاستواء    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



امتلاك أسلحة الدمار الشامل للأفراد والجماعات في ميزان السياسة الشرعية .. تقديم الأستاذ: عبدالمحمود أبّو ابراهيم
نشر في سودانيل يوم 04 - 10 - 2012


المملكة الأردنية الهاشمية
عمان
مركز الامام (أبوعبدالله) الشافعي العلمي
امتلاك أسلحة الدمار الشامل للأفراد والجماعات
في ميزان السياسة الشرعية
تقديم الأستاذ: عبدالمحمود أبّو ابراهيم
الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار – السودان
ورئيس المنتدى العالمي للوسطية – فرع السودان
من 2-3 10 – 2012م
بسم الله الرحمن الرحيم
من خصائص الإسلام –الرسالة الخاتمة – أنه يتضمن منهجا قادرا على معالجة المستجدات التي تطرأ؛ فأحكامه مقسمة إلى ثوابت ومتغيرات؛ فالثوابت مجالها العقائد والعبادات وأصول الأخلاق، والمتغيرات مجالها المعاملات والوسائل، وهي تدخل في باب السياسة الشرعية التي عرفها ابن عقيل في الفنون، ونقلها عنه ابن القيم في كتابه السياسية الشرعية؛بقوله"السياسة ماكان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلي الصلاح وأبعد عن الفساد" والصحابة رضوان الله عليهم واجهوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قضايا كثيرة؛ فتعاملوا معها بمنهج السياسة الشرعية، واجتهدوا فاستبطوا أحكاما تنطلق من النصوص، وتراعي المقاصد، وتلائم الواقع،ومن هذه المستجدات التي تعاملوا معها الآتي:
- خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم
- جمع المصحف الشريف
- محاربة مانعي الزكاة
- تدوين الدواوين
- عدم تقسيم سواد العراق
- اتخاذ السجون
وغيرها من القضايا الكثيرة التي استجدت في حياتهم، وسار على نهجهم أئمة المذاهب والعلماء في مختلف العصور؛فوضعوا قواعد لكافة أنواع العلوم، على قاعدة مالايتم الواجب إلابه فهو واجب.
إننا نعيش في عصر استجدت فيه نوازل كثيرة، وقضايا مستحدثة؛ توجب علينا البحث لاستنباط أحكام تلائم الواقع وتحقق مقاصد الشرع.
ومن القضايا المعاصرة التي يحتاج حكمها إلى تحرير؛ استعمال أسلحة الدمار الشامل،وهي أسلحة تمثل أوج ما بلغه التقدم التكنولوجي في هذا العصر،وتمتلك قدرة خارقة وهائلة على التخريب والتدمير،بحيث تهلك الحرث والنسل،وتبيد الخضراء والحمراء وفي ظل الاضطراب العالمي بعد سقوط المعسكر الشرقي، واستقلال الدول التي كانت تحت مظلة الاتحاد السوفيتي، عجزت الدول المستقلة عن التحكم في مخلفات الدولة العظمى، ومن بينها أسلحة الدمار الشامل التي ربما تكون وجدت طريقها لبعض الأفراد والجماعات؛ من تجار السلاح والحركات الارهابية وربما بعض حركات المقاومة.
طبيعة أسلحة الدمار الشامل:
كانت الأسلحة المستخدمة قديما محدودة، من حيث قدرتها على القتل، ومن حيث امتداد تأثيرها بعد استخدامها، فكان السيف وهو السلاح الذي يعتمد على المواجهة بين المتقاتلين، وهو سلاح لا يقتل بضربة واحدة إلا فردا فردا ولا يقتل جماعة، وكانت الحربة والسهم، وهو سلاح لا يعتمد على المواجهة، ويمكن له أن يحقق أثره ولو على البعد، لكنه بعد محدود، وكان المنجنيق، وهو الآلة المعدة لقذف بعض الأحجار ونحوها على البعد التي يمكن أن تهدم بعض البنيان أو تحدث فيه فجوة، وأما المركبات العسكرية التي تستخدم في القتال فكان أقواها وأمضاها الخيل، وما زال السلاح يتطور وينتقل من طور إلى طور حتى ظهرت الأنواع المتعددة من الأسلحة ذات الإمكانات المختلفة من حيث القدرة على الإصابة الدقيقة، ومن حيث القوة التدميرية الهائلة، ومن حيث مدى الرمي المديد جدا، فظهرت البندقية والمدفع والصاروخ والدبابة والطائرة والسفن الحربية ذات الطرازات المتعددة، وقد ظهر في العقود الأخيرة أخطر ما يمكن تصوره من الأسلحة، وهي التي توصف بأسلحة الدمار الشامل، ويظهر من اسمها أنها أسلحة تعتمد التخريب والتدمير الممتد بلا ضوابط أو حدود تقريبا، ويشمل تخريبها وتدميرها للبيئة كلها بجميع مكوناتها من الإنسان والحيوان والنبات والهواء والماء والتربة، وهي أنواع متعددة، يجمعها ويؤلف بينها ذلك الوصف المتقدم
أنواع أسلحة الدمار الشامل:
هناك ثلاثة مجموعات من هذه الأسلحة:
1- أسلحة نووية : انشطارية (القنبلة الذرية)، اندماجية (القنبلة الهيدروجينية أو النووية الحرارية)، نووية تجميعية (القنابل ذات الانشطار المصوب)، داريولوجية (القنبلة الإشعاعية "القذرة")
2- أسلحة كيميائية : تعتمد هذه الأسلحة على استخدام الغازات السامة بمختلف أنواعها، أو الغازات التي تسبب الاختناق وتمنع وصول الهواء إلى الرئتين، ومن تلك الأسلحة الكيميائية غاز vx وهو غاز الأعصاب، وغاز الخردل، وغاز الفوسجين، وغاز الكلور، وغاز السارين وغاز السيانيد، والجمرة الخبيثة، والفوسفور
3- أسلحة بيولوجية أو جرثومية، وتكون إما بكتيريا أو فيروسات أو خمائر .وتعتمد هذه الأسلحة على نشر الأمراض الفتاكة كأمراض الطاعون والجدري والكوليرا وغير ذلك، ونشر الفيروسات والبكتريا في التجمعات عن طريق وضعها في الأطعمة أو مياه الشرب أو الأغطية التي يستعملها الناس ونشرها على أوسع نطاق بوسائل متعددة كاستخدام الحيوانات والحشرات الحية والنافقة التي تنقل العدوى كالفئران والبراغيت الحاملة للطاعون والكوليرا، وقد صارت كل هذه الأوبئة تعد وتجمع فيما يعرف بالقنبلة البيولوجية ثم تلقى على الأعداء لنشر الأوبئة والأمراض.
وكل هذه الأسلحة بفروعها الثلاث، قد استخدمت في الحروب في القديم والحديث، بدءا من الأسلحة البيولوجية ومرورا بالأسلحة الكيميائية وانتهاء بالأسلحة النووية
خصائص أسلحة الدمار الشامل:
تتميز هذه الأسلحة بعدة خصائص تميزها عما سواها، فمن ذلك:
1- ليس لها سلاح مضاد يمنع تأثيرها أو يبطل أثرها، فالطائرة مثلا لها مضادات جوية وهي طائرة مثلها، ولها مضادات أرضية كالمدافع المضادة للطائرات والصواريخ وهكذا، أما أسلحة الدمار الشامل فليس هناك سلاح يمنع تأثيرها أو يبطل أثرها.
2- التأثير الشديد على البيئة: تؤثر أسلحة الدمار الشامل على البيئة كلها، سواء الإنسان أو الحيوان أو الزرع أو الهواء، تأثيرا شديدا، كل ذلك في آن واحد، ولا يقتصر أثرها على مكون من مكونات البيئة كالإنسان مثلا.
3- امتداد التأثير زمنيا: لا يقتصر أثر تلك الأسلحة على الفترة الزمنية التي استخدم فيها السلاح أو قريبا منها، بل قد يمتد أثرها إلى عدة عقود تالية لاستخدامها حتى إنه يشمل أجيالا لم تكن مخلوقة زمن استخدامها.
4- القوة التدميرية الهائلة التي تفوق الخيال: فلهذه الأسلحة قدرة فائقة على التدمير، فلا يقتصر أثرها على إحداث بعض الإصابات التي يسهل علاجها في بعض المجالات، بل تتعدى ذلك إلى التدمير الكلي أو قريبا منه سواء للإنسان أو الحيوان أو الزرع أو التربية أو الهواء.
5- المساحة التدميرية الضخمة: السلاح العادي مهما بلغت قوته التدميرية لا يتعدى مساحة محدودة، بينما مساحة التدمير والخراب التي توجدها أسلحة الدمار الشامل مساحة واسعة جدا، تبتلع حجم مدينة ، (وإن وجدت محاولات لإيجاد طرازات من هذه الأسلحة يكون تأثيرها محدودا بمساحة أقل، لكنه يبقى مع ذلك أكثر بكثير جدا من المساحة التي تتأثر بالأسلحة التقليدية).
ويترتب على العاملين الأخيرين زيادة حجم الإصابة والدمار بدرجة عالية، حتى إنها تشمل الكثيرين من المحاربين وغير المحاربين ومن الموجودات جميعها.
6- الأمراض الفتاكة التي تبقى مع المصابين في تلك المعارك (سواء كانوا من الجنود أو من غيرهم)، بعد نهايتها، وإلى نهاية حياة المصاب في غالب الأحيان.
هذه الأسلحة بهذه القوة التدميرية الهائلة،تنتجها الدول لعدة أسباب منها: الردع حيث يمتنع الأعداء من العدوان على دولة تمتلك قوة تدميرية هائلة، تلحق أذى بليغا بمن يعتدى عليها، ومن الأسباب أيضا؛ حماية مصالح الدول وممتلكاتها ومواطنيها، وقد يكون الهدف هو السيطرة والهيمنة، فالدول التي تمتلك مثل هذه الأسلحة يمكنها أن تفرض سيطرتها على الدول الأخرى التي لاتتمتع بهذه الميزة، قال تعالى: "كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى" [العلق:6-7] وهذه الأسلحة يحظر امتلاكها للأفراد والجماعات؛لأنهم لايقدِّرون خطرها، ولايستطيعون التحكم فيها واحتواء آثارها، فالأسلحة التقليدية الفتاكة مثل القنابل والمدافع الرشاشة والدبابات؛ إذا امتلكها الأفراد والمجموعات سيترتب عليها ضرر كبير؛ ومن باب أولى أسلحة الدمار الشامل،بل إن الدول الضعيفة والمضطربة لايسمح لها بامتلاك هذه الأسلحة لعدم قدرتها على التحكم فيها،
تكييف الواقع:
عالم اليوم لا نجد له وصفاً في التاريخ , فكتب السير عندنا تتحدث عن نظام دولي ينقسم إلى دولتين هما دولة الإسلام ودولة الكفر , ودولة الكفر إما أن تكون حربية وإما أن تكون داخلة مع المسلمين في عهد , ولكننا اليوم نعيش في عالم مختلف:
- التقسيم التاريخي للعالم الذي يقسمه إلي دولة الإسلام ودولة الكفرتجاوزه الواقع.
- دولة الخلافة التي كانت تحكم العالم الإسلامي قد زالت.
- النظام العالمي اليوم يقوم على دول قطرية؛ تقوم الحقوق فيها على أساس المواطنة.
- قامت منظمة دولية، هي الأمم المتحدة،ومنظماتها الفرعية المتخصصة، وهي مؤسسة يحكمها ميثاق عالمي يهدف إلى حفظ الأمن والسلم الدوليين , وتضم الأمم المتحدة دولاً تنتمى إلى كل الأديان والثقافات والقارات,
- هناك تكتلات إقليمية كالاتحاد الأوروبي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي, إضافة إلى تكتلات إقتصادية وأحلاف عسكرية ومنظمات ثقافية , وجمعيات حقوق الانسان .. وغيرها من المؤسسات الدولية التي تتدخل في سيادة الدول وحرية الأفراد بقوة القانون الدولي .
إننا أمام هذا التحدي الدولي المعاصر؛ مطالبون ببلورة منهج للتعامل مع هذا الواقع من داخل ديننا، حتى نكون متصالحين مع أنفسنا، ومع عقيدتنا، وقادرين على التعاطي مع واقعنا بإيجابية . ففي هذا الواقع تعتبر الدول هي الكيانات الشرعية التي تمتلك وسائل القوة، وتنشئ المعاهدات والمواثيق، وتعلن الحرب والسلام، لأن السياسة الشرعية هي: تقدير الموقف وفق المعطيات المتاحة، فالدول تقوم على مؤسسات، ويحكمها دستور، وهي المسئولة عن حماية المواطنين، وتوفير الأمن والاستقرار لهم؛ ليمارسوا حياتهم الطبيعية، والدولة محكومة بمواثيق ومعاهدات مع الدول الأخرى، ومع المجتمع الدولي؛ بموجبها تحمي مصالحها وتراعي مصالح الآخرين، هذه الميزة لاتتوفر للأفراد والجماعات، ومفهوم الإسلام للسلم يقوم على أساس مبدأ من أراد السلم استعد للحرب، وهو المبدأ المعروف في القانون الدولي بنظرية السلم المسلح والتي تعني : (أن الدولة التي تتقن تسلحها لا تحمي نفسها فحسب، بل تفرض على غيرها احترام سلمها وعدم التعرض لها، فالذي يفكر في الاعتداء عليها، يعلم أن الحرب معها اثمها أكبر من نفعها ولذلك يستقر السلم وموضوع أسلحة الدمار الشامل من المواضيع العالمية التي أنشئت وكالات لمراقبتها وحظرها حتى على الدول.
امتلاك أسلحة الدمار الشامل للأفراد والجماعات في ميزان السياسة الشرعية:
الاسلام دين خاتم وأحكامه تغطي كافة المجالات،وحياة المسلم كلها يجب أن تكون "وفق أحكام الشرع الحنيف، وضوابط السياسة الشرعية؛ القائمة في جوهرها على دفع المفاسد وجلب المصالح، والنظر في المآلات ودقة الموازنات؛ باحتمال المفسدة الأخف بدفع المفسدة الأشد، وعند الاشتباك لابد من تحديد الواجب الذي يترك لما هو أوجب، وما هو الفعل المحرم الذي يفعل لاجتناب ما هو أسوأ؛ بعيدا عن التحليل أو الإسقاط؛ فالشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، ودفع شر الشرين، وترجيح خير الخيرين" وأحكام الشريعة بالنسبة للتطبيق تتنوع؛ فهنالك أحكام يطبقها الأفراد على أنفسهم وعلى من حولهم، وأحكام يطبقها المجتمع عبر مؤسساته وهيئاته وجماعاته، وأحكام يطبقها الحاكم؛ وهذ التقسيم يسمى "الاختصاص"، فلا يجوز للأفراد والجماعات أن يطبقوا الأحكام الخاصة بولاة الأمر من عند أنفسهم دون تفويض من صاحب الاختصاص،فأحكام القصاص والحدود، والمعاهدات بين الدول وإعلان الحرب،وغيرها من الأحكام العامة؛ هي من إختصاص ولاة الأمر، والوسائل التي تطبق بها هذه الأحكام يجب أن تكون ممولوكة للدولة لأن مالا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب.
والمنهج الذي يحكم مثل هذه القضايا يقوم على فقه المقاصد، وفقه الواقع، وفقه الموازنات، وفقه المآلات، وبتطبيق هذا المنهج على هذه النازلة وهي "امتلاك الأفراد والجماعات لأسلحة الدمار الشامل" نستبط الآتي
أولا:إن الأسلحة يمتلكها الانسان؛ للدفاع عن نفسه وعن عرضه وعن ممتلكاته، ولردع من يحاول الاعتداء عليه، ومن مقاصد امتلاك الأسلحة تحقيق السلام ومنع العدوان،والمحافظة على الحياة، أما امتلاك أسلحة الدمار الشامل للأفراد والجماعات؛ فإنه وإن حقق الردع؛ لكنه لايحقق السلام، ويضر بالبيئة، وربما أدى إلى قتل آلاف الأبرياء نتيجة لتسرب الاشعاعات والجراثيم لأن تكلفة تخزين هذه الأسلحة والمحافظة عليها عالية جدا؛ قد لاتتوفر للأفراد والجماعات كل الوقت.
إن مهمة الإنسان في هذا الكون، تتمحور في وجوب الحفاظ على كافة ملامح الحياة فيه ومظاهرها، وبالتالي فإن أي عمل من شأنه الانتقاص من هذا الواجب أو الإخلال به هو محرم قطعاً، وأسلحة الدمار الشامل تضر بالبيئة، وتدمر العمران، وتقتل الحيوان والانسان، وتؤدي إشعاعاتها إلى أضرار وخيمة؛ تمتد إلى أجيال ،ولا يخفى ما في هذه الأسلحة من مفاسد عظيمة على الإنسان والطبيعة والبيئة،بل إن مفاسدها تتعدى إلى النسل والذرية؛ممن لا علاقة لهم بالقتال والحرب،وتخزينها يتضمن مخاطر جسيمة،فقد تتسرب بعض موادها أو إشعاعاتها،فتتسبب في مفاسد عظيمة لا يمكن إيقافها،وما حادثة تشرنوبيل عنا ببعيد.
إن هذه المفاسد أعظم من المصلحة المرجوة، ، وقد أجيز امتلاكها للدول على وجه الاستثناء مع القدرة على احتواء آثارها، فامتلاكها للأفراد والجماعات عرضة لانتشار آثارها السالبة وهو مناقض لمقاصد الاسلام في هذه الحياة،قال تعالى: "ولاتفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"[الأعراف:56]
ثانيا:أجاز الفقهاء المعاصرون استعمال هذه الأسلحة بشروط هي :
1- : أن لا ينطوي استخدامها على أضرار مباشرة بالمسلمين أو بغيرهم من المعاهدين الذين ليسوا طرفاً في الحرب،كما لو كان يخشى من انتقال تأثيرات هذه الأسلحة إلى بلادهم، وذلك عملاً بالقاعدة الشرعية : "لا ضرر ولا ضرار" .
2- أن يكون استخدامها ضد أهداف العدو العكسرية والاستراتيجية، إلاّ إذا اقتضت الضرورة استخدامها ضد أهدافه المدنية، فيجوز عملاً بالقاعدة الشرعية" الضرورات تبيح المحظورات".
3- أن يكون استخدامها محدوداً وبالقدر اللازم حجماً ونوعاً، وذلك عملاً بالقاعدة الشرعية" ما أحل لضرورة أو حاجة يقدر بقدرها ويزال بزوالها" .
لكن الرأي يتناقض مع هدف رسالة الإسلام التي جاءت بالسلم والرحمة، فلايجوز تدمير الحياة بحجة أن الآخرين قد بادروا؛ لأن رسالة الإسلام رسالة أخلاقية جاءت لتنزع الشر من الحياة فكيف تجاري الآخرين؟ وإذا فرضنا جدلا مشروعية المعاملة بالمثل فإن هذه الشروط لاتتوافر عند الأفراد والجماعات، وإنما تتوافر عند الدول؛ لأنها تتطلب امكانات وقدرات ومعلومات، وتقديرا للموقف،بعد تحليل وتمحيص وتقييم للواقع،ولايتحقق ذلك إلا في دولة تمتلك المؤسسات والآليات المعنية بهذه الأمور. وعليه فإن الشروط الشرعية لامتلاك هذه الأسلحة لاتتوفر عند الأفراد والجماعات، فإذا اختل الشرط انتفى الحكم.
ثالثا: المفهوم الإسلامي للجهاد وأغراض الحرب بشكل عام:
غني عن البيان أن الحرب كانت قبل ظهور الإسلام هي القاعدة العادية للعلاقات بين مختلف الجماعات الإنسانية، فكانت تعد سياسة وطنية لدى الحكام ووسيلة لإشباع غريزة السيطرة والطموح عندهم، وسبيلاً للتوسع والحصول على المغانم وعندما جاء الإسلام لم يقبل هذه الظاهرة، فجعل من أهداف دعوته العامة ورسالته السامية، الحد من المنازعات والخصومات بين الناس وإقرار الأمن والسلام، لذا أقام العلاقات بين بني البشر على أساس من المساواة وعدم التفاضل إلاّ بالخير والتقوى، وعلى أساس من التعارف وعدم الاعتداء، يقول الله سبحانه وتعالى:"يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة"،ويقول:"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"[الحجرات:13]
وإذا كان الإسلام قد أقر الجهاد سنة ماضية إلى يوم القيامة، وإذا كان المسلمون قد حاربوا غيرهم، فإن ذلك لم يكن بهدف التوسع الإقليمي، أو الكسب المادي، أو بث التعاليم الإسلامية بالقهر والعنف، وإنما كان لإقامة حياة جديدة، مؤسسة على الحرية الخالصة، ولنشر الإسلام العالمي في دنيا الوجود،قال تعالى "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظالمين"[البقرة:193] الجهاد في الإسلام حرب شرعية عادلة؛ تهدف الخير للإنسانية، شريفة في بدئها وانتهائها وفي وسائلها،قال الخليفة أبوبكر الصديق رضي الله عنه ليزيد بن أبي سفيان عندما بعثه مع الجيش"إني موصيك بعشر خلال:لاتقتل امرأة ولاصبيا، ولاكبيرا هرما،ولاتقطع شجرا مثمرا، ولاتخرب عامرا، ولاتعقرن شاة، ولابعيرا إلالمأكلة، ولاتعقرنّ نخلا ولاتحرقه، ولاتغلُل، ولاتجبن" فهي من أجل المحافظة على دين الله تعالى ..ومن أجل المحافظة على بقاء الجماعة الإسلامية والدفاع عن سيادتها؛ عندما لا يرضى أعداء الإسلام حسن الجوار؛ القائم على الإنصاف وحرية العقيدة
"من حق المسلمين على اختلاف طوائفهم وفرقهم رد العدوان ودفع الصائل العام والخاص شريطة التقيد بضوابط الشرع والأخلاق في رد الاعتداء لقوله تعالى" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" البقرة19. قال الإمام مالك رحمه الله " لا يُقتل الأعمى، ولا المعتوه، ولا أصحاب الصوامع، وكذلك لا يقتل الشيخ الفاني" وقال ابن عباس رضي الله عنه " وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمني ونحوهم" فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله..
وإن كان بعض أئمة الفقه يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر ولكن الصحيح عند المحققين من أهل العلم إن علة القتال هي المحاربة والعدوان لا مجرد الكفر" .وفي القانون الدولي العام تعد الحرب التي تدخلها الدولة دفعاً لاعتداء واقع عليها، أو حماية لحق ثابت لها، حرباً مشروعة، لأن من حق كل دولة أن تدافع عن نفسها. وقد نصت المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة على هذا الحق باعتباره حقاً طبيعياً مقدساً، فجاء فيه : (ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي وإعلان الجهاد من اختصاص ولي الأمر، فامتلاك الأسلحة المدمرة للأفراد والجماعات قد يغريهم بأنهم قد أصبحوا أقوياء، وبالتالي من حقهم إعلان الحرب على الدول والأفراد الذين يعتدون على المسلمين دون حساب لتعقيدات الواقع، وأضرار المآلات فيُدْخِلُون الأمة في معركة غير متكافئة، ويلحقون بها ضررا لايعلم عاقبته إلا الله. فالواجب الشرعي منعهم وذلك لتحقق الضرر بامتلاكهم لهذه الأسلحة المدمرة.
رابعا: أن هدف الإسلام الأسمى هو تحقيق العدالة في الأرض، وقيام العلاقات بين البشر على أساس من المساواة، ومن غير استعلاء، فهو شريعة عالمية تنظم العلاقات الدولية على أساس من سيادة روح القانون السماوي، وعلى مبدأ التعاون والإخاء الشامل بين الأمم .وهو وإن اقرّ الحرب إلاّ أنه جعلها محكومة بمبادئه الأخلاقية التي رسمها الخالق عز وجل، فلا ظُلم ولا عدوان. وهي حرب لحماية الأنفس والممتلكات والمقدسات لكل العقائد. قال تعالى:" أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" [الحج:39-40]
إن ارتباط الدولة الإسلامية بمعاهدة من معاهدات أسلحة الدمار الشامل؛ يرتب عليها أحكاماً تختلف عما لو لم تكن مرتبطة بمثل هذه المعاهدات، سواء فيما يتعلق بالأفعال التي يجب القيام بها أو تلك التي يتحتم الانتهاء عنها،. فالمسئوليات المترتبة على التعامل مع أسلحة الدمار الشامل محكومة بهذه الضوابط التي لاتقوم بها إلاالدول، وامتلاك الأفراد والجماعات قد يخل بهذه الشروط، ويدخل الدولة في أزمات يصعب تداركها.
خامسا: إنّ ممن يتصدون للفتوى في القضايا المعاصرة عليهم ادراك الواقع؛ فالفقيه من يمتلك القدرة على استنباط الأحكام من النصوص مع اعتبار الواقع ومراعاة المقاصد . واستخراج الحكم مجرداً دون مراعاة الواقع وتعقيداته؛ يوقع الأمة في حرج . فلا بد لمن يتصدى للفتوى أن يدرك طبيعة الواقع المعاصر؛ بتعقيداته وعلاقاته السياسية والإقتصادية والإجتماعية والإدارية؛ حتى لا يغرد خارج السرب، والفتوى الفردية فى القضايا الكبرى المتداخلة والمعقدة لا تكون مجدية في هذا العصر؛ الذي توفرت فيه المعلومة بصورة غير مسبوقة ، فهناك ضرورة إلى قيام مؤسسات للفتوى تضم كل التخصصات الشرعية والمدنية ، تجمع علماء الشرع وعلماء السياسة والإقتصاد والطب والإجتماع والفلسفة والعلاقات الدولية والقانون حتى تتمكن من إصدار فتاوى تقل فيها نسبة الخطأ وتكون جامعة مانعة . .وأسلحة الدمار الشامل أسلحة مدمرة لم يعرف التاريخ لها مثيلا؛وتتضح خطورتها من معرفة آثارها فالولايات المتحدة الأمريكية ألقت قنبلتين نوويتين على اليابان عام 1945م أدتا إلى مقتل أكثر من مأتي ألف شخص ومابقي منهم أحياء لايزالون يعانون من أمراض الاشعاع التي سببتها هاتان القنبلتان هذه الآثار ينبغي أن تكون حاضرة لمن يتناولون موضوع هذه الأسلحة،ولاشك أن امتلاكها للأفراد والجماعات دون الدول ستكون له آثار كاثية؛ لأن الأفراد والجماعات لايضبطها قانون عام ولامواثيق دولية،فيتصرفون وفق أهوائهم وقناعاتهم،ولايجوز ترك مصير البشرية للأهواء والأمزجة.
النتائج:
أولا:مراعاة أن أسلحة الدمار الشامل محرمة دوليا لأنها تتناقض مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، فاستعمالها يؤدي إلى الابادة الجماعية .
ثانيا:ادراك أن استعمال هذه الأسلحة يتناقض مع العدالة؛ لأنها تصيب البريء وغير أخلاقية لأن أثرها الضار يصيب البيئة والحيوان ويمتد إلى أجيال لاحقة.
ثالثا: تخلف هذه الأسلحة أمراضا فتاكة تصيب كل من يتعرض إليها وتستمر معه حتى نهاية حياته.
رابعا:لايجوز امتلاك هذه الأسلحة حتى للدول إلا استثناء عند الضرورة؛ لردع العدو، ومنعه من استعمالها وذلك بشروط:القدرة على سلامة تخزينها، ومنع أي تسريبات لإشعاعها،واحتواء آثارها،والمحافظة عليها من الوقوع في أيدي من لايحسن استخدامها.
خامسا:يحرم امتلاك الأفراد والجماعات لهذه الأسلحة لأن شروط امتلاكها لاتتوفر عندهم، على قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
سادسا: الأدلة الشرعية لاتجيز امتلاك الأفراد والجماعات لهذه الأسلحة، منعا للفساد في الأرض ومحافظة على الأرواح والممتلكات، وتحقيقا لمقاصد الاسلام الضرورية والحاجية والتحسينية.
سابعا:ضرورة أخذ رأي أهل الاختصاص في كافة المجالات الاستراتيجية والقانونية والصحية والدينية حتى تكون الفتوى محكمة ومؤثرة على الواقع.
والله أعلم
عبد المحمود أبو [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.